عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
فقدان الألفة مع النفس والآخرين يعرض الإنسان للاغتراب النفسي والعزلة
شعور الإنسان بفقدان الألفة مع نفسه والآخرين يجعله فريسة للاغتراب النفسي والعزلة وهي حالة يطلق عليها علماء النفس بالـ "الاغتراب" حيث يرتدي الإنسان قناعا كأنه على المسرح ليؤدى دورا لا يعبر عن حقيقته ويتكلم وفقا لما هو شائع في حياتنا حتى لو كان منافيا لما يؤمن به من قيم ومبادئ وهو أمر يضعف من العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع وشيوع العزلة بينهم ما لم تكن هناك مصلحة ضرورية.
ويذكر عمر حسين (طالب جامعي) أنه شعر بهذا الإحساس, ولا يدري كيف يقاوم هذا الأمر بالرغم من أنه دائماً وسط مجتمع كله من الشباب. مشيرا إلى أنه لا يجد نفسه مع أحاديث زملائه بالجامعة ويحس بانفصال ذهني تام عنهم خلال حديثهم وينتابه الشعور بالوحدة والغربة فانشغل عنهم بأمور أخرى كمطالعة كتاب أو صحيفة وهو ما جعلهم يعتقدون أنه يتعالى عليهم.
ويحكي أحمد الحصين (موظف) تجربة زميل له كانا معا بالجامعة، مشيرا إلى أنه كان منطوياً إلى حد كبير ولم يكن هناك أي مجال لعقد صداقات أو مجاملات في حياته, فهو يترفع عن الاختلاط بالآخرين لأنه يتصور دائماً أنه على حق وأن العالم المحيط به مليء بالأخطاء.
ورأت ناهد محمد (ربة منزل) أن الناس قبل سنوات ليست بالطويلة كانوا أكثر وداً وتعاوناً خصوصاً في الشدائد سواء كانوا يعرفون بعضهم أم لا, والتعارف والتواصل بين الناس كانا يتمان بسلاسة وسهولة بعيداً عن التكلف والشك والحذر, أما الآن فإن المصلحة هي التي تحكم تصرفات الآخرين وتحدد مدى الاتصال بالآخرين.
أما سمية إبراهيم (معلمة) فقالت "عندما تغيب القيم وتنحرف السلوكيات يولد الشك في الآخرين ثم يبدأ هذا الشك في التعاظم يوماً بعد يوم ليتحول إلى نوع من عدم الثقة, وكلما فكرت في المشاكل التي وقعت فيها بسبب الآخرين فضلت الابتعاد أو التقارب المحدود, ولم يعد يهمني ما يقوله الآخرون عني فما دمت قادرة على تدبير أموري بنفسي ".
وذكر أسامة فيصل (طالب ثانوي) "عندما أشعر أنني أمضيت الكثير من الوقت مع رفاقي أحب أن أعود إلى نفسي أراجع كل ما قمت به من تصرفات وكل ما قلته من كلام أخشى دائماً من الخطأ و أن أكون قد تسببت في إحراج أحد أو أزعجته، فالإنسان عندما ينفعل يتصرف بشكل عفوي دون تقدير لما يقوله أحياناً أو يفعله وحتى أبتعد من التأنيب اليومي فأنا أفضل قضاء معظم وقتي في غرفتي أو مع عائلتي، لأن الآخرين لا يفهمونني كما يجب أو العكس".
وعلقت الاختصاصية النفسية الدكتورة سامية السلامي قائلة " لاشك أن انشغال الإنسان بتوفير متطلباته المادية الضرورية جعله يقضي وقتاً أطول في عمله مما أدى إلى ابتعاده ليس فقط عن محيطه ولكن عن أقرب الناس إليه, وشئنا أم أبينا فنحن نعيش عصرنا بكل ما فيه من قيم وسلوكيات تختلف تماماً عن سلوكيات الماضي المتميز بعلاقاته الإنسانية.
وأضافت "قبل أن ننتقد أنفسنا ونغترب عن عالمنا ومجتمعنا علينا أن نتعرف على متغيرات العصر، ونختار منها ما يناسبنا فالمعايير السائدة في مجتمعات أخرى هي معايير مادية أو مصلحية، ولذلك أصبح الأفراد عبارة عن جزر منعزلة ليس بينها رابط أو اتصال, تسودهم حالة من فقدان الثقة والخوف, والأغلبية تعاني من هذه الحالة, ولذلك يتضاءل الأمل في حدوث أي تواصل وتسود الغربة وتغلق الأبواب في وجوه الآخرين.
وأضاف الاختصاصي النفسي الدكتور عادل أحمد أن الإيمان بالله والانتماء للوطن وسيلتان أمام كل إنسان للتغلب على اغترابه النفسي مضيفا أن أساس السعادة النفسية هو إحساس الفرد بانتمائه إلى أسرة وعقيدة ومجتمع ووطن, وبدون هذا الانتماء يصبح الإنسان غير مستقر نفسياً, يسير بلا اتجاه ونجده في بعض الحالات يلجأ إلى الإدمان أو الانتحار أو العنف المضاد للمجتمع. مشيرا إلى أن الاغتراب حالة فردية وليس بالضرورة نابعاً من ظروف اجتماعية فعلى سبيل المثال كلما قل تقدير المرء لذاته كلما كان أكثر عرضة للإحساس بهذا الاغتراب.
أما المتخصص في علم الاجتماع سعيد طاهر فقال"في الاغتراب يبدو واضحاً أن الإنسان يتخذ موقفاً سلبياً إزاء مجتمعه كأنه موضوع لا علاقة له به, فهو يشعر بالوحدة والعزلة حين لا يشعر بالطمأنينة نحو مستقبله في هذا المجتمع, ولا بين أفراده الذين يختلفون عنه, ولذلك يشعر مثل هذا الفرد بغربته عن الآخرين وعن العمل الذي يقوم به, وعن المكان الذي يعيش فيه, وربما عن ذاته نفسها".
وأشار إلى أن السبب هو التغيرات الحادة والسريعة في الأحوال الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية, وهذه التغيرات تعرض أفراد المجتمع لظروف غير مألوفة, وتغير مفاجئ في القيم الاجتماعية والتطلعات، وانهيار في المعايير الاجتماعية الموجهة للسلوك بحيث يعتقد الفرد أنه لابد من اتباع أنماط سلوكية لا تتفق مع قناعته حتى يستطيع تحقيق أهدافه أو التوافق مع من حوله, وإذا فعل ذلك وقام بتمثيل دوره خير قيام ضاعت منه ذاته وشعر بفقدان الألفة مع نفسه ومع الآخرين, فيقع من جديد فريسة للاغتراب
المفضلات