الضجر

بالرغم من كل التنوع الحضاري الذي نعيش وسطه فإن الضجر أو الشعور بالضيق والملل من أكثر المشاعر التي تستولي على الناس خاصة الشباب من كلا الجنسين . ولهذا أسباب كثيرة بعضها

ألرتابة والروتين :

من الأسباب المألوفة للشعور بالضجر حالة الروتين في حياتنا وخاصة الحياة الأسرية والعائلية . وألرتابة أو الروتين قد يبتلي كل شكل من أشكال النشاط في الحياة سواء في العادات العائلية أو الأكل أو الوظيفة أو حتى العلاقة الزوجية . وهنا تبرز أهمية التغيير المبرمج حيث أن النفس تحتاج إلى التغيير والترفيه من كل ناحية من نواحي النشاط والسلوك . والرتابة تقلل الإنتاج وتسبب الضجر والهبوط في الفعالية والمعنوية وتقود إلى كثرة الشكوى والتململ وربما إلى المشاجرة بين الزوجين أو العيال .

الفراغ :


يقول الشاعر العربي :


لقد هاج الفراغ عليك شغلاً وأسباب البلاء من الفراغ

وحقاً أن الفراغ مصدر للبلاء . فالإنسان الذي ليس له عمل أو وظيفة أو هدف يشغله هو مشروع جاهز للشيطان يمكن استغلاله في كل رذيلة أو إنحراف . والسبب في ذلك هو أن الإنسان طاقة متحركة ولا يمكن له التوقف والركود . هذه الطاقة لا بد من إستثمارها بالخير والإنتاج أو بالشر والدمار .. الإنسان مشروع عمل وليس كتلة هامدة أو طاقة ستاتيكية ساكنة .

وذكر الشيطان فيما سبق إشارة إلى المثل الإنكليزي الشائع الذي يقول أن الشيطان يهيىء عملاً للإيادي العاطلة .

إن مقولة ( الطبيعة تكره الفراغ صحيحة ) حيث أن الفراغ يهيىء الإنسان لحالة سايكولوجية من الضجر والتذمر وبالتالي يهيئه لإشغال نفسه بما هو مؤذي لنفسه ولمجتمعه مثل تناول المخدرات أو المؤثرات العقلية وخاصة إذا كان عنده فراغ فكري يجعله سلعة رائجة لأي ضال أو مضلل .

والفراغ أنواع ثلاثة هي : الفراغ الفكري والعاطفي والوظيفي .

والذي يهمنا هنا أن الفراغ العاطفي عند شبابنا هو من الأسباب المهمة جداً للضجر والسأم لذلك تبرز أهمية توجيه الشباب لتطوين العلاقات الودية البناءة ، ليخرج الشاب من ذاته ويعرف الآخر وتتكون عنده قيمة إيجابية للحياة . ويحتاج إلى تحقيق ذلك إيمان العائلة بممدبأ بناء علاقات إجتماعية صحية وتحت نظر الأسرة ومشاركتها .

الترفه والترهل :

من أسباب السأم هو أن يتحقق للإنسان كل ما يريد دون الحاجة إلى بذل أي مجهود . فإذا كان الشاب أو الشابة في هذا الوضع غير قادر على استشثمار النعمة التي هو فيها بشكل إيجابي وإستغلال طاقته بشكل مفيد فإن حالة الترف ستؤدي إلى حالة من الترهل الذهني والبدني وتصبح الحياة خالة من الإثارة والتشويق وتظهر علامات الضجر والسأم والملل .

الإحباط وخيبة الأمل :

ألخيبة تؤدي إلى ارتداد الشخص نحو ذاته والإنسحاب من المجتمع والحياة حيث يميل الإنسان إلى إجترار الهموم وتقبل أفكار الخيبة والفشل . وينحدر إلى حالة من الضجر وكراهية الذات والنفور ممن حوله . والإكتئاب ولوم النفس ومحاسبتها بشدة وتحميلها المسؤولية عن الفشل . ومع هذا تضمحل الرغبة لديه في العمل أو مشاركة الآخرين بل يفضل الإنزواء والوحدة ويقع فريسة للسأم والضجر .

