توصل المختصون في مجال كيمياء المخ حديثاً إلى مجموعة من المواد التي تنشط في الخلايا العصبية وتؤدي دوراً إيجابياً يساعد الفرد على تحمل الألم نفسياً كان أو جسدياً عندما يكون في ظروف معينة وقد تتحول هذه المواد إلى مواد ضارة ونتائج سلبية في ظروف أخرى وذلك لطبيعة العمليات العصبية ونشاطها وآلية انتقال الرسائل من وإلى الجهاز العصبي عن طريق الموصلات الكيميائية وللمواد التي تعمل في الخلايا العصبية وتؤدي دوراً تخديرياً يسكن الألم النفسي والجسدي .


ولعل ما أكدته الدراسات الحديثة أن الإنسان عندما يكون متسامحاً ، متواضعاً طيباً، رحيم ، صادق، ( على خلق عظيم ) ، فإن هاته الإفرازات تكون مهدئة وإيجابية وتفيد في تحمل الألم وفي زيادة جهاز المناعة العضوي والنفسي وفي القدرة على التغلب على الأمراض والشفاء منها بشكل أسرع ، أما إذا كان الإنسان قاسياً ، مغروراً ، متكبراً ، عنيداً يكذب ويغتاب ، ويستهزئ بالآخرين فإن كل لحظة من هذه اللحظات السيئة الخلق تفرز في داخله مواد سامة تكون سبباً في ضعف جهاز المناعة العضوي والنفسي وسبباً في الإصابة ببعض الأورام والسرطانات والأمراض الجلدية المزمنة وخلاف ذلك من الأمراض .


علماً بأن هذه المواد تفرز من المخ والغدة النخامية وأهمها :-
الأندروفينات : وتتكون من 31 حمضاً أمينياً وهو نوعان ألفا وبيتا ويتم استخلاصها من الهيبوتلاموس والغدة النخامية ، ولها تأثير رادع في تسكين الألم وتحمل الأوجاع ، وجرام واحد منها يضاعف 50 مرة مفعول الأفيونات الصناعية دون أن يكون لهذه الأفيونات أثار الإدمان أو آثار مضاعفات الإدمان التي نلاحظها على متعاطي الأفيونات الصناعية.


الأنكفالينات : وهي خمسة أحماض أمينية وتسمى بالأمينات الخماسية وتفرزها المشتبكات العصبية الموجودة في وخاصة في المسارات الحسية النخاع المستطيل والمخ وهذه المهدئات الطبيعية تعمل بشكل متوازن ومتفاعل ومنسق ومنظم – ما هو حال جميع العمليات التي يشرف عليها المخ وإفرازها بشكل متوازن يساعد الفرد في التحكم في انفعالاته وشهواته وغرائزه والتخفيف من الألم وأية زيادة أو نقصان في هذا التفاعل الرائع يؤدي إلى نتائج سلبية ، ولقد بينت الدراسات الحديثة في السنتين الماضيتين أن هذه المواد تؤثر في صحة الفرد الجسمية والنفسية والأكثر من ذلك تؤثر في الجنين إذا كانت الأم حاملاً أو في الرضيع إذا كانت الأم مرضعاً .


فخذ مثلاً أن امرأة ما كانت حاملاً وفي لحظة ما كانت تستقبل جاراتها بصدر رحب وبأطباق الحلوى وبالضحك والكلام المعسول ، وما أن تخرج هذه الجارة حتى تنقلب المضيفة المرحبة إلى امرأة أخرى تسب وتشتم وتنتقد وتقول في هذه المرأة ما قاله مالك في الخمر ، في تلك اللحظة يفرز المخ مواد ضارة في جسم هذه المرأة من حوالي 36 أنبوب ( 36 حمض أميني ) كلها تضخ مواد سامة تأخذ حق هذه المرأة المسكينة التي كانت موضع الاستهزاء أو التعليق أو النميمة ، أما المرأة المغتابة والنمامة ينتقل أثر هذه الأحماض إلى الجنين إذا كانت حاملاً وإلى الرضيع إذا كانت مرضعاً .


فسبحان ربي : الإنسان السيئ الخلق يأخذ عقابه من جسده أولاً قبل أي شيء آخر وهذه المواد السامة تخلق أرضية خصبة وأجواء داخلية تهيئ للإصابة بالأورام الخبيثة والأمراض الجلدية المزمنة وكثير من الأمراض السيكوسوماتية .


وهذا المثال لا لنيأس من رحمة الله لو كان أحدنا رجلاً أم امرأة يتصف بهذا الخلق السيئ ولكن لنعتبر ونتذكر خاصة أنه في الشق الآخر إذا كان الإنسان يتحدث عن الناس بالتي هي أحسن ويعاملهم بالصدق والحب والتواضع فإن في داخله في كل لحظة من هذه اللحظات تفرز مواد مهدئة تساعد الجسم على المناعة القوية ، تساعد الجسم على مقاومة الأمراض بل التغلب عليها وتعطي الإنسان رصيداً مناعياً قوياً وإذا كانت الأم حاملاً أو مرضعاً فإن هذه القوة المناعية الجسدية والنفسية تنتقل إلى الجنين / الوليد لتساعده في نموه العقلي ( يكون الطفل أكثر ذكاءاً ) وأكثر توازناً من الناحية النفسية ونموه أسرع في المظاهر اللغوية الانفعالية الجسمية الاجتماعية
وفي الشخصية ككل .


ولأن الله رحيم بنا ويقبل توبتنا فلقد خلق لنا جسداً أيضاً يتفاعل مع هاته الصنعة الإلهية العظيمة فلو فرضنا أن شخصاً ما منذ 10 عشرة سنوات وهو يغتاب ويتكبر على الآخرين ويستهزئ بهم ويكذب عليهم ويصطاد لهم في الماء العكر ويلصق بهم الإشاعات والأقاويل .. وغير ذلك من السلوك السيء وهو ما يترتب عنه مواد سامة تضخها 36 أنبوباً صغيراً في جهازه العصبي وغدده الصماء وبالتالي تسري السموم في كل بدنه .


وتزداد نسبتها كلما زاد في غروره ونميمته وغيبته للآخرين ، ولكن لأن الله خلقنا دائماً بالأمل وبالحياة فإن الفرصة لم تفوت فلو قرر فعلاً هذا الشخص التوبة النصوحة والتوقف عن عدوانيته تجاه الآخرين وبدأ صفحة جديدة مع نفسه ومع الناس ومع الله وتغيير سلوكه إلى التواضع والطيبة والكلمة الصادقة فإن جرعة واحدة لو كان صادقاً فعلاً كفيلة بأن تذهب الأثر السلبي للسنوات العشر السالفة ذات السلوك غير القويم .


فسبحان ربي الحسنات يذهبن السيئات ولو تأملنا قليلاً لما اصطفى الله رسولنا الكريم والأنبياء من قبله ما هي الصفات العامة لديهم ، أليس الخلق العظيم والسلوك الحسن والمعاملة الصادقة " إنك لعلى خلق عظيم " وللخلق العظيم نتائج نفسية عظيمة تنعكس في التوازن النفسي والعقلي المرتكز على أسس ثلاث هي :


·أن نكون صادقين مع الله عز وجل .
·أن نكون صادقين مع أنفسنا .
·أن نكون صادقين مع الآخرين .


" وفي أنفسكم أفلا تبصرون "