حينما تتعرض لبعض المشاعر كالخوف من الحيوانات المفترسة ، الزواحف أوالحشرات السامة ، الخوف من عدو، او الخوف من الظلام فهذه كلها لاتدخل إلا ضمن الخوف الطبيعي من شيء محسوس ومعروف ، لكن ما يصيب البعض من خوف من بعض المواقف ، كالخوف من الأماكن المرتفعة ، ركوب الطائرة السلالم الكهربائية ، الأماكن الضيقة، رؤية الدماء، الازدحام، الحيوانات الأليفة البروز أمام مجموعة كمتحدث رسمي ، الأكل والشرب أمام الآخرين ، حضور الحفلات ، مقابلة أفراد مهمين ، إبداء رأي في أمر ما أمام أناس مقربين كالوالدين أو الأخوة أو غيرهم ، كل تلك عوارض مرضية لما يسمى با لرهاب الاجتماعي .
وهو خوف غير طبيعي دائم من شيء غير مخيف في أصله ،وهو لايستند إلى أساس واقعي لكنه يتحكم في سلوك الفرد ويؤثر على علاقاته بالآخرين ويدفعه إلى العزلة بالإضافة إلى تخزين مشاعر سلبية تظل تسيطر على تصرفاته كضعف الشخصية أو الجبن .ويشير الدكتور عبدالله السبيعي الى أن مرض الرهاب الاجتماعي من أكثر الأمراض النفسية شيوعا في مجتمعاتنا خاصة في فئة المتعلمين والشباب وقد يبدأ من سن الطفولة والمراهقة..كما يؤكد أ.عبدالإله الضعيفي أن هذا المرض منتشر في المجتمع السعودي نتيجة كونه مجتمعا له خصوصية تجعله يهاب طرح مشاكله بشكل علني ومباشر. وهذا الرهاب من شأنه تعطيل نشاط الفرد العقلي وتقليل مشاركته في المجتمع .

ومن المظاهر التي ترافق الرهاب الاجتماعي الشعور بالعجز والقلق الدائم، الشعور بالنقص ، عدم القدرة على الاستمرار واقفا ،تصنع الشجاعة ، الخوف من النقد ، الوسواس القهري، تشتت الأفكار ، ضعف التركيز، الخوف من الوقوع في الخطأ أمام الآخرين، الخوف من تحمل المسؤولية ، الخوف من المطالبة بالحقوق وتوهم عواقب لا أساس لها . وهذه العوارض كلها يستجيب لها الجسد فتظهر بصورة خفقان في القلب، أو اضطرابات في المعدة، تصبب العرق، احمرار في الوجه، التلعثم في الكلام ،آلام في الظهر، صداع . وقد يظن كثير من الناس أن هذه العوارض تعود لأسباب عضوية بينما هي عوارض لمرض نفسي يسمى الرهاب .

أما عن أسباب انتشار هذا المرض فهو يعود غالبا لنوع التنشئة الأسرية والتعليمية الخاطئة ، ففي المنزل لايعطي بعض الآباء الفرصة لأبنائهم للاندماج مع أقرانهم أو المجتمع بشكل عام ، أو قد يعمدون إلى تسفيه آرائهم وأحيانا منعهم من إبدائها ، البعض الآخر يقلل من قيمة أي جهد يقوم به أبناؤهم بحجة أنهم لايمكن أن يتحملوا مسؤولية أي عمل يقومون به، و أحيانا يكون الصراخ والخصام على أبسط الأمور مما يدفع الأبناء للتقوقع والعزلة وبالتالي يوجد داخلهم مشاعر غربة وخوف من محيطهم. من الأسباب الأخرى أيضا وجود مشاعر الخوف الاجتماعي لدى الوالدين وبالتالي نقلها إلى الأبناء . أما في البيئة التعليمية فتجد ذلك واضحا في بيئاتنا العربية حينما ينهر المعلم التلميذ أمام أصدقائه أو يقلل من ذكائه واحترامه أو لايلقي بالا لقدراته ومواهبه لمجرد أنه لا يظهر جرأة في المشاركة .
.ولكن مهما تنوعت الأسباب فالنتيجة هي شخص سلبي لايقدر على إقامة علاقات صحية مع الآخرين، شخص عاجز عن التعبير عن نفسه، شخص تضيع حقوقه دون أن يبدي رأيه ، شخص يحمل صراعا داخليا مستمرا يمنعه من تطوير قدراته وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة كالانطواء والاكتئاب. بل ان هناك أشخاصا غريبي الأطوار يختفون خلف ستار مثالي بينما يمارسون كل التصرفات الشاذة بينهم وبين أنفسهم خوفا من اهتزاز صورتهم الاجتماعية وهذا النوع أشد وبالا على نفسه لأن يفقد أجمل العلاقات عندما يصادف أن يكتشف الآخرون نقصه نتيجة أي موقف عرضي فيلجأون إلى المبالغة في الدفاع عن أنفسهم أو ادعاء البساطة لإيهام الآخرين بأنهم أصحاء نفسيا . كل تلك الأعراض الدقيقة تم تشخيصها من واقع حالات مرضية حقيقية عانت كثيرا ويخضع بعضها للعلاج وبعضهم يرفض حتى الاعتراف بالمرض . ولكن هل هناك فعلا سبيل للعلاج ؟
العلاج هو تلافي الأسباب التي تنشئ نتيجة التربية الخاطئة من الأسرة والمدرسة والمجتمع والتي ذكرناها آنفا. ولا ننسى أننا كبشر مهما بلغت قوتنا فلا شيء يمكن أن يحرق مافينا من إيجابية أكثر من التحقير والاستهزاء . لكن يبدو أيضا أن الحل متاح في يد الشخص المصاب بهذا المرض . . لذا نعود للحوار الايجابي الداخلي والذي يقوم فيه الفرد بمخاطبة نفسه باحترام وتقدير وثقة ويعزز فيها طاقاتها ،بل عليه أن يواجه خوفه كنوع من التحدي لتلك الأفكار الخاطئة . فإن لم يستطع بمفرده فلا بأس من استشارة اخصائي ليساعده على فهم خوفه وعلاجه. وهناك طرق أخرى يمكن أن يكون لدعم الأصدقاء فيها دور كبير وهي تتطلب فهما وحبا عميقين لهذا الشخص وهذا الحب من شأنه الوقوف بإيجابية للمساعدة، مثل إبداء التفهم للمريض ،وتشجيعه على التحدث عن مشكلته ،وإظهار التقدير في حالة أي تحسن ، وتقبل التعامل مع هذه المشكلة على أنها مرض ، واستمرارية الدعم في المواقف المختلفة التي يضطر فيها المريض لمواجهة مخاوفه في الأماكن العامة أو المناسبات الاجتماعية أو غيرها . الأهم من ذلك أن تنتبه كصديق بألاتنتقل مخاوفه إليك فبعض هؤلاء الأشخاص أذكياء في تأطير مشاعرهم بإطار مثير للشفقة لتقتنع بصدق مخاوفهم وقلقهم وتجد نفسك دون أن تشعر استسلمت لنفس العزلة والكآبة ،فلا تدع ذلك يخدعك