وينشأ الإحباط نتيجة الفشل في تحقيق غاية ما إما لوجود خلل في النظرية التي يؤمن بها الفرد أو بسبب خطأ في الوسيلة التي تحمل الإنسان إلى غايته . وفي كلتا الحالتين سوف تمر فترة من الزمن لتجرع ألم الفشل وإعادة الحسابات والإنكفاء على الذات . والفشل وخيبة الأمل أكثر مرارة في نفوس الشباب . حيث يتضخم الإحساس ويصل إلى درجة الشعور بالكارثة .

الجهل والتخلف الثقافي :

ربما لا يخطر في بال الكثيرين أن الجهل ونقص الثقافة هما من أهم أسباب السأم والضجر في الحياة . حيث أن ألعقل أو الدماغ وهو أعم عضو في جسم الإنسان يخضع لقاعدة إما أن تستعمله أو أن تفقده . لذلك فإن من يفتقر إلى هوايات فكرية أو ثقافية فهو عرضة للإصابة بالسأم والضجر أكثر من غيره وينطبق هذا القول على الفشل في الدراسة والنجاح الأكاديمي ولا غرو فإن السأم يتفشى بين الفئة العمرية الجامعية .

الفشل العاطفي :

إن الفشل في الحب من الأسباب المؤلمة الدافعة للشعور بالتفاهة والسأم من الحياة . وهذا يحدث في حالتين على وجه الخصوص : إما الحب المرفوض من الطرف الآخر . أو الأمل الخائب حيث تكون الصعوبات هائلة في وجه الشاب المتلهف .

إن الشاب ( أو الشابة ) الذي يرجو شيئاً ويناله مرتاح وسعيد والآخر الذي فقد الأمل نهائياً بالحبيب مرتاح أيضاً . أما المتأمل الذي لم يستطع تحقيق أمله فهو المتألم الضجر .. وخاصة إن كانت علاقته بالآخر سرية وليست علنية وقد قيل قديماً واليأس إحدى الراحتين ولن تجد تعباً كظن الخائب المغرور .

إن الشاب المبتلي بالحب الخائب يرى الدنيا في عينيه لا معنى لها ولا لذة فيها وهذا هو السأم بذاته . ويقصد الشاعر بالمغرور المتأمل في الحصول على ما يتمناه .

الحلقة المفرغة :

إن حالة الضجر لها عواقب وخيمة حيث تؤدي إلى هبوط عام في عمل أجهزة الجسم الفسيولوجية والذهنية وتسبب إضطراباً في بعضها . فمثلاً بعض الناس يميل إلى الإكثار من الأكل من جراء الضجر ويؤدي ذلك إلى زيادة الوزن والترهل ، مما يؤدي بدوره إلى النفور من الناس ، وإلى زيادة في الشعور بالإحباط والسأم .

وبمرور الوقت وعدم معالجة الحالة ، قد تتحول إلى مضاعفات أخرى ناتجة عن السمنة والخمول والإكتئاب ، مثل إرتفاع ضغط الدم وداء السكري وإلى السهر والأكل في الليل وإلأى التشاؤم والإنعزال عن المجتمع ، وإلى غيرها من المعاناة التي تؤكد الحاجة إلأى رسم حياة الإنسان بحيث يتجنب السأم ومضاعفاته .

السأم الفلسفي :

أحياناً يأتي الشعور بالضجر والسأم من جراء التأمل العميق في معنى الحياة والتفكير بآلام البشر ومعنى وجود الشر والظلم في العالم وغيرها من الأفكار الفلسفية التي تقود بعض الشباب إلى التشاؤم ونبذ الحياة والضجر منها . ويظهر مثل ذلك في كتابات بعض الكتاب مثل بيركاسو ( السأم) سارتر ( الغثيان ) و ( الجحيم هو الناس ) وغيرها .

الضجر عند الفتيات

ولعل نصيب السيدة من الضجر أكثر منه عند الرجل وذلك لكثرة مسؤولياتها وكثرة القيود عليها وعجزها عن التعبير عما في ذاتها خشية النظر إليها بما لا تحب . وربما هذا هو السبب في كون النساء أكثر عرضة للإكتئاب من الرجال وكذلك في لجوئهن إلى العرافات والكهنة للتخفيف مما يعانيه من ضنك وضجر