هموم الموظف العربي كثيرة ومتراكمة ومرهقة، ومن بين هذه الهموم المُساهِمة في ضعف الإنتاجية لديه وبشكل مستمر، عدم حبه لوظيفته، فمن خلال تواصلي مع الكثير من المتخصصين تمنيت أن ألتقي بموظف واحد سعيد بوظيفته، للأسف لم أجد! بل إنَّ الحديث المتداول دائماً في جلساتهم هو عن كيفية تغيير الوظيفة التي يعمل بها بدلاً من تطوير نفسه والوظيفة معاً، أو تجده يميل إلى تغيير مجال عمله بالكلية بتغيير قسمه الذي يعمل به إلى قسم آخر بسبب إرتفاع الرواتب وتوفر المزايا الأفضل في الأقسام الأخرى، فالجميع يرغب بأن يُصبح مديراً أو موظف مبيعات واهماً بأن الضغوطات أقل والحوافز أعلى، وهذا يمكن أن يكون صحيحاً فقط في وطننا العربي العجيب!
سؤال مُرّ يتجاهله الكثير من المديرين والمسئولين وهو: كيف يتسنى للقائد الناجح قيادة منشأة أو فريق عمل يَرضى كل من فيه عن وضعه وعن وظيفته؟ سؤال صعب يتحدى قادة الأعمال في المنطقة العربية التي تتمتع بضعف إداري منقطع النظير، كما يحتاج من مجاوبيه التمتع بالخبرة الحقيقية في مجال الإدارة.إنَ الإسلام حثنا على إحترام وظائفنا مهما كانت صغيرة وبسيطة في التوجيه النبوي الشريف من حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (( طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة )) صحيح الجامع للألباني 2962، ولتوفير هذا الأمر، لابدّ من توفر القيادة الحكيمة الراشدة التي تأخذ بعين الإعتبار تخصص كل موظف وأهدافه وطموحه.فعلى سبيل المثال، موظف قسم الصيانة يرى موظف قسم المبيعات يتمتع بمزايا أكثر من مزاياه كالتنقل بين المدن والدول وحضور المؤتمرات والدورات التدريبية والمِنَح السنوية… إلخ، فيسعى موظف الصيانة جاهداً إلى تطوير نفسه في غير مجاله حتى يتسنى له الإنضمام إلى فريق قسم المبيعات رغم عدم توفر مهارات المبيعات لديه، بدلاً من أن يحشد قواه في تطوير نفسه في مجال الصيانة.ولعل هذا ما أدى بكثير من الشركات إلى إنهاء مجال أعمالها لعدم توفر الموارد البشرية المتخصصة، لا أحد يرغب وظيفته أو قانع بها، وأنا أعتقد أن توفر النقاط التالية في خطط المنشئات وإستراتجياتها، يساعد كثيراً على تحسين أداء الموظف وإطالة عمر وجوده في مجاله والتميز به:
وجود أهداف واضحة للمنشأة وجعل الموظف جزءاً منها: في 25 مايو 1961م أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق “جون كنيدي” أمام الكونغرس عن خطته لإرسال أول رجل أمريكي إلى القمر وإعادته سالماً، وأشرك في هذا الحلم الكبير جميع قطاعات الشعب العامة والخاصة، وعندما كانت إحدى شركات الأبحاث تجوب أرجاء وكالة الناسا الفضائية لتقييم أوضاع العاملين، إلتقت بعامل تنظيف وسألته عن هدفه ولماذا يعمل بهذه المهنة فأجاب: “أنا حلمي وهدفي أن يصل أول رجل أمريكي إلى القمر، وأنا أعمل هنا مع فريق التنظيف لكي أحقق هذا الهدف!” وتم تحقيقه في 20 يوليو 1969م بعد إغتيال جون كنيدي بـ 6 سنوات تقريباً، وما استمر الهدف بعد إغتيال صاحبه لولا أنه جعله هدف وطني عام وأشرك به الجميع.
توفير القيادة المحترفة القادرة على قيادة المنشأة والتخطيط لمستقبلها وتحقيق الأهداف المرجوَّه: إذا وُضِعت الأهداف لابدّ من توفير إدارة متمكنة تقود موارد المنشأة حتى تصبح واقعاً، فإن لم تكن النقطة السابقة مُعتبرة من الصعب بلوغ الغاية، فالقائد يستطيع أن يُجبر الخيل بلوغ البحيرة، ولكنه لا يستطيع إجباره على الشرب، والمدير يستطيع أن يُحضر الموظفين إلى العمل، ولكنه لا يستطيع إجبارهم على الإنتاج، وتستحضرني حكمة جميلة سمعتها في إحدى الدورات الإدارية تقول: “القائد القدوة هو شخص يؤثر فيك، فيجعلك تعمل أمراً يريده هو لأنك تريده أنت”، وحتى تتحقق هذه الحكمة لابدّ من إشراك جميع قطاعات الموظفين بأهداف المنشأة كما ذكرنا آنفاً في النقطة السابقة.
توفير المنهجية المتطورة في إدارة الموارد البشرية: سوء إدارة الموارد يؤدي إلى خسارتها، وحتى تحافظ عليها لابدّ من توفير المناخ الصحي المناسب الذي يُعين على الإحترافية، وتطوير نظام الحوافز ومكافئات بحيث يصبح أفقي وعامودي ويشمل جميع قطاعات المنشأة مما يُساعد على رفع المعنويات والإنتاجية لدى الموظف مما يجعله يتمسك بتخصصه.
وضوح الخطة الوظيفيه وإيجاد هرم وظيفي بحيث يعلم الموظف أين سيصبح بعد 3 أو 5 سنوات: ولعل هذا من أهم الأسباب المؤدية إلى خسارة الموظف إذا لم يلقى إهتماماً ورعاية، فلابدّ من خطة واضحة مع دوارات تدريبية مُشجعة على إستمرار الموظف في تخصصه وعدم حصرها بمجال دون آخر أو موظف دون آخر.


والهجرة إلى بلاد الحضارة والنظام هي الحل الأجدى المُجرَّب التي تعين على الإنتاج والإبداع، ولكن إلى متى سنستمر في الهروب من واقعنا المرير؟ كيف يتسنى لنا كأفراد إستغلال مواردنا وطاقاتنا ونحن نعلم يقيناً أننا نفتقد إلى التوجيه الحكيم والقيادة الراشدة والمنهجية الواضحة؟ لابدّ من توفر نظام يحمي الموظف ويعينه على الإستمرار في مجاله، ولحين تحقيق الحلم المجهول، أتمنى أن تصل هذه الخلاصة إلى “جون كنيدي” عربي لديه حلم يُريح فيه مواطنيه من مآسي طوابير السفارات وإجراءات الهجرة، بتنفيذ مشروع وصول أول مواطن عربي إلى أدنى درجات الحضارة والمدنية!