قرر الشاب الفرنسى الذى يعمل فى التدريس، الالتقاء مع "حكيم" اندونيسى فى مدينة بالى لمجرد ان سمعته الطبية انتشرت فى العالم الغربى. وبالرغم من ان الشاب كان فى صحة جيدة، الا انه قرر استغلال وجوده فى مدينة بالى ليلتقى مع "الحكيم" الاندونيسى، لاحساسه انه يريد شخصا يهتم به، ويبرر لقاءه معه بانه يريد ان يقوم بكشف عام. ولكن الحكيم الاندونيسى قال له بعد الكشف عليه: سيدى انت فى حالة صحية جيدة. ولكن مشكلتك هى انك لست سعيدا.
تعجب الشاب من كلمات الحكيم العجوز. كيف عرف انه غير سعيد؟ وكيف يكون الانسان سعيدا؟ نحن جميعا نسعى الى السعادة. بعضنا يبحث عنها فى جمع المال، والبعض الاخر فى السلطة، والبعض الثالث يبحث عن السعادة مع العائلة والأولاد او فى الصحة، او ربما يبحث عنها اخرون فى النجاح العملى. ولكن عندما بدأ الحكيم يكشف على الشاب الفرنسى بادئا بالضغط على الرأس ثم العنق مارا بالذراعين والجسد والقدمين، الى أن وصل الى أصابع القدمين، هنا شعر الشاب بأنه يمر بأكثر التجارب ألما. وكان رد الحكيم على الشاب: سيدى انت انسان تعيس. ومن هنا بدأ الشاب الفرنسى رحلته مع الحكيم الاندونيسى فى مدينة بالى، رحلة اخذته الى داخل نفسه.

ما سبب تلك التعاسة؟ هى اجابة سوف نجدها عندما نذهب مع بطل قصة "الرجل الذى أراد ان يكون سعيدا" للكاتب الفرنسى لوران جونيل، فى رحلته البحثية داخل نفسه وقد تكون ايضا رحلتنا نحن فى انفسنا.

كيف نخلق واقعنا؟
اجاب الشاب على الحكيم بانه يعيش حياة جيدة، وربما قد يكون اسعد حال لو كان متزوجا. وما السبب فى عدم الزواج؟ ربما كان جسدى النحيل. رد عليه الحكيم قائلا: المشكلة ليست فى جسدك. المشكلة فى تصورك لما يراه الاخرون فى جسدك. وما يراه الاخرون فيك، هو ما تراه انت فى نفسك. فان كنت ترى نفسك قبيحا، فان الاخرين سوف يرونك قبيحا، وان ركزت انتباهك على بعض الاخطاء فى جسدك فان الاخرين سوف يركزون انتباههم عليها ايضا.
وطلب الحكيم العجوز من الشاب ان يقوم بتجربة وان يغلق عيناه ويتأمل نفسه فى احسن حال، ويرى كل مميزاته، ثم يتخيل نفسه يسير على الشاطئ وسط كل هؤلاء السائحات الجميلات، ثم سأله: كيف يا ترى تتصور نظرتهم اليك؟ فرد عليه الشاب بانه يراهم ينظرون اليه باعجاب شديد. فقال له الحكيم: ان ما يعجب النساء فى الرجل هو ما يشعره هو بنفسه ويظهر عليه، ان ما يراه الاخرون فى الشخص هو الصورة التى يعكسها عن نفسه سواء كانت صورة ايجابية او سلبية. والانسان يتصرف حسب تلك الصورة. فان اقتنع الشخص بانه يتحدث عن اشياء مثيرة، فان الاخرين سوف يستمعون اليه باهتمام، والعكس صحيح. وملخص ما يريد الحكيم ان يقوله هو ان الانسان ان اقتنع بشئ تصبح حقيقة وواقع، واقعنا.


ولكن كيف يمكن للانسان ان يبنى صورة سلبية عن نفسه؟ يمضى الحكيم فى اعطاء صديقنا، بطل القصة، الامثلة على الوسائل التى يتبعها الاخرون، واحيانا الأباء انفسهم، لخلق واقع معين لابنائهم او تلاميذهم فى المدرسة. فان اقتنعوا على سبيل المثال ان طفل معين لا يتمتع بذكاء فان الطريقة التى يتحدثون بها معه واسلوبهم فى التعامل سوف يعكس تلك القناعة، وبالتالى سوف تنعكس تلك القناعة على الطفل نفسه الذى سيتعامل مع هذا الشخص بالذات بغباء. وان قام الاباء على سبيل المثال بتجاهل بكاء طفلهم او ضحكه، فان الطفل بالضرورة سينتقل اليه شعور بانه لا يؤثر فى العالم حوله، وسيظل هذا الشعور يلازمه فى حياته كلها.

