موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
الشخصية
إذا نظرنا إلى الناس في أقوالهم وأفعالهم رأينا أن كل شخص منهم فرد يختلف عن غيره من جهة، ويشترك معه في عدد من النواحي من جهة أخرى، وأن الاختلاف يبقى دائماً رغم وجود عدد من نواحي الاشتراك.
لذلك نستطيع القول بأن كل إنسان يشبه كل الناس من جهة، ويشبه بعض الناس من جهة أخرى، وهو متميز من جهة ثالثة حيث إنه ينتمي إلى نوع الإنسان ويحمل خصائصه الإنسانية العامة، ويشبه عدداً من الناس في بعض تصرفاتهم ومظاهر سلوكهم، ولكنه يبقى متميزاً متفرداً من حيث هو شخص.
ثم إننا كذلك نرى أن الفرد في تفاعل مستمر مع الشروط والظروف التي تحيط به: فهو يأخذ منها ويتحمل آثارها من جهة، وهو يحدث فيها نوعاً من الفعل من جهة ثانية. انه كثيراً ما يواجه ظروفه بنجاح ويتكيف معها تكيفاً مناسباً، وكثيراً ما يفشل في مواجهتها بما يلزم، وقد يطول فشله، وقد يصبح تكيفه معها غير مناسب وغير مرض.
معنى الشخصية وخصائصها
احتلت الشخصية مكانة هامة في الدراسات النفسية خلال السنوات الأربعين الأخيرة. ويصدق هذا القول في حال دراسة الشخصية السوية كما يصدق في حال دراسة الشخصية المضطربة. وقد ساعد على تأكيد هذه المكانة عدد من العوامل كان من بينها النظر إلى السلوك على انه يحصل لشخصية تعمل من حيث هي وحدة متكاملة وفيها كل ما تنطوي عليه من عناصر ومركبات ودوافع وقدرات إلا أن هذا الاهتمام العظيم بالشخصية لا يسلم من الاختلاف في المنحى الذي تأخذه الدراسات التي تجعلها موضوعاً وذلك على الرغم من وجود اتفاق حول اعتماد الطريقة العلمية في البحث.
ومن الممكن رؤية هذا الاختلاف في أول مسألة نعرض لها وهي تعريف الشخصية أو تحديدها.
تعريف الشخصية
يظهر الشخص نامياً متطوراً، من جهة، ويظهر من جهة أخرى، ثابتاً نوعاً من الثبات في مواقفه واتجاهاته. يبدو متفرّداً متميزاً عن غيره، من جهة، ومشابهاً غيره، من جهة أخرى. وهو كلٌ موحٌد، أو وحدة متكاملة، من طرف، ولكنه يُرى ويبحث في عدد من الجوانب والجهات المتمايزة من طرف آخر فكيف نعرّف هذا التركيب الذي يبدو من خلال هذه الزوايا المتعددة؟
تعريف الشخصية من حيث المعنى اللغوي للكلمة:
الشخص، في اللغة العربية، هو (سواد الإنسان وغيره يظهر من بعد)
وقد يُراد به الذات المخصوصة، وتشاخص القوم (اختلفوا وتفاوتوا) أما(الشخصية) فكلمة حديثه الاستعمال لا يجدها الباحث في أمهات معاجم اللغة العربية، فإذا وجدت في بعض الحديث منها فهي تعني (صفات تميز الشخص من غيره)، وكان استعمالها قائماً على معنى الشخص أي على معنى كل ما في الفرد مما يؤلف شخصه الظاهر الذي يرى من بعد، وعلى مفهوم التفاوت.
أما في اللغتين الإنكليزية والفرنسية، فكلمة الشخصية،personality) (personnalité persona وتعني هذه الكلمة القناع الذي كان يلبسه الممثل في العصور القديمة مشتقة من الأصل اللاتيني حين كان يقوم بتمثيل دور، أو حين بمظهر معين أمام الناس فيما يتعلق بما يريد أن يقوله أو يفعله. كان يريد الظهور وقد أصبحت الكلمة،
على هذا الأساس، تدل على المظهر الذي يظهر فيه الشخص وبهذا المعنى تكون(الشخصية) ما يظهر عليه الشخص في الوظائف المختلفة التي يقوم بها على مسرح الحياة.
