تتـفق معــي أننا نعيــش اليــوم أسـوأ عصــور الإنحطــاط على مدى التاريخ العــربي كلـه ..

ربمـا لم يمـر على هــذه المنطقـة من العــالم زمنـاً حمــل لنـا كــل هذا القــدر من البــؤس والإنحــدار والتراجــع ، إلا إذا تم القيـاس على عصــر اجتيــاح المغـــول للدول العــربية والإســلاميــة ..

تقريباً لا يوجد بلد يتحدث أهله العربيـة الآن إلا ويعـاني مشكــلات ظاهــرة ، تتمثل فى الانفجـارات والفتن الطائفية وانهيــار الاقتصـاد والتعليم والفكــر والخدمات والثقافة والفــنون .. او مشكــلات باطنـــة مُحكمة الإغلاق ، كأنها صندوق بنــدورا الملئ بالشــرور .. فقط تنتظــر من يفتحــه لتنهــال اللعنــات والمصائب والفتــن على الجميــع ..



ومع ذلك ، يجب أن تدرك جيــداً أننا لسنــاً بِدعــاً من الأمم .. كل الأمم على مدار التاريخ البشــرى تنهض وتتألق ثم تخبــو وتتراجع، تصــل إلى الحــالق ثم تهــوي إلى الفالق .. هذه سنـة انســانية بشــرية كانت ومازالت وستستمــر إلى أن يرث الله الأرضَ ومن عليهــا ..

نحن – العـرب – تألقنــا زمنــاً طويلاً جداً ، حمل فيه أسلافنـا مشـاعل الحضــارة والتقدم والإزدهــار ونقلــوها إلى العــالم أجمـــع .. ثم خبــا ضياؤنا وطُــوي بِســاطنا ، وانتقلت شعــلة الحضــارة إلى غيــرنا ، ودخلنــا فى مرحلة الغيبــوبة فى كل شي ، وخلدنا للنــوم فى الوقت الذي استيقــظ فيه العالم كله تقريبـاً من حولنــا..

لكـن الغيبــوبة طالت حقـاً هــذه المــرة ..

نكــاد اليــوم نخــرج من معادلة التاريخ والجغــرافيا ، وأصبـح العالم كلــه يتعــامل معنـا كنمــوذج فريد جديــر بالدراســـة والتأمل ، كـأننا مخلوقات من كواكــب أخــرى أو إمتــدادات لإنســان العصــر الحجــري ..

فقــط يبقى الأمل قائمــاً على العقــول المتـّقــدة التى تقرأ هذا الكلام .. ربمــا نستطيــع أن ننجــز سوياً أي شيء ، يُخرجنا من البئــر السحيقة التى سقطنــا فيـها !

***********************
ما هو التنويــر الذي نقصــده ؟

التنويــر المقصــود به هنـا هو الإرتقــاء الفكــري لأكبـــر شريحــة ممكنــة من سكــان الوطن العــربي لتـلاءم العصــر الذي نعيشــه.. بشكــل تنعكــس نتائجــه على شكــل جــودة فى نوعية الأفكــار ، رُقــي فى التعامــلات ، فى الإنتــاج ، فى التواصل بين النــاس ، وأيضــاً فى أرضيــة التفكـيــر المشتــرك ..

هذا التعريــف هو تصــوّر شخصــي لمفهــوم التنويــر ، وليــس تعريفـاً أكاديميــاً يستلهــم معــانى ( التغــريب ) و ( الحداثــة ) و ( العــولمة ) ، وغيــرها من المعــانى التى يتقــاتل عليها الأكاديميــون .. والتى تخــرج عن إطــار المغــزى المقصــود من وراء مصطلــح التنويــر الذي نستخدمــه فى هذا المقـال..
هل يُمكــن لأفـراد أن يقــودوا حملات تنويــرية ؟ .. أليسـت نشـاطاً مُجتمعيـاً ؟

بالطبـع التنويــر يأتى من وراء إرادة وتخطيــط مُجتمعــى ، ولكنــه يظهــر – مثل أي شيئ آخر – من وراء أشخــاص ( أفــراد ) آمنــوا بالفكـــرة ودعـوا إليها وتحرّكــوا على الأرض لتحقيقهــا .. الكتلــة الحــرجة الصغيــرة التى تقــود الحملـة ، فيساندهـا المجتمــع ، فتكــون النتيجـة أن تنفجــر آبار الإبــداع والتحضــر والتنويــر ..