ويعود الشاب الى الحكيم يوما بعد يوم، من اجل الوصول الى كل اسباب تعاسته، التى لم يكن حتى واعيا لها.


كيف نصنع واقع الاخرين؟
يقول الحكيم للشاب كيف ان الانسان يصنع ايضا الواقع الذى يعيش فيه. فان كان يشعر بالخوف والشك من المجتمع حوله فانه سوف يرى، بل وسوف يلتقى بكل ما هو خطر. لانه سوف يتعامل مع المجتمع من حوله بريبة وشك وتخوف. ولكن ان كان على ثقة من ان المجتمع حوله آمن، فانه سوف يتقدم اليه بثقة واطمئنان كامل، وبالتالى فان الاخرين سوف يستقبلونه بالابتسام والترحاب. وحتى لو كان هناك شخصان فى نفس المكان، ولكل منهما نظرة مختلفة الى المجتمع، فان كل منهما سوف يكون له تجربة مختلفة، حتى مع نفس الناس.
وبدأ الشاب يدرك ان الانسان ضحية قناعاته وما يؤمن به؛ ولكن الخطر هو ان الانسان لا يدرك ذلك. وشعر ان عليه ان يصرخ بأعلى صوته الى العالم بانه عليه ان يتوقف عن الاقتناع بأى شئ، وكل شئ؛ لان ذلك قد يلوث حياتهم، وذلك باشياء هى ليست حتى واقعا حقيقيا.
وطلب الحكيم من الشاب ان يقوم بنفسه بالبحث عن الاحصاءات التى تظهر عدد الاشخاص الذين يتأثرون بادوية معينة ويقتنعون بانها سوف تشفيهم من الامراض، بينما الدواء هو مجرد قطعة سكر؛ واحيانا المريض يشفى حقيقة لمجرد ايهامه بانه سوف يشفى. وطلب الحكيم من الشاب ان يقوم بالبحث بنفسه، لان، كما قال له، الامر يختلف عندما يقوم بالبحث بنفسه، وبين ان يتلقى المعلومات من شخص أخر. كيف؟ وهو على بعد الالاف الكيلومترات من اى مكان يبعث الانترنت؟ اجابه الحكيم: من يتوقف عند اول مشكلة تقابله، فلن يحقق الكثير فى حياته.


قول الكذب
فى موعد الشاب التالى مع الحكيم، فوجئ بانه غير متواجد وانه ترك له رسالة تقول: "قبل موعدنا القادم، عليك ان تكتب كل ما تتصور انه يمنعك من ان تحيا حياة سعيدة، وعليك ان تتسلق جبل سكوفو.
دهش الشاب من غياب الحكيم. ودهش من طلبه تسلق الجبل الذى قد يتطلب منه اكثر من خمس ساعات لكى يصل الى قمته. كان اكثر ما اشعره بالغضب هو غياب الحكيم خاصة وانه لم يتبق له الا ثلاثة ايام فقط فى اندونيسيا. وعليه ان يغادرها ليعود الى بلاده وعمله. وعليه ان يراه فى اليوم التالى انها الفرصة الاخيرة له. ولكنه لن يتسلق الجبل. فهل يكذب ام يقول الحقيقة؟
قال الحكيم: عندما لا تقول الحقيقة للناس فانك تعطيهم الفرصة لان يلتفوا حول كلامك، مما يدفعك لان تكذب مرة اخرى. وذلك هو العقاب الحقيقى لنفسك. لان الكذب يضرك بصفة شخصية، فالكذب يفرز طاقة سلبية لدى الشخص، وتتراكم تلك الطاقة. اما قول الحقيقة فهى تحرر النفس وتعطى للشخص شعورا بالحرية.


