عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
الحديث الإيجابي مع الذات
الحديث الإيجابي مع الذات
من بحث اسس التفكير الايجابي في ضوء السنة النبوية
الحديث الذاتي :" هو ما يقوله الإنسان أو يؤكده لنفسه عندما ينفعل مع نفسه ، أو يتفاعل مع تقييمه الذاتي لأدائه "([1]).
إن ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال هو في الحقيقة ترجمة لما في ذهنه من قناعات وأفكار عن ذاته وعمن حوله وعن الحياة عموماً ، وتتشكل تلك القناعات والأفكار جراء ما يتعرض له عقل الإنسان من مصادر التشكيل الداخلي والخارجي ، فالتشكيل الخارجي مصادره متعددة الأهل والأصدقاء والمدرسة ووسائل الإعلام ، ولكن أشد تلك المصادر أهمية هو المصدر الداخلي لأنه يحدث ذاتياً وربما من غير أن يشعر به الإنسان ، وتكمن خطورته في كونه ملازماً للإنسان طوال الوقت ، ولا يستطيع الإنسان الهروب منه كما قد يفعل مع المصادر الخارجية ، ولأنه قد يصل بالإنسان إلى مرحلة التعود فيقوم بترديد تلك الأفكار حتى تصبح جزءً من أفكاره وقناعاته ، وتكرار الإنسان للفكرة وتقبلها دون تمحيص دقيق ينتج لديه تصديق مطلق وغير قابل للشك فيما رآه واقتنع به سواء عن نفسه أو عن غيره أو عن الحياة([2]) .
ولذلك أرشد النبي أتباعه إلى تعويد أنفسهم للحديث الإيجابي عن الذات ، وتنفيرهم من الحديث السلبي الذي يبرمج حياة الإنسان دون أن يشعر فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي r :" قال لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست([3]) نفسي "([4]).
قال ابن أبي جمرة :" ويؤخذ من الحديث استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة والأسماء والعدول إلى ما لا قبح فيه ..... وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما ويدفع الشر عن نفسه مهما أمكن ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى في الألفاظ المشتركة"([5]).
وأما نتيجة الحديث السلبي مع الذات فيمكن النظر إليها من خلال حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي r دخل على أعرابي يعوده قال وكان النبي r إذا دخل على مريض يعوده قال لا بأس طهور إن شاء الله فقال له لا بأس طهور إن شاء الله قال قلت طهور كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي r فنعم إذاً"([6]).
فيتبن من الحديث كيف كانت الرسائل الإيجابية من النبي لعموم الناس فقد قال لهذا المريض :" طهور " وهي رسالة إيجابية بمعنى أن الحمى طهر لك([7]) ، لكن الأعرابي أبى أن يتقبل هذه الرسالة الإيجابية فألف لذاته رسالة سلبية تتمثل في الهلاك والموت من هذا المرض ،قال العيني في معنى كلام الأعرايي -فنعم إذاً - ، " وهذه اللفظة كناية عن الموت " ([8]) ، فماذا كانت نتيجة رفض الأعرابي للرسالة الإيجابية وتبنيه للرسالة السلبية جاء في رواية أخرى للحديث من حديث شرحبيل الجعفي t :" قال النبي r:" أما إذا أبيت فهي كما تقول ، وما قضى الله فهو كائن ، قال : فما أمسى من الغد إلا ميتاً " ([9]).
ومن أقوى الأساليب التي يرشدنا إليها النبي الكريم r هي تخلية النفس وتعويدها النفور من الألفاظ والمعاني القبيحة .
" فقد دلت الدراسات أن (80% ) مما نقوله لأنفسنا يكون سلبياً ويعمل ضد مصلحتنا ، فمن الممكن للبرمجة الذاتية ، والتحدث مع النفس أن تجعل منك إنساناً سعيداً ناجحاً يحقق أحلامه ، أو تعيساً وحيداً يائساً من الحياة " ([10]).
وانظر معي إلى هذا الحديث النبوي الذي يعود المسلم على التنفير من ثمانية ألفاظ سلبية اللفظ والمعنى ، وكل واحد منها مهلك للإنسان لوحده فكيف لو اجتمعت عليه كلها
قال أنس بن مالك t :" فكنت أخدم رسول الله r إذا نزل فكنت أسمعه كثيرا يقول : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال" ([11]).
قال الكرماني :" هذا الدعاء من جوامع الكلم لان أنواع الرذائل ثلاثة نفسانية وبدنية وخارجية فالأولى بحسب القوى التي للإنسان وهي ثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية فالهم والحزن يتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل بالشهوانية والعجز والكسل بالبدنية "([12]).
" إن اللغة التي تتحدث بها لا تعكس سلوكك فقط ، ولكنها أيضاً تؤثر عليه ؛ لذا عليك اختيار كلمات وعبارات مفعمة بالحيوية والإيجابية ، لكي تنجح في حياتك الإيجابية ، وعليك بفحص الكلمات التي تستخدمها وتغيرها إن لزم الأمر بحيث تعكس الإيجابية والتوجه البناء الذي تنشده" ([13]).
ففي حديث أن رجلاً رفض الأمر النبوي الإيجابي وافترض بلغته واقعاً سلبياً فحارت تلك الكلمة عليه فعن سلمة بن الأكوع t أن رجلا أكل عند رسول الله r بشماله فقال :كل بيمينك ، قال : لا أستطيع ، قال : لا استطعت ما منعه إلا الكبر ، قال : فما رفعها إلى فيه"([14]).
فالحديث الذات السلبي يقودك إلى الفشل ، ويبدد احترامك لذاتك ، وثقتك بنفسك ، فيستنزف طاقاتك الجسدية والذهنية([15]).
************************
المفضلات