فقــط – أنصحــك – ألا تأمل كثيــراً فى مســاندة الحكـومات العــربية لهــذا التوجّــه ، لأنهم فيما يبدو منهمكيــن فى أمــور وأشيــاء أكثــر أهميــة ، أعجــز عن معــرفتهــا حتى اليـــوم ..

لحُســن الحظ أننا فى عصــر من السهــل جداً نشــر التنويــر سريعاً فى المجتمعــات بدون تدخـل حكــومي .. وإلا قضينــا ألف عــام أخــرى ننتظــر تحقيــق مانستعــرضه هـاهنا ! خطـوات على طـريـق نشــر التنويــر فى العالم العـربي

**********************
الخطـوة الأولى : إبــدأ بنفســـك .. ( التنويــر الذاتي )

لا يمكن بأي حال من الاحــوال البدء فى السعــي لتنويــر المُجتمعــات العــربية ، والأفــراد المتحمسيــن لذلك أصلاً غارقيــن حتى الآذان تحت عنــاصر وأفكــار وتأثيــرات أبعــد ماتكــون عن التنويــر الحضــارى القائــم على أساس دينــي وأخلاقي رفيــع ..

من الطبيـعي قبــل أن تبــدأ فى مســاعدة غيــرك فى إصــلاح بيتــه ، أن تبــدأ بإصــلاح نفســك أولاً !
إعــادة النظــر فى مفهـوم ( الآخــر )

اي مُجتمــع فى الدنيــا ينهــض ويتميــز بناءاً على فكــرة ( إختــلاف أعراق وأجنــاس وأديــان وأفكـار ) قاطنيــه ، وليــس تشـابههــم على الإطلاق .. كل المُجتمعــات الأوروبيــة الحديثة حققــت مفهــوم العصــرنة والحداثة ، بعــد أن إنصهــرت فيها كافة الإختلافات بين سكّــانها ، وتحولت إلى طاقة دفــع إلى الأمــام .. بعــد أن كانت حجــرعثــرة أمام تطــوّرهم لقــرون طويلة ..

حتى اسلافنــا العــرب فى عصــور الإزدهــار ، حققــوا كافة هـذه الإبداعــات المُدهشــة بعــد أن استوعبــوا الآخــر ، وفتحــوا المجال لكل الأديــان والعرقيــات والعقائد والطوائف والمذاهــب للعمـــل والتجديــد وبنــاء الحيـــاة ..

إذا كنت من النــوع الذي يؤمــن بأن كل من يعيش فى وطنــك معك ، ويختلف معــك دينيــاً أو عقائديــاً أو مذهبيــاً أو سياسيــاً أو حتى اجتمــاعياً وفكــرياً ، هو بالضــرورة عــدو لك يجــب أن يُسحــق ويدمّـــر بلا رحمــة .. فيسعــدني أن أخبــرك أنك أنت تحديداً السبب الجــوهري فيمــا وصلنــا إليه من تخلف مُزري ..

وغالبــاً لن نخــرج من هــذا المستنقــع إلا بعــد أن تؤمــن بأن ( الإختــلاف فى كل شيئ ) هو أصــل قــوة الامم وتقدمها وليس العكــس ..

وثائقيـات .. الكثيــر من الوثائقيـات !


من أعظــم وسائل التنويــر الســريع فى عصــرنا الحــالي ، هو أن تشــاهد فيلمـاً وثائقيــاً مدته ســاعة واحدة ، فى أي مجــال من مجالات الدنيــا ، يلخــص لك نتــائج عشــرات الكتب والمجلدات والأبحــاث ، ويقدمهــا لك بالصــوت والصــورة والأسلــوب العصــري الممتــع ..

شـاهد الأفــلام الوثائقيــة فى كل المجــالات .. خــذ نبــذة عن التاريـخ ، وفكــرة عن التقنيــة ، ولمحــة عن مشــروعات المستقبـــل ، وحتى حــركات التطــور السياسي والاجتمــاعي التى شهــدها العالم على مدى قــرون طويلة..