طلب المساعدة
يخاف البعض من طلب المساعدة من الاخرين، ويبررون ذلك بان الاخر قد يرفض اعطائه المساعدة. فطلب منه الحكيم ان يقوم بتجربة التوجه الى الناس طلبا للمعونة؛ ولكن ليس لكى يقبلون مساعدته، بل بالعكس، بشرط ان يرفضوا تلك المساعدة. وطلب منه الحكيم ان يحصل على خمس اجابات سلبية خلال اليوم.
ولكن بقدر ما تصور الشاب ان تلك المهمة ستكون سهلة، بقدر ما كانت صعبة. فمهما حاول ان يطلب مطالب طموحة كان الناس على استعداد لتلبية طلباته، حتى ولو طلب من احدهم بعض المال او الاتصال بمنزله فى فرنسا، او توصيله الى منزله فى الجانب الاخر من المدينة. كان الجميع على استعداد لتلبية طلباته. وهو ما كان عكس ما كان يتوقع تماما.
كان الحكيم على حق عندما قال له ان الناس على استعداد لمساعدة الاخرين فى كل الحالات واكثر مما نتوقعه. وفقط عندما نتوقع الرفض، فان الناس يرفضون المساعدة. " ان الحياة تكمن فى ان ننفتح على الاخر، ولا ننغلق على انفسنا".
وفى نفس الوقت، علينا ان نقترب من هؤلاء الذين يثقون ويؤمنون بقدراتنا على الانجاز، ونتجنب هؤلاء الذين يشككون فى قدراتنا. حتى يمكننا ان نعيش الحياة التى نريدها نحن.


الدرس الاخير
كان الدرس الاخير للشاب الفرنسى هو الاهم، وهو الدرس الذى وضع النقطة الاخيرة فى شفاء مريضنا ليتحرر ويصبح اخيرا انسانا سعيدا. فقد كان عليه ان يغادر اندونيسيا يوم السبت، لكى يواصل عمله فى فرنسا، ولن يستطيع التأجيل لان ذلك معناه التأخر عن العمل ودفع غرامة كبيرة لشركة الطيران. وبدأ الدرس الاخير تدريجيا عندما ابلغه الحكيم انه لن يستطيع ان يقابله الا يوم السبت بعد الظهر، وهو نفس توقيت السفر. وقال له الحكيم: ان علينا دائما الاختيار.
فكان على المريض ان يفكر ويختار ما بين ان يحصل على الدرس الاخير ويخسر تذكرة وموعد العودة الى العمل، وبين ان يخسر الدرس ويحتفظ بالتذكرة والعمل. كان اى قرار مؤلم.
كان الاختيار صعب ولكنه فى النهاية قرر أن يؤجل السفر من اجل الدرس الاخير. وان ديونه يستطيع ان يسددها.
ولكن الذروة فى الدرس جاءت عندما وصل الشاب الى منزل الحكيم من بعد ظهر السبت، فلم يجده، واخبرته مساعدته انه لن يحضر اليوم. كان هذا الموقف هو الطامة الكبرى بالنسبة للشاب الفرنسى الذى شعر انه ضحى بأشياء كثيرة من اجل لقاء الحكيم للمرة الاخيرة. وكان غضبه كبيرا.
ولكن الحكيم ترك له رسالة، كان فيها درسه الاخير، فقد جاء فيها: "ان خيبة الامل والغضب الذى تشعر به الان هو جزء من تحولك الى مستوى جديد من كيانك، كيان ليس بحاجة الى احد من اجل ان يستمر فى التطور.
ان اتخاذك قرار المجئ اليوم، هو الدرس الاخير فى شفاءك، فانك استطعت ان تنمى داخلك قدرة كبيرة كنت تفتقدها من قبل، القدرة على اتخاذ قرار والتوصل الى اختيار قد يكلفك بعض المال. اختيار يجبرك على التنازل عن شئ، وتقوم بالتضحية بشئ من اجل انجاز شيئا لك. انت الان تملك قوة كبيرة سوف تكون معك طوال حياتك القادمة. الطريق الى السعادة يتطلب احيانا التخلى عن السهولة، من اجل تحقيق ما تريده حقيقة فى اعماق نفسك.

فهم الشاب اخيرا وقبل الوضع واكثر من هذا وذاك شعر بالامتنان، ثم بالاعجاب الشديد بمعلمه الحكيم.



،،،
الكاتب الفرنسي وضح في قصته ما أراد ايصاله

ولكن نحن يجب ان نعلم يقينا بأن السعيدة ليست مستحيلة وليست بعيدة عنا