أسوأ عقبة تقف أمام أي اتصال فعال أو إيجابي، هي أن يصم أحدنا أذنه عن سماع الآخر.. أن يسمح للأحكام المسبقة أن تقوده إلى صنع حائط صد يقف حائلاً دونه ومحدثه، ويدفعه إلى رفض ما من شأنه أن يزعزع هذا الحكم المسبق.



يحدث هذا كثيراً بين الأصدقاء، وزملاء العمل، والأزواج. والمؤسف حقاً أن يحدث بين شركاء وطن أو أمة واحدة؛ فيفرقهم ويكسر شوكتهم، ويشمّت فيهم العدو ويُدمي قلب الحبيب.

إننا إذ ننظر حولنا، ونرى مَن جمَعَتهم المحنة، وصَهَرهم العذاب، وألّفت بين قلوبهم وحدة الهدف والغاية، يتفرقون ويتقطعون، دون أن يحاول أي منهم أن يصمت قليلاً ليستمع للآخر، علّ في كلامه ما يزيل اللبس، ويهدئ النفس، ويزيد من التئام الجرح.

لقد خلق ربنا البشر بعقول إن تشابهت في تشريحها الفسيولجي فلن تتشابه قط فيما تُخرجه من رؤى وأفكار واجتهادات، ولعل هذا من حكمته سبحانه كي يساعد ثراءُ الأفكار في دفع حركة الأرض، وتحقق سنّة التدافع، ولن يكون هذا حاصلاً إلا إذا استمع كل منا إلى ما يدور في عقل شريكه، ويؤخر قليلاً إصدار الأحكام واتخاذ المواقف، إلى ما بعد التفكير والتمحيص فيما قيل؛ فلعل به ما يفيد ويساعد على استقامة الأمر، وحتى إن لم يكن به وجاهة أو صحة؛ فماذا يضيرنا أن نشكر المجتهد على اجتهاده دون أن نتهمه بقصور الفكر وسوء النية.

إنني آمل منك يا صديقي أن تنتبه إلى أمر هام، وهو أن تتعلم فنّ الصمت والاستماع، قبل أن تتعلم فن الحديث والكلام، وفي الحكمة أن "المتحدث الجيد.. مستمع جيد"؛ فوعيه بما قيل ويقال يجعل حديثه متوازناً واعياً فعالاً؛ بينما سدّ الأذن واستعجال النطق ليس بفعل العقلاء الراشدين.


وقد أحببت أن أذكر لك بعض النصائح التي أرى أهمية أن ننتبه لها جيداً ونحن نتناقش أو نتجادل مع شخص ما:


أولاً: استمع بإخلاص ووعي
هذا هو السر الأول والأكبر كي تكون منصتاً متميزاً، يجب عليك أن تستمع وبإخلاص لمن يحدثك، تستمع له حتى تفهمه، لا لكي تلقط عثرات وزلات من بين ثنايا كلماته، استمع وأنت ترغب في فهمه، وفهم دوافعه.


ثانياً: أظهر اهتماماً جسدياً
عندما أُظهر لمحدثي احترامي لحديثه من خلال النظر إليه والانتباه لما يقول؛ فإنني حين ذاك أفعل شيئاً عظيماً في سبيل فهمه، ومما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء حديثه مع شخص ما أنه كان يلتفت إليه بجسمه كله لا بوجهه فقط، وفي هذا دليل على اهتمامه وتقديره لمحدثه.


ثالثاً: دلل على فهمك لما يقال
بعضنا كالصخرة إذ يصغي، فلا تستطيع أن تكشف من محياه هل يعي ما يقال أم لا، هل هو موافق أم مخالف، من الجيد أن أدلل بملامحي على فهمي واستيعابي لما يقال.


رابعاً: لا تقاطعه
فمقاطعتك له تعني بكل بساطة أن ما يقوله غير مهم، وأنك تعلم ما الذي يريد أن يقوله قبل أن يقوله، وتعني بكل بساطة أن يصمت، ويكف عن الثرثرة، ومن أدب العرب ما نُقل عن الأحنف: "إن الرجل يحدثني بحديث أعرفه من قبل أن تلده أمه؛ فأُصغي إليه حتى ينتهي منه، وأظهر له أني أسمعه لأول مرة".


خامساً: حثه على المواصلة
فإذا توقف عن الكلام، قل له: حسناً وبعد؟ فإذا كان قد أنهى كلامه فسيخبرك، وإن لم يكن فسيواصل كلامه، وفي الحالتين سيكون مستريحاً أنك غير منزعج بما يقول.


سادساً: راجعه
إذا ما التبس عليك أمر، أو كانت هناك نقطة غامضة في حديث محدثك؛ فلا بأس أن تطالبه بمزيد من الشرح والتوضيح؛ فهذا أفضل من أن تستمع بلا فهم، أو تنصت بلا وعي، أو أن يكون فهمك ووعيك منقوصاً، وهذا في كثير من الأحيان أخطر من عدم الفهم كلية!


سابعاً: بعد أن يَفرغ محدثك من كلامه لخّص كلامه وأعده عليه
قل له: أفهم من كلامك كذا وكذا؟ أنت تريد أن أفعل كذا، أليس كذالك؟ وإن أجابك بالنفي؛ فاطلب منه أن يوضّح أكثر.


ثامناً: قف مكان محدثك
ولا تفسّر كلامه من وجهة نظرك فقط أو من منظورك الشخصي؛ بل حاول أن تأخذ مكانه، وترى بعينيه، فبهذا ستفهمه أكثر، وستتفهم لِمَ قال ما قال؛ فإنّ فهْم الدوافع -حتى مع اختلافنا معها- يسهل كثيراً التعامل مع أصحابها.


تاسعاً: لا تكن لوح ثلج إن كان غاضباً
ولا تبتسم إن كان حزيناً، حاول أن تتوافق مع حالته النفسية، لا تطالبه بتهدئة روعه إذا كان ثائراً، واحذر أن يشعر أنك تستخفّ بحالته النفسية.


عاشراً: لا تتسرع في الرد
وحين يأتي دورك، لا تتسرع، خذ نَفَساً وابتسم؛ فإن تباطأت في حديثك حتى تستجمع أطراف حجتك؛ فهذا أفضل كثيراً من أن يظهر كلامك ضعيف المنطق والحجة.


وتلك عشر كاملة في أدب الاستماع والإنصات، علّها إذ نجربها تسهّل علينا بعضاً من التصادم الذي يحدث بيننا.. وعلى الله قصد السبيل.