الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

- من أنفع ما تكتب : شيءٌ يدوم لك برُّه ، ويصفو لك أجرُه ، وتحوز به هناءة البال ، وترجو به حسن المآل . ومن أضر ما تكتبُ : شيءٌ تتكدر به نفسك، وينقلب عليك بالتَّبِعَة المرهقة، وقد يضيف إليك من المآثم ما أنت في مَندوحة منها.

- والواحد فينا تتجاذبه في الكتابة شهوات : أخطرها حب المحمدة وأشنعها خوف المذمة والنقيصة، ولا يصرفه عن هذه السموم المهلكة إلا مراقبة الله فيما يكتب واستحضار النية فيما يرمي.وهذه النية هي أهم وأول المطلوبات في الموضوع النافع ، الذي ينتفع به صاحبه وينتفع به من يقرؤه.

- ومن باب النصح لنفسي ولإخواني ولدين الله أختصر لكم ما ينبغي استحضاره عند كتابة الموضوعات
في نقاط سهلة الحفظ لعلها تعود بالنفع على كل من أراد أن يكتب موضوعا نافعا يُكتب له به الأجر بإذن الله.

فالموضوع النافع يجب أن تحافظ فيه على ثلاثة أمور مهمة :

الأول :

أن يكون موضوعا عمليا واقعيا ، ليس خياليا أو غير منطقي ، ولازمه أن يكون موضوعا يماس حياة الناس ولا يحلق بهم في فضاء الأوهام . فإن كان موضوعا نقديا فلا بد أن يكون إيجابيا بناء لا سلبيا هداما ، وألا ينصب في الذم والثلب دون بيان المخرج والبديل.
الثاني : أن تكون مقدماته ونتائجه محفوفة بالحجج والأدلة مزينة بالعلل والحكم ،حتى إذا قرأه القارئ لم يحتج إلى مناورة فقراته ولا مماراة أطروحاته .
الثالث : أن يكون واضحا غير ملغز ، مشوقا غير ممل ، إذا قرأ القارئ أوله تشوق إلى ما يليه حتى ينيه.
ولازم ذلك أن يكون الموضوع متناسقا مرتبا في متناول من يُراد له أن يقرأه .

ثم إن مما ينبغي محاذرته في الموضوع النافع ثلاثة أمور أساسية :

الأول :


أن يطّرح تقديراته الشخصية وأحكامه الذاتية ويكون موضوعيا أي متجردا قدر الإمكان، وإنما قلتُ قدر الإمكان لأن جبلة الإنسان في الانحياز لنفسه لا يمكن الاحتراز منها إلا إذا شاء الله ووفق، وحاصل التجرد والموضوعية أن يحكم على القضية بما حق في معيار الشرع سواء وافق ما في نفسه أو خالفها.
الثاني : أن يجتنب الموضوعات التي لم يكتمل تصوره لها أو قصرت به الحجج والأدلة عن بلوغ رأي واضح فيها ، فمثلها جديرة أن تورده المخاطر والمهالك .
الثالث : أن يحاذر الألفاظ الخادشة والعبارات المحرجة والكلمات المجملة والجمل المبهمة، فلن تزيد الموضوع إلا غموضا وإبهاما وإحراجا وذما .

ولن يغيب عن ملاحظتك أن ما يجب المحافظة عليه والمحاذرة منه ثنتان من كل منهما متعلق بالمعنى والثالث منهما مرتبط بالمبنى ، إشارة إلى ضرورة الاهتمام بالمعنى على حساب المبنى .

والموضوع النافع أو الأنفع هو الحافل بالدعوة إلى ثلاثة أمور ضرورية :

الأول :

الدعوة إلى الإلهيات ، كتوحيد الله ومعرفته ومعرفة أسمائه وآلائه ودينه ورسله أتباع دينه وأوليائه بطريق مباشرة أو غير مباشرة .

الثاني :
الدعوة إلى معالي الأمور والأخلاق والفضائل والكمالات التي بها يسعد الإنسان في الدارين.

الثالث:

الدعوة إلى التعارف بين الخلق والتفاهم بين الجماعات وتقريب الأفهام وتواصل المقاصد والأهداف.

وبضميمة الركن الأهم في الموضوع النافع وهو النية الصالحة تكون الوصايا عشرة كاملة ، ولا تحقرن النية الصالحة ، فلها أثر جليل في كتابة الموضوع وانتقاع الناس به ، وكم موضوع منمق وأسلوب مزوق صد الناس عنه سوء طوية صاحبه ، وكم من موضوع سهل بسيط كتب الله له القبول لما انطوى عليه قلب صاحبه من سلامة القصد والنية .

وأخيرا ... لا تغتر أيها الكاتب بكثرة المادحين واحتشاد المؤيدين ما دام في قلبك غضاضة من موضوعك، ولا تحزن من قلة القراء أو المثنين ما دام قلبك السليم عن موضوعك راضيا .

أسأل الله عز وجل أن ينفع بك أيها الكاتب ويجعلك هاديا مهديا راضيا مرضيا .

كتبتُه حامدا مصليا في أوله وآخر .