موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
الطلاق النفسي
هي حالة الغربة التي يعيشها الزوجان والتي يزيد من ضغطها على الزوجين الاستمرار بلعب دور الزوجين امام المجتمع حماية اما للاولاد أو الاسره
(1)
تتعرض مؤسسة الزواج خاصة في سنواتها الأولى لأزمات حادة، يتآكل فيها الحب والعطف فيؤدي إلى انهيار الشكل القانوني فيحدث الطلاق الشرعي وتعريفه لغة: الإرسال والترك، وشرعاً: حل رابطة الزواج وإنهاء العلاقة، وهو مكروه إلا لسبب. فعن ابن عمر أن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: "أبغض الحلال إلى الله ـــ عز وجل ـــ الطلاق" رواه أبو داوود، قال ابن سينا في كتابه "الشفاء": "أن يكون إلى الفرقة سبيل ما، وألا يسد ذلك من كل وجه، لأن حسم أسباب التوصل إلى الفرقة بالكلية يقتضي وجوهاً من الضرر والخلل. منها أن الطبائع، ما لا يألف بعض الطبائع فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشر والخلاف وتناقصت المعايش".
(2)
إن النوع الثاني من الطلاق هو الطلاق النفسي، ويسمى العاطفي علمياً، حين تغيب المودة والرحمة والعطف والحب من العلاقة بين الزوجين لفترة طويلة، وبذا تصبح مؤسسة الزواج إطارا قانونيا خاليا من المعنى.. يحافظ عليه الشريكان مجبرين لعدة أسباب سيرد ذكرها.
يعرّف الطلاق العاطفي بأنه: "حالة تعتري العلاقة الزوجية يشعر فيها الزوج أو الزوجة أو كلاهما؛ خواء المشاعر منعكساً على جميع التفاعلات داخل الأسرة، وهو عكس التوافق الزواجي حين يسعى كل طرف لتحقيق الرضا للطرف الآخر بإشباع رغباته سواء كانت جسمانية أو عاطفية، أو اجتماعية، أو اقتصادية" فيما يعرفها آخر بـ "الفتور العاطفي الدائم، وافتقاد الاهتمام أو المساندة النفسية والأخلاقية".
إن الطلاق النفسي عند المرأة أكثر منه عند الرجل وقد لا يعلم أو يتوقع أحد الطرفين عمق المشكلة بسبب افتقادهما المناقشة والحوار، فيقع المنزل ضحية تمثيلية كبيرة أبطالها سيموتون جميعاً في فصلها الأخير.
(3)
من أبرز أسباب الطلاق العاطفي:
1. التباين الشديد بين الزوجين في العمر أو التعليم والثقافة أو مستوى الجمال والوسامة أو المال أو العرق أو الجنسية أوالمنطقة، ولا سيما في الدول الشاسعة ذات الثقافات المتعددة.
2. الخيانة الزوجية أو تعدد الزوجات أو التهديد الدائم بالتعدد.
3. البيئة الاجتماعية التقليدية المتماسكة أكثر مما يجب حين تغيب حقوق الفرد لصالح جماعة الوالدين والأهل والأقارب، يقابله ضعف شخصية الزوجين أو أحدهما.
4. حب التملك والاستحواذ، إما بدافع الخوف وإما السيطرة، وتلعب الذاكرة الجمعية للتنشئة الأسرية دوراً كبيراً فيها.
5. الأمراض النفسية الجينية الوراثية حين تكون العائلة الممتدة أو العشيرة أكثر استعدادا من غيرها للإصابة بالاكتئاب والرهاب.
6. وجود الحب ولكن تنقصه المعارف والمهارات والخبرة للتواصل الإنساني والتعبير الحر عن الرأي أو فن التخطيط وإدارة الحياة، ويعود ذلك لفشل التربية الأسرية ونظام التعليم العام والدعوة.
7. ارتفاع مستوى التوقعات وبناء صورة ذهنية وردية متكئة على مسلسلات تلفزيونية وأفلام غرامية أو فترة الخطبة التي حفلت بكل ما هو مغر، وفق تمثيلية عفوية أبرز كل طرف أجمل ما فيه ثم يصطدمان لاحقاً في مؤسسة الزواج التي تحتاج إلى كد وعمل لإنجاحها.