تعريف الشخصية من حيث هي مجموعة مكونات:
ينظر مورتن برنس إلى الشخصية من حيث هي اجتماع لعدد من العناصر أو لعدد من المكونات الأساسية. وهو يقول عنها في كتابه عن اللاشعور: (الشخصية هي كل الاستعدادات والنزعات والميول والغرائز والقوى البيولوجية الفطرية والموروثة، وهي كذلك كل الاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة.
وتعريف مثل هذا نجده عند عدد غير قليل من المشتغلين وبخاصة منهم من بحث الشخصية في الثلاثينات والأربعينات من عصرنا الحالي.
تعريف الشخصية من حيث التكيف مع المحيط حولها:
تأخذ التعريفات التي تنطلق في تحديد الشخصية من عمليات التكيف التي تمر بها ـ تأخذ هذه التعريفات أكثر من اتجاه فبينها ما يلح على عمليات التكيف وعلى مجموعة من العناصر يرى أن الشخصية تنطوي عليها. وبينها ما يلح على وجود نظام في الشخصية يعمل في توجيه التكيف. وفيها ما يجمع بين وجهتين من خلال تطور نظرية خاصة في الشخصية.
يرى Bowden باودن أن الشخصية (…. هي تلك الميول الثابتة عند الفرد التي تنظم عملية التكيف بينه وبين بيئته (ويرى برت) أن الشخصية (… هي ذلك النظام الكامل من الميول والاستعدادات الجسمية والعقلية، الثابتة نسبياً، التي تعدّ مميزاً خاصاً للفرد، والتي يتحدد بمقتضاها أسلوبه الخاص في التكيف مع البيئة المادية والاجتماعية ويأخذ (ايسنك) (موقفاً يقترب من موقف برت بعض الشيء حين يقول عن الشخصية (…. أنها التنظيم الثابت المستمر نسبياً لخُلق الشخص ومزاجه وعقله وجسده، وهذا التنظيم هو الذي يحدد تكيفه الفريد مع محيطه) ا البورت فيمر على بعض التطور في تعريفه الشخصية انه يقول في مطلع أبحاثه عن الشخصية أن (الشخصية هي التنظيم الديناميكي في نفس الفرد لتلك المنظومات الجسمية النفسية التي تحدد أشكال التكيف الخاصة لديه مع البيئة) .
ويقول في مناسبة لاحقة أن الشخصية (هي تلك الصيغة التي يتطور إليها الشخص ليضمن بقاءه وسيادته ضمن إطار وجوده).
الثبات والتغير في الشخصية:
تجتمع في الشخصية خاصيتان أساسيتان، تظهر الأولى على شكل ثبات في الشخصية، وتظهر الثانية في التغير والتطور اللذين ينالانها خلال تاريخ حياتها. فكيف نفهم هاتين الخاصيتين المتلازمتين، وما هي النتائج التي تترتب على وجودهما.
ثبات الشخصية: يتألف من:
1) الثبات في الأعمال: يظهر هذا النوع من الثبات في اتجاهاتنا المختلفة التي يعكسها سلوكنا في أشكاله المختلفة، وبخاصة ما كان منها متصلاً بطريقة تعاملنا مع الآخرين واحترامهم والتصرف بشؤونهم.
هنا نلاحظ كيف يظهر أحدنا متجهاً نحو اللف والدوران في التعامل مع الآخرين، كما يظهر الآخر معتمداً في أعماله قواعد من نوع احترام مصلحة الآخرين، وحقوقهم، والشعور تجاه الكلمة والحركة.
