خصائص الإدارة الخمس بين النظرية والتطبيق


المقدمة:

مما لا شك فيه أن التنظيم في الحياة البشرية حاجة ملحة , وترتيب أوراق الإنسان المبعثرة تعينه في إنجاز ما يخطط له , و الإدارة في حسنها أو سوئها مؤثر في التحصيل , و النفس الإنسانية بطبعها تميل للترتيب ولكنها كثيراً ما تجهل كيف تتوصل إليه , و الإدارة السليمة توفر على الإنسان وقته وتطور له عمله , وتحقق له طموحاته وآماله, فما أجمل الأعمال محكمة التخطيط, وما أروع ثمارها الطيبة, وحري بنا نحن خير أمة أخرجت للناس أن نكون على مستوى عالٍ من التنظيم والقيادة, لننال شرف السيادة, ويقتدي بنا الآخرون ونكون لهم رواد.


مفهوم الإدارة: الجانب النظري:

تعريف الإدارة: هي استخدام الموارد المتاحة بكفاءة وفاعلية عن طريق التخطيط, والتنظيم, والتوجيه, والمراقبة, والتقييم لتحقيق أهداف الجماعات أو المؤسسات (1).

والإدارة أيضاً: هي حالة من العمل المنظم المتكامل, الذي يحقق الأهداف التي رصدها المسئولون.

والإدارة: أن يكون للمجموعة أهدافاً , وخططاً, وكادراً ينفّذ. وعناصر الإدارة حسب التعريفات أعلاه تتلخص بما يلي : الموارد , الكفاءة, الفاعلية, الأهداف (2). وهي العناصر التي تشكل أساسيات العمل الإداري , ومنها نستطيع أن نميّز تشابها منسجماً بين مفهوميّ الإدارة و العمل الجماعي.


مفهوم العمل الجماعي: هو التقاء مجموعة من الأفراد على أهداف واضحة واتفاق وترتيب الأدوار الداخلية لتشكيل الهيكلة وبرمجة الخطط التنفيذية, ومراقبة العمل والاحتياجات, إلى جانب تقييم لتقويم التحصيل.


ولكل إدارة قيادة, ولكل جماعة أمير.

والقيادة: هي عملية تحريك مجموعة من الناس باتجاه محدد ومخطط وذلك بتحفيزهم على العمل باختيارهم (3).

والمدير: هو المشرف على تنفيذ الوظائف الإدارية. وتجنّباً للفوضى , وحفاظاً على ديناميكية الوقت والجهد ولا بد من أتباع واضح ودقيق لجزئيات الإدارة الخمس :


الخاصية الأولى للإدارة: التخطيط: وهي عملية اجتماع الأفكار والعقول على تحديد الغايات وتوقع المستقبل لها, إلى جانب وضع تصور تفصيلي للسبل والوسائل والاحتياجات المطلوبة لإنهاء الأعمال المخطط لها بنجاح كبير.


والتخطيط أربعة أنواع :

· التخطيط الاستراتيجي: وهو التخطيط بعيد المدى, به تبين الجماعة أهدافها وقيمها وتطلعاتها وهي غالباً تحددها رؤية المؤسسة أو بما يعرف وثيقة الجماعة الإستراتيجية التي تلزم حينما تدخل المجموعة معترك التنافس في المجتمع فتعلن للآخرين عن توجهاتها وخطوطها المرسومة و التي تميزها عن غيرها من الجماعات.

· التخطيط التكتيكي: وهو التخطيط قصير المدى المحدد بمراحل وجدول زمني وله بداية ونهاية تجعله جزءاً من جزء ومرحلة قبلية للمراحل البعدية التي بانتهاء تنفيذ مخططاتها تنتقل مباشرة لما هو بعدها في سلسلة حتى درجات بلوغ الهدف العام.

