النجاح محصلة طبيعية لجهد السنين ولا يعرف قيمة النجاح إلا أولئك الذين تربعوا على القمم ولكن الوصول إلى القمة لايأتى إلا بشق الأنفس وينبغي لبلوغها التحلي ببعض الصفات والمهارات والقدرات وخاصة القدرة على تحدي الذات لتحقيق المعجزات .
إن قدرة المرء في التحكم في ذاته هي الصفة التي تجعله يعمل أشياء فوق العادة فالكثير من الناس أحياناً يفشلون في حياتهم ليس بسبب نقص في قدراتهم بل نتيجة للتقصير في صفة الالتزام لديهم لذلك نرى في هذا الزمان أناسا يتسببون في تكوين وتراكم حاجز من التراب ثم بعدها يشتكون من عدم قدرتهم على الرؤية بوضوح أو يحولون أخطاءهم وفشلهم إلى فلسفة فكرية يبررون من خلاها هذا الفشل ,فبعضهم إن نال إنذار من مديره على كثرة تأخره في العمل يبرر ذلك بقولة(إن العمل بالإنتاج لا بالحضور )وهو في واقع الأمر لا يريد أن يحضر ولا يريد أن ينتج فبدلا من مواجهة الفشل والتصدي له يتحول هذا الفشل إلى فلسفة يكابدون (أي الفاشلين )في الدفاع عنها وإقناع الآخرين بها وعلية فإن التقاعس في أداء الأعمال مردة إلى ضعف في القدرات العامة على اختلافها أو عدم فهم وإدراك واقع الحية ومتطلبات المعيشة والظروف المحيطة .
يقودنا ذلك إلى مفهوم إداري حديث نادت به النظريات الإدارية المعاصرة وهو الانضباط الذاتي فالانضباط بمفهومة العام هو التزام المرء بالقواعد المنظمة لسلوكه أما الانضباط الذاتي فهو شعور داخلي ينبئ عن سلوك إيجابي مميز يلتزم به المرء مع ذاته عن قناعة وون تكلف وفق حدود وضوابط .ويعد الانضباط الذاتي الركيزة الأساسية للسير نحو النجاح وبدونه لا يمكن للمرء أن يحقق مبتغاة في هذه الحياة.
الانضباط الذاتي لا يقتصر على مستو العمل في أي منظمة إدارية ولا يقتصر على مستوى إداري معين بل تعدى ذلك ليشمل كل جنس بشري يعيش على هذه البسيطة له ادوار معينة يقوم بها,فالطالب في المدرسة والفلاح في المزرعه والمهندس في شركته والعامل في مصنعه حتى المرآة في بيتها وغيرهم يمكن لأن يتصفوا بالانضباط الذاتي إذا ما قاموا بمراعاة القواعد المنظمة لسلوكهم.
ان المتصف بالانضباط الذاتي شخص يملك أغلب الصفات الإدارية الناجحة التي قد لا تتجمع في غيره دفعة واحدة فهو شخص متفائل لا ييأس ومحب لعملة ومدرك للمسؤولية الملقاة على عاتقه لا يستسلم للظروف مهما كانت ويملك قدرة فائقة على التحمل ,لا يقترب إلية الضجر ولا يسمح للملل أن يتسرب الى نفسه هذا الملل الذي فشل كثير من الناس في حياتهم بسببه ,لأنهم دائما
ما يبحثون على الجانب الممتع في أعمالهم ولا يؤمنون بأنة لا يوجد في هذه الحياة عمل بلا تعب ولا نصب وكأن نهم نسو قول الله تعالى(ولقد خلقنا الإنسان في كبد ) وإن المنضبط ذاتيا خالقه معه لأنه شخص عصامي وصبور قال تعالى
إن الله مع الصابرين ).فالمرء قبل النجاح لا بد ستعترضه عقبات وموانع وتحديات مؤقتة لن يمكنه تختطيها ما لم يكن متسلحاً بالصبر فإن تحلى بالصبر أمكنه تحقيق ما يريد وإن لم يتقن الصبر سيفشل لا محالة .
وان المتصف بالانضباط الذاتي شخص منتج ومنظم لا يتبع هواه ويقبل الواقع ولا يتذمر منه فهو صاحب إرادة وعزيمة وهمة لا يتردد في أداء ما يكلف به من اعمل مهما كانت صعوبتها يقول ابن القيم(فإن العزائم والهمم سريعة الانقباض والله سبحانه وتعالى يعاقب من فتح له باب الخير من فلم ينتهزه بأن يحول بينه وبين قلبه وإرادته ).
نظرة المنضبط ذاتيا ليست قاصرة بل نظرته دائما للبعيد وحتما لديه أهداف يسعى لتحقيقها فهو دائما يحقق المكاسب ولا يخسر أبدا .وهو شخص محبوب ومرغوب لكل إدارة يعمل بها لأنه يعكس الصورة الحسنة لها وبمعنى آخر فهو المرآة العاكسة لإدارته.
والمنضبط ذاتيا شخص لا يعمل بدافع الرياء فهو لا ينتظر حافزآ من رئيسه أو إدارته لقاء انضباطه.وهو إن كان في الظاهر كالجندي الذي يتحلى بالانضباط العسكري إلا أن الأخير ملزم بذلك الانضباط,أما ذاتيا فلا يحتاج لأن يلزمه أحد به,لأن الانضباط في حياته وعملة يسري في دمه رغبة ورضا وقناعة منه بذلك.
والمنضبط ذاتيا شخص معتز بكرامته لا يسمح لأي إنسان مهما كان إن يخدش كرامته نتيجة اتهامه بالتقصير لأن هذا النوع من الأشخاص لو حاول أن ينتظر من ينتقده لتقصيره في عمله فلن يجد أحد أبد فهو لا ينتظر من رئيسة أن يقول له لماذا لا تعمل كذا أو تفعل كذا لأنه يقوم بإنجاز أعماله المكلف بها في الوقت المحدد أوقبله إن أمكنة ذلك.والمنضبط ذاتيا شخص ناضج يحترم ذاته كما يحترم الآخرين من حوله وهم في المقابل يبادلونه نفس الاحترام ويغبطونه لتميزه فهو شخص ملتزم في سلوكه وخلقه وفي عملة وتعاملاته وفي وعده ومواعيده لذلك فهو قدوة حسنة وأسوة طيبة لمن حوله في القول والعمل والمظهر.
وخلاصة القول إن الانضباط الذاتي هو سلوك أخلاقي شرعي يحمل صاحبه قيما مثلى لايتنازل عنها وهو واقع مفروض بديلآ للتقاعس المرفوض, ستفرضه منظماتنا حتما على من يعملون بها لتلحق بالركب وحينها لاعزاء للمتقاعسين فهنيئآ لمن اتصف بذلك السلوك الرائع.