200 ساعــة وثائقيــة سنويــاً ، مع تدويـن أهم أفكــارها وأخــذ ملاحظــات أثنــاء المشـاهدة ، لا تؤهلك فقــط بأن تكون متنــوّر الفكــر جمّ الثقـافة ، بل كفيلة بجعلك مُحاضــراً وباحثــاً فى العديــد من المجالات المختلفـــة .. دون الحاجة إلى جامعــة ، أو دراســات ، أو أبحــاث ، أو شهــادات أكــاديميــة ..

تحوّل من قـاعدة ( كم كتاباً اقــرأ ) .. إلى ( مــاذا أقــرأ )

وهي من أهم خطــوات التنويــر الفكــري على الإطلاق ، والفــرق الجوهــري بين مفهــوم ( الثقافة ) بمداها الضيــق ، و ( التنويــر ) بأفقــه الواســع ..

المشكلة ليست في أننا – كعــرب – لا نقــرأ .. الواقع أن شريحــة كبيــرة جداً من العرب يحبــون القراءة فعلاً ، ويداومون بإنتظــام على القــراءة .. ولكن السؤال : ماذا نقــرأ بالضبــط !


هل يُعقــَل أن يكون نصيبــك المعرفي كله مُركــزاً على كتب الآداب والروايات والإنسـانيــات والأديـان – رغــم ضــرورتها وأهميتهــا – وتُهمــل تماماً القراءة عن التقنيــة ؟ .. آخر الحقائق العلميــة فى القرن الحادي والعشــرين ؟ .. هل يُعقــل أن تُركز كل قراءاتك على الروايــات والأشعــار ، وتُهمــل القراءة عن أدوات مُجاراة العصــر السريع الذي نعيشــه ؟


أعِــد النظــر فيمــا تقرؤه .. من حقك ان تقــرأ أي كتاب تحبــه فى المجال الذي تفضلــه ، ولكن تأكّــد أن نصــف ماتقــرأه على الأقـــل يجعلك مواكبــاً للأحداث والتطورات والعصــر الذي تعيشــه ، ويكسبك خبــرات ومهارات تطبيقيــة قادرة على جعلك تحوّلها من مجـرد أفكــار إلى خطــوات عمليــة ملائمــة للزمن الذي نعيشــه ..

25 كتـاباً سنويـاً على الأقل .. كتابان اثنــان فقــط تقــرأهما كل شهــر ، أحدهمــا للإفــادة بالأفكــار والمهارات ، والآخر للمتعـــة الشخصيــة فى المجــال الذي تحب أن تقــرأ فيه ..

اعتــزل الإعــلام العــربي .. حتـى حيــن !


كلنــا بلا استثنـاء ، بمختلف ثقافاتنا واهتمـاماتنا ومرجعيّــاتنا ، نكــاد نجمــع أن إعــلامنا العــربي المُوجّه بكافة أشكــاله ( المرئي والمسمــوع والمقــروء ) غارق فى التخلــف ، وإن حــاول أن يرتــدي ثــوب العصــرية والحداثــة ..

هل هنــاك فيض من قنــوات تعليمية وعلمية وأكاديمية وبحثيــة رصينة فى الاعلام العــربي ؟ .. هل تابعــت عدداً معينـاً من القنــوات العربية التى تحث على الإبداع والابتكــار والريــادة.. هل هناك مسابقات للمفكرين والعلماء والبـاحثيــن ؟ .. كم عددهــا ؟ واحــد ، اثنـان ، خمســة .. من بيــن مئــات – وربما آلاف – الوسائل الإعلاميــة ؟

نحن غـارقـون فى غثــاء .. غثــاء حقيقــي يستحيــل أن يكــون طرفــاً فاعلاً فى طريق التنــوير الحضــارى .. عشــرات المسابقــات للغنــاء والطــرب والرقــص .. عشــرات القنــوات المليئة بالشجــار والغضب والتنفيــر والتكفيـــر الدينــي والتحريــض والإقصــاء والنقاشات الحاميــة وموضــوعات أكل عليها الدهــر وشرب .. عشــرات القنــوات التى تقدم مواداً ترفيهيــة مُقلــدة للغـــرب الذي وصــل إلى ذروة الحضــارة ، ونعتبــرها مناسبــة للمشــاهد العــربي الذي يعيــش فى مجتمـــع يحبــو على سلم النهــوض فى كل شيء !