2) الثبات في الأسلوب: هنالك نوع آخر من الثبات في الشخصية يمكن أن يسمى الأسلوب أو التعبير، ونعني به ما يظهر عليه أي عمل مقصود نقوم به. فالطريقة التي تتبع في الإمساك بلفافة التبغ وتدخينها يمكن أن تكون مثالاً واضحاً لما هو مقصود هنا من الأسلوب أو التعبير، وكذلك الأمر في طريقة إمساكنا بالقلم حين الكتابة. وقد كان من بين الدراسات الواسعة لهذه الظاهرة تلك التي قام بها اولبورت (وفرنون). وكان موضوع دراستهما الحركات التعبيرية وقد لاحظنا أن عدداً من الحركات التعبيرية يميل إلى البقاء مع بعضها وإلى الثبات لدى الفرد حين يمر بمناسبات مختلفة.
3) الثبات في البناء الداخلي: إن أقوى ما يظهر عليه الثبات هو الثبات في البناء الداخلي، ونعني بذلك الأسس العميقة التي تقوم عليها الشخصية ومن هنا نفهم تعريف باودن للشخصية حين يقول أنها تلك الميول الثابتة عند الفرد التي تنظم عملية التكيف بينه وبين بيئته.
4) الثبات في الشعور الداخلي: لقد نوقش الثبات من حيث شعور الفرد داخلياً باستمرار وحدة شخصيته. واخذ الثبات ضمن النقاش أكثر من اسم فقد أطلق عليه أحياناً اسم هوية الشخص، كما أطلق عليه أحياناً أخرى اسم وحدة الشخصية وهو إنما يظهر بالواقع في شعور الفرد داخلياً وعبر حياته باستمرار وحدة شخصيته وهويتها وثباتها ضمن الظروف المتعددة التي تمر بها، كما يظهر بوضوح في وحدة الخبرة التي يمر بها في الحاضر واستمرار اتصالها مع الخبرة الماضية التي كان يمر بها.
تغير الشخصية: إن الثبات الذي كنا نتحدث عنه ليس في الواقع إلا ثباتاً نسبياً. وهو بهذا المعنى بعيد عن أن يكون سكوناً أو استمراراً أبدياً في وضع واحد إن صفات الحركة والنمو والتغير والانطلاق التي تعبر عن(ديناميكية الشخصية) صفات أساسية لها فالشخص يمر خلال طفولته بأشكال مختلفة من النمو في نواح متعددة من بنائه، وهو يتغير ويتطور خلال هذا النمو، أنه ينمو من حيث معارفه، ومن حيث قدراته ونوعيتها ومستواها، وينمو في أشكال خبرته ومواقفه من المؤثرات التي تحيط به انه يتفاعل بشكل مستمر مع ما يحيط به، ويترك هذا التفاعل آثاره في مكونات شخصه إن صفة التغير أساسية عنده. وحين يصل إلى مرحلة الرشد التي نستطيع أن نقول عنها أن مظهر الثبات قد أصبح الغالب فيها، فإن التطور في الشخص يبقى مع ذلك مستمراً وإلا لما أمكن فهم ما يصيب الفرد والمجتمع من تطور وتقدم، وما يصيب الشخصية الشاذة من تعديل بتأثير العلاج، إن هذا التغير في الشخصية ملاصق لثباتها النسبي وغير متعارض معه وكأننا في الواقع أمام طريق واسعة تكون العراقيل والخبرات فيها كثيرة ومتنوعة، وهي تؤثر في عابر السبيل ولكن السبيل في اتساع فيه نوع من الوحدة والديمومة.
النظريات في الشخصية:
سوف نقف فيما يلي من الحديث عند أربع نظريات في الأنماط نأخذ أولاها من حضارة اليونان، ونأخذ الثانية والثالثة والرابعة من الدراسات الحديثة:
أ) الأنماط عند أبيقراط كان ابيقراط( ق.م) يرى أن الأمزجة تعود إلى أربعة أنماط، وقد اعتمد في هذا التصنيف على العناصر التي يتكون منها الجسم الإنساني والإختلاطات التي تتكون ضمنه والأنماط الأربعة كما يراها هي:
1- المزاج الدموي: ويظهر معه الشخص نشطاً وسريعاً، وسهل الاستثارة من غير عمق أو طول مدة، وهو أميل إلى الضعف من ناحية المثابرة والدأب.