8. نقل ضغوط العمل الناجمة عن الوظيفة وبناء المستقبل الوظيفي أو المسار التعليمي نحو تحسين دائم للوضع الاقتصادي للأسرة، في حين يعاني الأثرياء من صعوبة إدارة العاملين والتصدي للمنافسة المتجددة ومعالجة مخاطر الاستثمار، وكل هذا وذاك يستلزم قضاء وقت طويل خارج المنزل بذهن مشغول وقلب مشحون وأعصاب متوترة وإن بدت في الظاهر ساكنة.
(4)
يمكن للمصابين بالطلاق النفسي معرفة ذلك، إذا توافرت فيهما أو أحد منهما بدرجة كبيرة ما يلي:
1. يا نار شبي من ضلوعي حطبك: أي سرعة اشتعال الخلاف كسرعة الدعسة الأولى من سيارة لامبرجيني حين تقوم من التوافه معركة لها أول وليس لها آخر.
2. الصهيونية العالمية: انهيار الثقة لدرجة استغراب حدوث شيء جيد، ويغلب على ظنهما حدوث الأسوأ دائماً وأن هذا الفعل الحسن تخبأ خلفه مؤامرة.
3. البرود الجنسي: افتقاد الحميمية وتباعد المعاشرة الجنسية وإهمال الاستعداد أو الاستمتاع بها وتغدو علاقة خالية من الروح حين يدندن عقلك الباطن أثناءها: "إلي يبينا عيت النفس تبغيه وإلى نبيه عي البخت لا يجيبه".
4. الاتجاه المعاكس: عدم توافق الآراء في كل شيء، فهي تقول يمين وهو يقول يسار، وهو يقول صح وهي تقول خطأ!! ثم تقََبع من جديد، ويا نار شبي... إلخ.
5. النهب المنظم: أي الابتزاز المادي لغرض تعويض المتضرر، كأن تكون الزوجة صغيرة العمر ومتزوجة بشيخ كبير أو تعاني من الخيانة الزوجية أو تورط زوجها في المسكرات والمخدرات أو مرض الزوج بداء عضال ومزمن، ويمتد النهب المنظم للزوجة الساعية لإفقار زوجها كي لا يفكر في الزواج من ثانية، أو إشعاره الدائم بالعجز المادي نحو تلبية حاجات الأسرة فيصاب بالهزيمة النفسية فتسهل السيطرة عليه تالياً.
6. أنا بكرهك: المحاولة المتكررة لإيقاع الإيذاء المعنوي بجرح الكرامة والشتم بعبارة وقحة ومؤلمة، تهاجم فيه أنوثة المرأة أو ذكورية الرجل أو التعيير بماضيهما والتبجح بالفوقية وإشعار الطرف الآخر بالدونية "التهميش"، وتبلغ الإهانة مداها بالتعدي بالضرب والإيذاء الجسدي "العنف الأسري".
7. الفكة من جحا غنيمة: يحدّث الزوجان نفسيهما برغبة كامنة وقوية في الترك، مؤمنين بانسداد أفق الحياة، والتطلع والتمني بقوة للارتباط بشريك آخر موجود أو متوهم والتعلق بشخصيات عامة.
8. مظلوم يا حضرة الضابط: ممارسة الزوج أو الزوجة دور الضحية المنتهكة حقوقه وكثرة الشكوى للقريب والبعيد بالرغم من التضحيات التي قدمها كافة، في المقابل يجحد حسنات الطرف الآخر قائلاً: ما رأيت خيراً قط.
9. فضيحة بجلاجل: لقد بان للمحيط الأسري اختلاف الزوجين بما لا يدع مجالا للشك، وقد أصيب الأبناء بفقدان الثقة بالحياة، وتلمس عندهم إما عدوانية وإما انطواء "شخصيات غير سوية"، مسبباً آلاماً نفسية عميقة.
10. دكتور ألحقني: الإصابة بالصداع المزمن والكسل الشديد، والإرهاق، وفقدان الوزن أو زيادة الوزن المفرطة، وآلام المفاصل، أو القيء وظهور الطفح الجلدي في حالات نادرة.