بإختصــار : مُعظــم هــذا الإعــلام يقــودك بحمــاس شديــد – بلا كلل أو ملل – إلى عكــس ماندعــو إليه تماماً ..


تعلـّم أســاسيــات الإدارة



السبب الرئيس وراء التــراجع المُخيــف الذي أصــاب العــرب خلال العقــود الأخيــرة ، هو غيــاب مفاهيم الإدارة الحديثة ، ليس فقــط بين مدراءها وقـاداتها ، بل حتى بين شبـابها وصغــار الموظفيــن فى كافة المجــالات ..

الإدارة السليمــة ليست سببــاً فى التنويــر والنهضــة فقــط .. بل أيضــاً وسيلة فعّــالة ( لنشــر ) التنويــر والنهضــة كذلك ، لأنها فى الأساس قائمة على مشـاركة الخبــرات المعرفية والفنيـــة بين أبناء المجتمــع الواحــد ..

على الأقــل ، تعلّــم كيف تديــر حيــاتك أنت ، وجعلهــا مليئة بالفــرص والإنجــازات .. وقتها فقــط ، ستتمكّــن حتمــاً من إدارة المنصــب الذي ستتولاه يومــاً من الأيــام ، وتحقق فيه نتــائج إيجــابية مُبهــرة فى إطــار فريق عملــك ..




أصبـح بديهيـاً أن إجادتك للغــة أجنبيـــة أمــرُ ضــروري ، ليس من باب التحذلق أو تقليــد الغــرب طبعــاً ، ولكن من بــاب القدرة على تحصيــل علومهم وتقنيتهم وآخــر أخبــارهم وماتوصّلــوا اليه ..

وبالطبــع ، إجادة التعــامل مع الإنتــرنت أصبــح أمراً لا يقبــل النقــاش ، وألف بــاء فى أبجديــة التنويــر الفكــري فى العصــر الذي نعيشــه .. وهو الامــر الذي لن أشدد عليه كثيــراً ، لأنك تقــرأ هذه السطور من خلال الانتــرنت على أي حال !

********************
الخطـوة الثـانيـة : الإنتشــار .. التنويــر الاجتمــاعي

آفــة هــذه الأمة ومصائبهــا الكُبــرى تتلخـص فى عوامّهــا ..

العـامّي الذي لم تُهــذّبــه القــراءة ، ولم يكتسب الأخلاقيـات الراقيــة النابعــة من وراء فِكـــر مُجتمعــى وإنســاني راقي ، هو أساس المشــاكل التى نعيش فيها كل يــوم .. أساس الصراعات الطائفيــة .. اساس الافق الضيّق .. أساس انتشــار ثقافة ( عدم النظــافة ) ، وثقافة الإهمــال ، وثقافة الصــوت العالي والصــراخ بلا توقف .. إلخ ..

وهو – بالفعــل – معــذور ؛ لأنه لم يجــد من يقدم له أساسيــات التنويــر الفكــري الذي ينعكس على أخلاقياته وتصرفاته وتعاملاته مع الآخــريــن .. ولم يجــد أمامه ســوى وسائل الاعــلام غير المُرشّــد فى أغلبــه ، التى تدفعه دفعاً للمزيــد من الفوضويــة والهمجيــة ، وتقنعــه أن هــذا هو الطريق الوحيــد للحيــاة ، بداعي أنها ( تعكــس ) الواقع ومايــدور على الأرض .. ولا تسعــى أبداً لتغييــره أو تحسينــه ..
التمــدد فى العــالم الإفتــراضــي

عدد هائــل من المستخدميــن العـرب اليوم لديهم اتصــال مباشـر ومتكرر بالإنتــرنت ، لا سيّمــا مواقع التواصل الإجتمــاعي ..

هــذه الوسائل – مثل أي شيء آخــر – يُمكــن استخدامها كحجــر أساس فى نشــر الفكــر التنويــري المُعتدل فى كافة مجالات الحيــاة ( الديــن – العلــوم – التقنيــة – الفنــون – الآداب – التطويــر الذاتي .. إلخ ) .. أو تحويلهــا كمنصــة لنشــر الظُلمــات والجهــل والتخلــف والرجعيــة فى نفس المجالات المُشــار إليهــا ..

