الحلم عند الغضب للداعية مصطفى حسنى

كم من مرة مررت بإناس في الشوارع ووجدتهم يتصارعون لأسباب تافهة؟ وكم من مرة تناقشت مع زميل أو

صديق ووجدت نفسك تحتد عليه وقد يصل بينكما الأمر للخصام؟ وكم من أزواج خربوا بيوتهم ووصلوا إلى

طريق مسدود في ساعة غضب؟ وكم من صلة رحم انقطعت في لحظات تهور وتسرع؟ الإنسان يتعرض في

حياته اليومية لضغوط عدة قد تؤدي به أن يطاوع هوى نفسه فيحتد وينفعل، وقد يصل الأمر بالبعض إلى حد

السباب وتبادل الشتائم، ثم قد يصل إلى الاشتباك بالأيدي والصراع الجسدي، ويحدث ذلك لأقل الأسباب

وما أحوجنا الأن إلى إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع الآخر في اختلافنا قبل اتفاقنا.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ"

حديث صحيح. والمعنى هنا أننا نفتقد حقًا إلى خلق من أسمى أخلاق الإسلام والتي أمرنا بها الله تعالى

في قوله: "...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (سورة آل عمران: 134) وحثنا

عليها رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

ومن أسباب الحلم الباعثة على ضبط النفس:

الرحمة بالمخطئ والشفقة عليه، واللين معه والرفق به، فلا يمكن أن يجتمع الناس إلا على أساس الرحمة

والرفق، قال سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "فَبِمَا رَ*حْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا

غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ* لَهُمْ وَشَاوِرْ*هُمْ فِي الْأَمْرِ*" (سورة آل عمران: 159).


والحلم شرف للنفس ودليل على علو الهمة بحيث يترفع الإنسان عن السباب وغيره، ويسمو بنفسه فوق

هذا المقام. وأيضًا من الأسباب التي تدفع أو تهدئ الغضب سعة الصدر وحسن الظن بالناس مما يحمل

الإنسان على العفو، والتدرب على الصبر والسماحة واحتساب الأجر وطلب الثواب عند الله. وأخيرًا أن هذه

العضلة التي في صدرك قابلة للتدريب والتمرين، فمرّن عضلات القلب على كثرة التسامح، وجرّب أن تملأ

قلبك بالمحبة فلن تشعرأن قلبك ضاق بالناس، سامح كل الذين أخطأوا في حقك وكل الذين ظلموك وكل

الذين حاربوك وكل الذين قصروا في حقك وكل الذين نسوا جميلك، بل وأكثر من ذلك، انهمك في دعاء

صادق لله - سبحانه وتعالى- بأن يغفر الله لهم، وأن يصلح شأنهم وأن يوفقهم، ستجد أنك أنت الرابح الأكبر.


كان هناك طفل يصعب إرضاؤه، أعطاه والده كيس مليء بالمسامير وقال له: "قم بطرق مسمارًا واحدًا في

سور الحديقة في كل مرة تفقد فيها أعصابك"، اليوم الأول قام الولد بطرق 37 مسمارًا في سور الحديقة،

وفي الأسبوع التالي تعلم الولد كيف يتحكم في نفسه وكان عدد المسامير التي توضع يوميًا ينخفض، الولد

اكتشف أنه تعلم بسهولة كيف يتحكم في نفسه، أسهل من الطرق على سور الحديقة في النهاية أتى

اليوم الذي لم يطرق فيه الولد أي مسمار في سور الحديقة عندها ذهب ليخبر والده أنه لم يعد بحاجة إلى

أن يطرق أي مسمار. قال له والده: "الآن قم بخلع مسمارًا واحدًا عن كل يوم يمر بك دون أن تفقد أعصابك"،

مرت عدة أيام وأخيرًا تمكن الولد من إبلاغ والده أنه قد قام بخلع كل المسامير من السور. قام الوالد بأخذ

ابنه إلى السور وقال له: "بني قد أحسنت التصرف، ولكن انظر إلى هذه الثقوب التي تركتها في السور لن

تعود أبدًا كما كانت"، عندما تحدث بينك وبين الآخرين مشادة أو اختلاف وتخرج منك بعض الكلمات السيئة،

فأنت تتركهم بجرح في أعماقهم كتلك الثقوب التي تراها.