إن التغير سنة ومبدأ إلهي في كل شيء مخلوق حتى في مشاعر بن آدم وهناك نوع من مشاعر بني

آدم يطلبه كل إنسان و يسعى لتحصيله ويبذل في سبيل الحصول عليه الغالي والنفيس والقليل والكثير

إن هذا الصنف من المشاعر يسمى السعادة ؟؟!! وفي زماننا هذا صارت السعادة بعيدة المنال شحيحة

المصادر، وكادت أن تتحول إلى ركب المستحيلات، فظلال الاكتئاب تكسو وجوه الشباب الذين مازالوا في

مقتبل العمر، وأمامهم آمال عريضة ، بل شاخت نفوسهم ، وهرمت وأصبحوا حين يُسألون عن السعادة

يتنهدون بأسى ويسألون من أين تأتي هذه السعادة؟! والشيوخ تحطمت سعادتهم على ولم يعد في

نفوسهم إلا انتظار الأجل إلا من رحم ربي .

فما هي السعادة ؟؟

إن السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه ؛ صفاء نفس ؛ و طمأنينة قلب ؛ وانشراح صدر وراحة ضمير

ويبين لنا ديننا الحنيف أن هناك مضغة في أجسادنا لهذه المشاعر بينها محمد صلى الله عليه وسلم

بقوله:{ ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب } يصدق ذلك قوله جل وعلا ) : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)

فعلى مر الزمان والسنين احتار الناس في الحصول على السعادة واختلف الكثير في فهم معناها:

- فمنهم من قال السعادة هي في الصحة والأمن ، و جمع الأموال ، و العلم والمكانة الرفيعة .. وإذا

وسّعت مفهوم السعادة لرأيتها :

عند الفقراء : الحصول على الثروة .

وعند المرضى : الامتثال للشفاء .

وعند العشاق : اللقاء و الوصال وما يتبعه من اللهو والمعازف وغيره .

وعند الغرباء : العودة للوطن .

وعند السجناء : تحقيق الحرية من غياهب زنزانات السجون .

وعند المظلومين : الإنصاف والعدل .

- وعلى الوجه الأخر يوجد من يعتبر السعادة هي في الخروج عن أي تعاليم دين أو أي حائل يمنعه من

الحصول على لذاته و هواه وحده ، وفي هذا تشتت وتناقض في أعماق الإنسان قد يدفعه إلى الجنون

أو إلى الانغلاق على النفس أو الانتحار نتيجة البعد عن دين الله تعالى وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ..

بعض مشاهد السعادة عند أهلها!!

عند محمد صلى الله عليه وسلم في الإصرار على الدعوة لله ولدينه رغم جميع العروض التي قدمت له

من مال وملك وحسناوات ، يتلطف مع عمه وعيناه تذرفان بالدمع وهو يقول :

يا عماه ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره

الله أو أهلك فيه ما تركته .

يصرح بحبه بلقاء ربه وسعادته ويقول : ( جعلت قرة عيني في الصلاة )، يلتفت بأبي هو أمي إلى خادمه

بلال فيطلب الراحة والإنقطاع من هموم وغموم الفانية ويقول أرحنا بها يا بلال ) يعني أدخلنا في

الصلاة للتلذذ بمناجاة ربنا لترتاح أرواحنا وتحول بيننا وبين مشاغل الدنيا فننعم بسعادتنا في لقاء ربنا .

وصف حال شيخ الإسلام ابن تيميّة ,يرويها تلميذه ابن القيّم رحمه الله تعالى قال لي مرة : ما يصنع

أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري - يعني بذلك إيمانه وعلمه أو الكتاب والسنّة - أين رحت

فهي معي لا تفارقني إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة , وكان يقول في

سجوده وهو محبوس : اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء .

هل تلذذت بالسعادة مع بلال حين جرد من ثيابه وسحب على حصباء وأرض رمال أودية مكة في وقت

الظهيرة في يوم قائظ فما كان منه إلا أن استعان بالمسكن ( أحد أحد ) فيلطف الله به وينزل عليه

السكينة ويشعر بلذة المناجاة التي أنسته ألم الرمضاء وهدأت روعه مما يصنع به .

اختلف رجل مع زوجته .. . فقال : لأشقينك .

قالت : الزوجة في هدوء ، لا تستطيع .