قرأت كتاباً شيّقــاً تعتقــد أنه سيكون مفيــداً لغيــرك ؟ شــارك به عبــر الفيسبــوك .. اطّلعــت على مقال تجديــدي مميـــز نُشـر في ( أراجيــك ) أو في أي مُدوّنــة عربية ، شــارك به الجميــع بلا تردد .. شــاهدت فيلمـاً يستعــرض وجهــة نظــر إنســانية أو أدبيــة أو سياسيــة معينة بشكــل راقي ، شــارك به ليصــل للجميــع ..

هــذا افضــل بكثيــر – تتفق معــي – من نشــر المقطــوعات المملة أو المخيفة أو المنفــرة أو السخيفة ، والاكتفــاء بمشــاركة أصدقــاءك لأحدث الأغاني والألبـومات ، وفتـاوى التكفيــر ومناقشـات التنفيـــر ، ومواد مقــروءة ومسموعة ومرئية هدّامة لا تسعـى لشيء سوى تحويلك إلى مســخ حقيقــي !

شــارك كل المستخدمين العــرب على الإنتــرنت ، بكل الوسائل المتاحة ( مدونات – منتديات – اعلام اجتمــاعي ) مواداً راقيـــة إنســانيــة مُلهمــة ، تدفعهم للتعلم والعمــل والإنتــاج .. وليس للمزيــد من الفــوضويــة والهمجيــة التى نعـاني منها كل يوم..

تحــرّك على الأرض

وهي من أهم الخطــوات وأكثـرها تأثيــراً وفعاليــة على الإطــلاق ، من بين كل ماذكـرناه سابقـاً ..

صحيح أن عدد المستخدمين العــرب لشبكة الانتــرنت يقدّر الآن بعشــرات الملاييــن .. ولكن لا تنسـى أيضـا أن لدينـا ( مئـات الملاييــن ) من العــرب، يعيشــون بعيــداً تماماً عن الانتــرنت ومصــادر المعلــومات !


هؤلاء هم بالأساس الفئة المُستهدفــة لنشــر حملات التوعيــة والتنويــر فيمــا بينهــم ، لأنهم الأكثــر إنعــزالاً عن ادوات العصــر وتطوراتــه ، ويعيشــون – حرفيــاً – فى زمــن غير الزمن الذي نعيشــه ..

اجعــل لنفســك مهمــة جانبيــة فى مسيرة حياتك ، وهي أن تســاعد دائرة معـارفك فى الحصــول على كافة المصـادر والأدوات التى تزيــد من ثقافتهــم ، وترتقي بطــريقة تفكيــرهم وانتاجهم ورؤيتهم للحيــاة ..

أعِــر كتاباً يناقش الاسلام الوسطــي لصــديقك المُكفـّر والكـاره للمجتمــع .. اهدي مواداً مرئية وصوتية جادة تناقش آخر ماوصلت إليه العلوم والتقنيــات لأخيــك غير المُهتم بمتابعــة أي شيء سوى أخبــار الرياضــة .. قم بإعــارة مجموعة من الكتــب التنمويــة لمهارات الإلقاء والاتصــال الفعّــال لزميلك الذي تــرى أن تواصلــه مع المُجتمع يحتــاج إلى تقــوية مهاراته التواصليــة والإنســانيــة .. إلخ ..

بإختصــار : كُــن أنت المــركز الذي ينقــل الثقافة والتنويــر الفكــري والإنســاني إلى كل من حولــه ، وتابــع معهم بإستمــرار آخــر ماوصلــوا إليه من قراءات ومُطالعــات وتصــوّرات ، ليس بالضــرورة أن تكون متوافقــة مع آراءك ..

ولكن المُهــم أنها تكــون تنويــرية مُتفتحــة تراعي العصــر والحيــاة التى نعيشها ، وفي نفس الوقت تستلهم القيــم الدينية والإنســانية والأخلاقيــة الرفيعــة ..

*********************
الخطـوة الثالثـة : مشـروعـات ريـاديــة لنشــر التنويــر الفكــري

نحن الآن فى عصــر ( ريــادة الأعمــال ) .. كلنــا نسعــى أن نكون روّاد أعمــال مُلهميــن ، نتنــافس فى الإبتكــار والإبداع لخلق مؤسســات ناشئــة بأفكــار جديدة غيــر مسبــوقة .. وإن كانت – فى مُعظمهــا – ذات صلـة بالمجــال التقنــي ، تماشيــاً مع الصــرعة التكنولوجيــة الهائلة فى العصــر الذي نعيشــه ..