(5)
إن الحلول المطروحة لمشكلاتنا المجتمعية ومنها مشكلة الطلاق النفسي ثلاثية الأبعاد: مجتمعية تقليدية تعتمد على قمع الحقوق الفردية لصالح أعراف التاريخ والجماعة، أو قراءة حدية ومتزمتة للنصوص الدينية، أو ليبرالية أطلقت العنان للغريزة وهاجمت كل ما هو ثابت دينياً، محاكاة للتجربة الإنسانية الغربية، بل تطرفت في دعواها انتقاما من ممارسات أشخاص بعض المتدينين.
إن التحدي الفكري والحضاري لنا سوسيولوجياً هو في استيلاد حلول ممكنة ووسطية تراعى فيها ثلاثية: الدين، العرف، والحياة المعاصرة، ولذا فإن أي خيار تسعى إليه المؤسسات المدنية وهي يتبنى خطأً فكرياً للإصلاح مختلفاً ومتطرفاً ستبوء بالفشل قطعاً. أما على صعيد الفرد فعنده من الأسباب داخل دائرة التأثير ما قد يؤدي إلى إصلاح العلاقة الزوجية والانتقال تدريجياً بها من الفتور إلى الحب والعطف والمودة والتقدير وهي:
1. زواج.. طلاق.. خلع..
قد يكون الزواج من ثانية حلاً لمشكلة الزواج الأول عندما لا يحمّل الزوج جميع المسؤوليات لزوجته الأولى كما يشبع تطلعاته فتتحسن العلاقة، وأرجو أن تتنبه إلى كلمة: قد!! فيكفيني الهجوم الشرس الذي تعرضت له في مقالتي السابقة (النقطة "5") عندما ناديت بالزواج العظيم المسمى: المسيار.. كما قد يكون الحل في الخلع أي إعلان الطلاق الرسمي "الشكلي" من الرجل لأن الطلاق واقع في الحقيقة ولا يحتاج إلا لقص الشريط فقط، سيما إذا كانت الزوجة أو الزوج تمكنت منهما الكراهية، وهناك إجماع من الأمة العربية والإسلامية والمجتمع الدولي على سوء أحدهما في المنزل والعائلة الكبيرة والعمل والأقارب والأصدقاء، باستثناء حالات نادرة ليس أمامها إلا التعايش، وعندها لا تملك إلا تحجيم المشكلة قدر ما تستطيع فتحتسب وترجو الأجر والثواب من الله ـــ العليم اللطيف.
2. سعادة المستشار: يجب عدم السكوت والمباشرة فوراً بزيارة عيادات الاستشارات النفسية أو استشارة قريب ناصح وحكيم، والحذر الحذر من استشارة الأقران مهما كانوا مقربين، فقد تكون فرصة لبعضهم في التشفي فيدلي بنصائح تعمّق المشكلة أكثر فأكثر.
3. قل خيراً أو اصمت: إذا ترددت في التعبير عن مشاعر الغضب فالأفضل ألا تتحدث بها في ظرف نفسي صعب، لأن الحديث سيعود بك إلى.. يا نار شبي... إلخ.
4. أدخل الكهف: الرجل إذا تأزم يرغب في الهروب والانزواء، والمرأة إذا تأزمت ترغب في الشكوى والثرثرة للآخرين لساعات طويلة عبر الهاتف، وعليه فإن على الزوجين تفّهم واحترام هذا السلوك الطبيعي الذي يحدث في كل بيت بما في ذلك البيت الأبيض.
5. النار من مستصغر الشرر: قلل اعتمادك على الطرف الآخر بأن تخلق مشروعك الحياتي الخاص والتمتع ولو لمرحلة زمنية معينة ريثما تهدأ النفوس، وعلى الرجل العناية بحاجات المرأة المنزلية إما بنفسه وإما باستخدام موظف أمين ومطيع، كما على المرأة العناية بحاجات الرجل المنزلية إما بنفسها وإما باستخدام عاملة كفؤة، فالقصور في تلبية الحاجات الآنية والصغيرة سيعمق المشكلة لا محالة.