قال لها : كيف من يمنعني من ذلك ؟

قالت له : لو كانت السعادة في مال لحرمتني منه ، أو في حِليّ لمنعته عني . ولكن لا شيء تمتلكه

أنت ولا الناس . إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي وقلبي لا سلطان لأحد عليه إلا ربي .
هذه هي السعادة الحقيقية ... سعادة الإيمان ، ولا يشعر بهذه السعادة إلا من وجد حب الله في قلبه

ونفسه ، وفكره .يا لها من سعادة .. تسمو بالإنسان نحو الولوج في محبة العزيز الرحيم.

فمن أين بدأت السعادة ؟؟

اعلمى رحمني الله وإياكى أن المقدر قد حصل والأمر قد كتب ونحن في بطون أمهاتنا فقد ورد عن

المصطفى صلى الله عليه وسلم الحديث الصحيح ( ... ثم يرسل إليه الملك ، فينفخ فيه الروح ويؤمر

بأربع كلمات ، بكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أم سعيد ).. فبعد نفخ الروح كتبت لنا السعادة أو

الشقاوة ونحن في علم الغيب في بطون أمهاتنا لم نخرج إلى هذه الدنيا .

كما يخبرنا ربنا تبارك وتعالى عن يوم اللقاء بين يديه .. اليوم الأخر.. أن النفوس التي تحملها هذه

الأجساد من مؤمن وكافر تنقسم إلى صنفين فقط ( شقي و سعيد ) لا توسط ولا واسطة حكم مسبق

من فاطر السموات والأرض ولا مبدل لحكمة ..

- سعادة دنيوية محددة المدة ( شقي ) إذا خسر العمل الصالح .

- سعادة أبدية خالدة وليس لها مدة( سعيد ) إذا كسب العمل .

قال تعالى : ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد
بناء السعادة !!

السعادة مكونة من بناء عظيم داخل النفس قد يرتفع إلى عنان السماء فالأساس في الأرض والنهاية

معلقة بفاطر السماء ويختلف بناء السعادة من إنسان لإنسان بحسب مراقبته لربه ، إلا أن كل يحب أن

يستظل به إن لم يسكنه مؤمنا كان أو كافرا غنيا أو فقيرا صغيرا أو كبيرا ، عظيما أو حقيرا .

ومواد بناء السعادة ثمنها طاعة ربي وإتباع هدي رسوله صلى الله عليه وسلم وحسن الخلق.

ونوره وضياء أركانه قوة االإيمان والإخلاص لله تعالى وامتثال هدي نبيه عليه السلام.

إن الأساس الأعظم والقاعدة الكبرى للسعادة هي الإيمان بالله وحدة وطاعته ، وحبه ، وإتباع ما أمر به

والإبتعاد عما نهى عنه قال تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين

آمنوا اشدُّ حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ) البقرة: 165
ثم يتبع ذلك ما بقي من القواعد من الإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحبه قال تعالى : (

قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) آل عمران:31 وأنبيائه

جميعا والإيمان بملائكته وكتبه ومنها وأهمها القرآن الكريم واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره .

كما أن سعادتك في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حيث قال لابن عباس وهو صغير السن ( يا

غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا
استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد

كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، ( رفعت

الأقلام وجفت الصحف ) ... احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن

ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن

مع العسر يسرا .ثم يكتمل عقد السعادة بقوله صلى الله عليه وسلم : «من أصبح آمنًا في سربه

معافى في بدنه، عنده قوت يومه،فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها »

قال ابن القيم سعادة العبد .. إذا انعم عليه ربه شكر وإذا ابتلاه صبر وإذا أذنب استغفر\"

فلكي يحس الإنسان بالسعادة عليه أن يرضى بما قسمه الله له، وعليه التسليم بأمر الله؛ لأنه لا يقع

في ملك الله شيء لا يريده قال تعالى : ( بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون )

مر رجل على آخر وهو كئيبا حزينا فقال له : إني سائلك فاجبني هل يحدث في هذا الكون شيئا بغير

علم الله ؟ فقال الرجل : اللهم لا ، ثم قال : أينقص من رزقك الذي كتبه الله لك شيئا بغير قدر الله ؟ فقال

الرجل: اللهم لا ، فقال أينقص من أجلك شيء بغير مراد الله ؟ فقال الرجل : اللهم لا . فقال له : فعلما

الحزن ؟؟؟؟؟!!.