2- المزاج الصفراوي: ويغلب عليه التسرع، وقلة السرور، وشدة الانفعال.
3- المزاج السوداوي: ويغلب عليه الاكتئاب والحزن
4- المزاج البلغمي أو اللمفاوي: ويغلب عليه التبلد والبطء، وضعف الانفعال وعدم الاكتراث.
ترجع هذه الأنماط الأربعة إلى غلبة واحد من أخلاط الجسد الأربعة وهي:
الدم والصفراء، والسوداء، والبلغم إلا أن ابيقراط يضيف إلى ذلك قوله: إن الإنسان السوي السليم هو الذي تمتزج عنده هذه الأمزجة الأربعة بنسب متفاوتة.
وقد بقي هذا التصنيف مقبولاً في أوروبا خلال العصور الوسطى وترك آثاره في بعض الكتابات الأدبية.
ب) الأنماط عند يونغ: يعتبر التصنيف الثنائي للشخصية كما ظهر عند يونغ من أوسع أشكال التصنيف الحديثة انتشاراً أو تأثيراً لدى العاملين في هذا الحقل أو المتتبعين له يرى يونغ أن هناك نمطين رئيسيين للشخصية: أحدهما المنطلق أو المنبسط والثاني المنطوي أو المنكمش ويكون الاتجاه الرئيسي للأول نحو العالم الخارجي بينما يكون التمركز الرئيسي للثاني حول ذات الشخص وداخله. يتميز المنطلق بحب الاختلاط، والمرح، وكثرة الحديث، وسهولة التعبير، وحب الظهور، بينما يتميز الثاني بالحساسية والعوز، والتأمل الذاتي، والانكماش، والميل إلى العزلة، وقلة الحديث إن الاختلافات الأساسية بين النمطين كما ذكرها يونغ تشير إلى عدد من الجوانب.
فالمنطلق يعمل بتأثير وقائع موضوعية بينما يتأثر المنطوي بعناصر أميل إلى أن تكون ذاتية تأملية. وسلوك الأول يوجهه الشعور بالضرورة والحاجة بينما يسير سلوك الثاني على قواعد ومبادئ عامة.
ويكون الأول أقوى على التكيف بيسر بينما يكون الثاني مقصراً من هذه الناحية. والعصاب الغالب في الأول هو الهستيريا، أما الغالب على الثاني فالقلق والوسواس المتسلط، على أن الحكم العام بالنسبة للنمطين يدعو إلى القول عن المنطلق انه رجل عمل وإجراء بينما يقال عن الثاني انه رجل تأمل ومناقشة.
لا يقف يونغ عند هذا الحدّ من التصنيف الثنائي، بل يفصّل الحديث في تعبير الإنسان ويجعله في أشكال: فهناك المنطلق العقلاني، وهناك المنطلق اللاعقلاني. وكذلك هناك المنطوي العقلاني والمنطوي اللاعقلاني فإذا عرفنا أننا نميز عند العقلاني بين من تغلب عليه صفات التفكير ومن تغلب عليه صفات المشاعر الانفعالية، فإننا نميز عندئذ بين منطلق عقلاني مفكر ومنطلق عقلاني مأخوذ بمشاعره الانفعالية. مثل هذا التمييز موجود كذلك فيما يتصل بالمنطوي.
ولكل من هذه الأشكال صفاته وكذلك للشكل اللاعقلاني يضاف إلى ذلك أن اللاعقلاني على أشكال في النمطين، ولكل صفاته. وفيما يلي بيان تفصيلي بهذه الأشكال:
المفضلات