6. الله يرحم الحجاج عند ولده: لا بد أن نعترف بأن أحد الأسباب الجوهرية للمشكلة ـــ ولا سيما للمتزوجين الجدد ـــ هي: ارتفاع سقف التوقعات، ولعلك تلاحظ أن 70 في المائة من حالات الطلاق تتم في أول سنتين من الزواج، ولا يخفض توقعات الزوجين إلا التعرّف على المشكلات الأسرية في البيوت الأخرى التي أغلبية الناس لا يظهرونها بل يمثلون السعادة على الآخرين، كما على الزوجين العناية والقبول بالنسبية بأن يرفض ويقبل منه أو منها خلقا آخر والصبر، فكلها 60 سنة إن كثّرت وكل طرف سيفارق الآخر.
7. الطفل الكبير: الرجل يبحث عن الدفء والحنان كما الطفل الصغير وإن بدأ خلاف ذلك ظاهرياً، وعلى الزوجة أن تعلم أن هذا الوحش سهل جداً ترويضه، أما لاحظت ضعفه عندما تبتسم له أي امرأة كانت!! إنك تملكين قوة تأثير نووية وهي: أنك أنثى. تقول الدكتورة لورا شلنسجر في كتابها "قوة الزوجات الخفيّة": "تستطيع المرأة استعمال قوتها أكثر من الرجل في علاقتها معه، فالرجل ولد من المرأة، وربّي على يد المرأة، ولجأ إلى المرأة للعلاقة الوثيقة التي تربط بينهما، والمرأة أساس توازن الرجل العاطفي طيلة حياته".
8. كن كالقنفذ: التقي قنفذان في ليلة شاتية باردة يبحثان عن الدفء فتقاربا وآلما نفسيهما بالشعر الشوكي ثم تباعدا ثم تقاربا وتباعدا حتى وصلا إلى أكبر قدر من الدفء بأقل قدر من الألم. إن مؤسسة الزواج تتطلب من كل طرف أن يتعرف حدود الآخر وأين المكان الوسط الذي يقف عنده.
9. السفر إلى النور: أن تغيير المكان بالسفر والاستجمام والترفيه خارج المدينة أو تغيير أثاث المنزل أو الانتقال لمنزل جديد قد يحدث تغييراً جوهرياً في ذاكرة المكان السيئة والبدء في فتح صفحة جديدة.
10. الرياضة والقراءة والصداقة: أكاد أقسم غير حانث أن 50 في المائة من مشكلاتنا الحياتية حلها في ممارسة الرياضة حين نتخلص من الضغوط ونشعر ببهجة الصحة واعتدال المزاج، كما أن قراءة الرواية تهذب النفس وتشغل الذهن بما هو مفيد، كما تحسن الخبرة الإنسانية على التواصل والتفهم. إن معرفتنا المتجددة بأناس أصحاء نفسياً وإيجابيين وتبادل الزيارات معهم ستسهم في نقلنا إلى بيئة ثقافية أحسن، فالطيور على أشباهها تقع.
11. اكذب حتى تصدق نفسك: لقد رخص لنا مجاملة الزوج أو الزوجة حتى لو كان كذباً. إنني أتعجب من رجال ونساء ساحرين يكذبون أو يبالغون في مدحهم ولكننا مضطرون إلى تصديقهم.. إنها فطرتنا.
12. طول بالك: إن صناعة السعادة في المنزل ليست بالأمر اليسير والتلقائي، إنها صناعة تحتاج إلى زمن تتراكم فيه الخبرات الإيجابية وسيطول أكثر إذا كانت الخبرات السابقة سلبية، ولذا علينا الصبر فالكأس لن تفيض إلا إذا امتلأت.
ختاماً: هناك كلمة واحدة مختصرة وسحرية قد تغنيك عن مقالتي وهي: عليك أيتها المرأة إشهار سلاحك النووي وهو أنوثتك، أما أنت أيها الرجل فلا تحاول التغيير فهذا حلم إبليس في الجنة، بل تفهم وتقبل وابحث عن الممكن والمشترك.
المفضلات