· التخطيط التنفيذي: هو الخطة التي بها نحدد كل ما يتعلق بالعمل مثل : مالعمل ؟ من يقوم به ؟ أين؟ متى؟ كيف؟ وما هي البدائل؟

· خطط الطوارئ: من البديهي أن لا تركن المجموعة للخطة العامة فتضع تصوراً لخطة بدائل تتوقع فيها معيقات فيها حلول منقذة تضمن استمرارية العمل حسب ما وضعت له الأهداف.


الفرق بين الغاية والهدف:

الغاية: هي كل ما يمكن اعتباره مبدأً سامياً, عاماً, بعيد المدى, تحدد فيها النوعية, ويمكن الوصول لدرجات منها وليس كلها (4).

الهدف: هو إجراء ملموس, قابل للقياس, يحدد كمية, متغيّر, ويمكن تحقيقه كاملاً.


وللخطط شروط تساعد في عملية التنفيذ أو بلوغ الأهداف :

- المرونة والوضوح.

- القابلية للقياس والتحقيق.

- الواقعية ذات مطالب حقيقية تتناسب مع الواقع.

- لها محددات زمنية, وهي مغلقة وليست مفتوحة.


الخاصية الثانية للإدارة: التنظيم:

التنظيم: هي عملية تجميع وتوزيع سليم للكادر, إلى جانب توفير المادة اللازمة للخطط التنفيذية. والتنظيم يكون حول الوظائف وليس حول الأشخاص (5) , والتنظيم له واجبات منها:

· تقسيم العمل: واختيار الكفاءة المخصصة للمهمات, والتخصصات تفرض نفسها هنا على الشخص المنظٍّم فيرى المناسب للوظيفة وليس المناسب للشخص من الوظيفة.

· تحديد الصلاحيات: وهي المحددات والأدوار التي يمّيز بها كل فرد داخل المجموعة وما له وما عليه, وما هو أهل له وما هو ليس أهل له(6).

· تحديد المرجعية: وتبقى قضية المرجعية ومركزية العمل مهمة جداً لتوفير حالة من الهدوء والانسيابية داخل الجماعات, والرجوع إلى الأصل للحفاظ على وحدة المصدر ويكون أيضاً بها تحديد قنوات الاتصال لكل فريق وترتيب الهيكلية ووضع كلُ في مكانه حسب ما يناسب, والدرجات طبعاً تؤخذ ولا تمنح حسب جهد العامل وفهمه.


الخاصية الثالثة للإدارة:التوجيه:

والتوجيه للعاملين يكون على نوعين:

· توجيه معنوي: بكلمات طيبة يلقي بها المشرف على العامل المجّد, أو يرمي بكلام يلتمس به العامل المقصّر بؤرة العمل الناقص فتكون له إعادة في نظر و إتقان جديد.

· توجيه عملي: يساعد به المشرف الأفراد في أعمالهم ويعزز في نفوسهم روح العمل الدؤوب.

والتوجيه أيضا يجمع ما بين التحفيز والتصويب و يؤدي غالباً إلى:

- زيادة الإنتاجية كمّاً ونوعاً.

- دعم قدرات العاملين وزيادة ثقتهم.

- ربط مصالح الفرد وأهدافه بالمؤسسة.

- حلّ المشاكل المرتبطة برضا العاملين(8).


الخاصيّتان الرابعة والخامسة المراقبة والتقييم:

وهما متلاصقتان وتعتمدان على بعضهما البعض:

المراقبة والتقييم: هما عمليّتان لقياس مستوى التنفيذ مقارنةً بالمخططات. فالمراقبة هي الخاصية التي تراقب أداء المنظمة وتحديد ما إذا كانت حققت أهدافها أم لا (9).

ونستطيع وصف عملية المراقبة كالتالي:

- المتابعة والمشاهدة من قبل المراقب عن طرق الحضور لموقع العمل.

- تكليف لجنة ميدانية تكتب تقارير حول العمل في الميدان وترفعها عن طرق قنوات الاتصال للجهة العليا.


أما عملية التقييم فتكون:

- بتعديل أخطاء العمل وتصويبه.

- سد الثغرات المعيقة.

- قياس الجهد بالنتائج.