لمــاذا لا يكــون مشــروعك الريــادي هو ( نشــر التنويــر ) فى المُجتمــع المُحيــط بك ؟ .. وقتهــا تكــون قد حققت طــرفي المُعــادلة الصعبـــة : الإفــادة الحقيقيــة للمجتمــع + النمـــو وكســب الأربــاح ..



# فليـكن مشـروعك الريـادي هو إبتكـار منهجيــة ذكيــة لنشــر الكتــب المُبسّطــة للعلــوم والآداب التى تراعي أسلوب العصــر فى الخطــاب وبث الأفكــار والمنهجيــة العقليــة التحليليــة ، بأسعــار رمــزية فى متنــاول الجميــع .. وتحقق لك الكسب المــادي..

# فليكن مشــروعك الريــادي تطبيــق عبقــري على الهواتف الذكيــة لنشــر الثقافة والمعلــومات بشكــل مُركز وذكي ومُختلف عن الموجود ، يشهــد له الجميــع الكفـاءة ويصل الى أكبــر شريحة من المستخدميــن ..

# فليكــن مشــروعك الريــادي توزيــع أسطــوانـات مضغــوطة لسلسة محاضــرات ونقاشــات لـ (ted ) ، أو اي مــواد تنويــرية شيّقــة ومميــزة وبيعهــا فى الأسواق بسعــر رمــزي ..



بإختصــار : إجعــل مشــروعك الريــادي يُخــاطب الإستهــلاك ( العقــلي ) للمواطن العــربي بشكــل رئيســي ، وليس الاستهلاك المُعتــاد ( ملابس – افلام – أغاني – طعــام – منتجــات – إلخ .. )

تحويــل فكــرة التنويــر من مفهــومها الفــردي الذاتي ، إلى مفهــوم أوســع يشمــل المجتمع الصغيــر المُحيــط ، ثم الانتقــال إلى ( مأسَســة ) الفكــرة – جعلهـا تنتشــر من خلال مؤسســة – ، وتحويلها إلى ( صنــاعة ) بالمفهــوم الواســع الشامل الذي يخــاطب أعداد هائلــة من السكــان ..

هــذا هو الهــدف من الدراســة كلهـا !

************************

وأخيــراً ، تبقـى النقطــة الهامة التى أعــرف ان الكثيــرين جداً من قراء هــذه السطــور ، ستقفــز فى ذهنهم فوراً ..

كيـف ينتشــر هذا التنويــر ، فى الوقت الذي تعــاني فيه مُعظم البلـدان العــربية من مشــاكل اقتصــادية واجتمــاعية وسياسية هائلة ، تجعــل مانتكلــم فيه يبــدو نوعاً من التــرفيه الزائــد المُبـالغ فيــه ؟

الحقيقة أن هــذه الاوضــاع المأســاوية هي اكبــر دافع للتنويــر وليس العكــس .. الفقــر لم يكــن أبداً حجــرعثــرة امام التنويـــر ، بل كــان المُحفــز الرئيســي لظهــوره وانتشــاره فى المجتمعــات ..

هل كــان الانبيــاء الذين حملــوا مشــاعل التنويــر الإلهــى الروحــي والديني والدنيــوي أغنيــاء ؟ .. هل كــان أعظــم العُلمــاء التطبيقيــين الذين أشــاعوا العلم والمعــرفة بشكــل سريع ومُذهل أغنيــاء ؟ أروع المثقفيــن والأدباء والفنــانين رحلــوا عن الحيــاة وقد حاصــرتهم الديــون ..

هل كانت أوروبــا غنيـــة هانئــة وتعيش فى رخــاء اقتصــادي ضخــم ، عندما انطلقــت فيها حملات التنويــر الفكــري والمعرفي والإنســاني تزامنـاً مع الثــورة الصنــاعيــة ، التى مازالت تعيــش إمتدادات رخــاؤه حتى الآن ؟

الفقــر والمشكلات الإجتمــاعيـة هي الخطــوة الأولى لإنطــلاق التنويــر الفكــري والإنســاني .. وبدون كل هــذه المشـكــلات أصلا تنتفــى الحاجة لظهــور هذا الفِكـــر !