وبهذا تكتمل خصائص الإدارة الخمس في الجانب النظري.


الجانب العملي:

وتبقى أصول الإدارة مفهوماً نظرياً وقاعدة ودليل للجماعات وهي علم مشروط بفهم العاملين له واكتساب للمهارات المخصصة لكل مجال إلى جانب ما يلي:

· اجتماع الأفراد على هدف تغيب عنده المصالح الخاصة وتطوّع له الظروف.

· انتخاب قيادة حكيمة واعية وأصيلة.

· تنظيم لأهل الشمول (10) وحسن انتقاء الأفراد.

· تدريب للكادر بالتربية والعلم.

· توفير المال والأمن.

والمطّلع على نماذج الإدارات المختلفة يرى صنوفاً منها جيد وسيّئ, ويستطيع الواعي منّا إدراك من هو الأنموذج الأفضل من بينها.


نماذج الإدارات :

1- الإدارات الديكتاتورية المتسلطة: التي يحكمها الفرد الواحد حيث تلغى الأعمال إن غاب, و تنفّذ بقرار واحد إن حضر, وكثيراً ما يكون النظام داخل هذه المؤسسات بيروقراطي بحت حيث تبقى الاقتراحات والشكاوى والمخططات والتقييمات طويلاً في طريق وصولها إلى المسئول حتى ينظر بها ويقر بشأنها قراره الشخصي.

ومن صفات هذا النوع من المدراء أيضاً:

- لديه قدر قليل من الثقة في قدرات الأعضاء, والتفويض لديه غائب كليّاً.

- يعتقد أن الثواب المادي وحده هو الذي يحفز الناس للعمل.

- يصدر الأوامر لتنفّذ لا لتناقش(11).


2- الإدارات الوسطية التشاورية: وهي أفضل أنماط الإدارات, حيث تكون ما بين شدة ولين, واتخاذ قرارات بالشورى, وسماعٍ لآراء الحكماء, والنظر البعيد المدى المحقق لمصالح العامة بغير ضررٍ أو مفسدة.

ومن صفات المدير الوسطي أيضاً:

- يشرك الأعضاء في اتخاذ القرار.

- يشرح لأتباعه الأسباب الموجبة للقرارات المتخذة.

- يعبّر عن احترامه أو نقده لآخرين بموضوعية(12).

- واسع الصدر, طويل النفس, يخاطب الناس على قدر عقولهم.

- يفوّض العاملين , ويعطي صلاحيّات ويوزع الأعمال بطريقة عادلة.


وهناك نوعان من الإدارات مابين الاستبداد والشورى, وهما:

1- قيادة مستبدّة وطيبة في نفس الوقت, فيها المسئول:

- ينصت المسئول بعناية لما يقوله الأتباع.

- يعطي الانطباع بأنه ديمقراطي شوري.

- ولكنّه يتخّذ قراراته بشكل فردي وشخصي غالباً.

2- قيادة ليبرالية متساهلة , فيها المسئول:

- ضعيف الثقة في قدراته القياديّة فهو يأتي إلى الاجتماع دون إعداد مسبق ويقول: ما أنا إلا واحد منكم. أخبروني ما هو المطلوب وسأبذل جهدي لأكون معكم فيما تقررونه على الطريق! (13).

- لا يقوم بتحديد أي أهداف لأتباعه.

- قليل الاتصال بالأفراد و التعامل معهم.


** النموذج الأفضل للإدارات ما قام على أساس الشورى والوسطية فهو أقربها لروح الشريعة (وأمرهم شورى بينهم)(14) . وإنما يقود النّاس البصير:

وهي القيادة التي تغرس في نفوس أتباعها:

1- احترام الوقت وحسن تنظيمه وإمساك بزمامه.

2- التركيز على عوامل القوة.

3- التمحور حول أنواع رئيسة وقليلة, فالتشعّب مضيّع للجهد وتنعدم به جودة الأعمال.

4- تعزيز جانب الثقة بالله, والطموح, وعدم الرضا بالسهل.