السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقدمة

هذا الموضوع ضمن سلسلة المقالات في التفكير الناقد ويتطرق إلى مغالطة مشهورة في الحوار والتفكير هي "الهدف المزيف" Strawman

الهدف المزيف Strawman



عندما تأخذ كلاما قاله الشخص الآخر وتضخمه أو تشوهه فقد كونت هدفا مزيفا , ما قمت به بكل بساطة هو إساءة عرض فكرة الآخر ثم الهجوم على شيء لم يذكره بل ما قمت بصياغته. بمعنى أنني شوهت فكرته ثم قمت بالهجوم على الفكرة المشوهة وليست الأصلية وهو ماقد يؤدي إلى خداع السامع أو القارئ أو المشاهد .


يمكن أن يكون للهدف المزيف عدة صور منها :

1- مد الفكرة وتوسيع نطاقها :



فعلى سبيل المثال لنفترض أنك تتبنى الفكرة أ وأنا ضد هذه الفكرة , لكي أنشئ هدفا مزيفا يمكن أن أقول "أنت تتبنى الرأي أ وهذا يؤدي إلى ببعد ذلك سيحصل ج ثم أقوم ببيان خطورة أو حماقة أو عدم عملية الرأي ج.
كما تلاحظ فإنك لم تتبن الرأي ج وقد تكون ممن يدعو إلى خلافه لكن المستمع أو القارئ قد ينسى هذه الحقيقة ثم يرفض رأيا يعتقد أنه رأيك.

مثال 1

محمد : يجب أن تتوقف سياسة حجب مواقع الانترنت
أحمد : لماذا فهناك مواقع سيئة يجب أن تحجب
محمد : سوف يبدؤون بحجب المواقع السيئة ثم يحجبون المواقع حسب اختيارهم بعد ذلك تصبح الانترنت لا قيمة لها بسبب الحجب العشوائي !! انظر مدى قبح وتخلف حجب الانترنت يالها من جريمة ضد العلم والتطور
أحمد : لكنني لا أدعو إلى حجب الانترنت !!!!!

كما تلاحظ فإن مد وتوسيع الفكرة تعتبر من المغالطات لأنه لا يوجد سبب منطقي يدعونا لتصديق أن شيئا يمكن أن يحصل بعد الآخر بمجرد الادعاء, وتظهر هذه المغالطة بوضوح عندما يكون هناك فترة زمنية أو خطوات متعددة بين الفكرة الأساسية والفكرة التي تمثل "الهدف المزيف".

ملاحظة : ضع دائما الفكرة الأساسية للمتحدث نصب عينيك وكن متأكدا بأن الانتقال من خطوة إلى خطوة واضح ومدعوما بالبراهين.

2- صورة أخرى من صور الأهداف المزيفة وهي "الهجوم على المثال" :



أثناء عرض الآخرين لأفكارهم أو وجهات نظرهم قد يقومون استخدام أمثلة أو يستخدمون بعض التشبيهات لإثبات كلامهم لكن المثال الذي قد يطرح أو التشبيه قد يكون ضعيفا وهو ما يجعلنا نهجم على المثال وننسى الفكرة الأساسية. إن ضعف المثال المطروح لإثبات فكرة ما لا يعني بالضرورة ضعف الفكرة كلها فقد يكون الآخر لم يوفق باختيار هذا المثال أو التشبيه.

مثال

علي : أعتقد أن البلد ولله الحمد في تطور مستمر والخدمات تتجه إلى الأفضل فعلى سبيل المثال الخدمات الصحية تحسنت في السنوات الأخيرة.

أحمد : ماذا تقصد تطور ؟ بل تخلف مستمر والخدمات الصحية في غاية السوء , المريض لا يمكن أن يجد سريرا للعانية وهو في أشد الحاجة كما أن الأمراض التي انتشرت أوضحت هزاله هذه الخدمات ........ هل هذا هو التطور الذي قصده ؟؟؟

لاحظ أن عليا قد يكون محقا في حدوث تطور نوعي في البلد لكن مثال "وزارة الصحة" قد لا يكون المثال المناسب لذلك قام أحمد بتجاوز الفكرة الرئيسية وكون "هدفا مزيفا" استطاع من خلاله إقناع المستمع بأن البلد في حالة تخلف شامل.

3- صورة ثالثة من الأهداف المزيفة يمكن أن تنشئ وذلك بالهجوم على "وجهة النظر المضادة"



, افترض أننا نناقش الفكرة أ فعندما أعجز عن إثبات صحة الفكرة أ لأي سبب مثل عدم امتلاكي أدلة كافية أو أن موقف الفكرة ضعيف أصلا أو لأي سبب لذلك أتجه لإنشاء هدف مزيف وذلك بنقاش الفكرة المضادة لها.

مثال

محمد : يجب فرض مادة الرياضة في الطابور الصباحي إلزاميا على جميع الطلاب.
علي : ولماذا يجب ذلك ؟
محمد -عجز عن الإثبات لذلك هرب إلى الفكرة المضادة- : ما الذي يمكن أن يحصل إذا لم تفرض مادة الرياضة ؟؟ سوف يصبح الوضع سيئا وسوف يكون هناك أوقات مهدرة للطلاب.

لاحظ أن الأسباب التي ذكرها محمد لا تثبت فكرته الأساسية بشكل منطقي ودقيق فالوقت يمكن أن يستثمر بعدة طرق.

4- يمكن إنشاء هدف مزيف وذلك "بالتحول إلى قضية أخرى"




مثال 1

الأب : لماذا تأخرت عن الحضور للمنزل حتى الساعة 11 ؟ ألم أطلب منك الحضور باكرا ؟
الابن : أنت دائما تبحث عن أخطائي وتترك بقية إخواني ..
الأب : أنا لا أبحث عن أخطائك وأعاملكم جميعا بالعدل
الابن : كلا , بالأمس أعطيت أخي ...

لاحظ أن الفكرة الأساسية هي تأخر الابن عن المنزل لكنه استطاع بنجاح إنشاء "هدف مزيف" وسحب والده لنقاش قضية أخرى.

مثال 2

أحمد : يا خالد إن عدم ممارستك للرياضة وإدمان الوجبات السريعة يمكن أن يؤدي بك إلى الموت المحقق
خالد : يا أخي لا تبالغ في الخوف , يمكن أن يموت بأسرع من ذلك إذا صدمته سيارة بالشارع ثم "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"

لاحظ أن كلام خالد لا غبار عليه لكن لا علاقة له بالفكرة الأساسية بل هو موضوع مختلف وهو الإيمان بالقضاء والقدر.

استخدام الفكاهة لصناعة الأهداف المزيفة



الأهداف المزيفة التي ذكرناها حتى الآن سببها إساءة عرض فكرة الآخرين أو تشويه أفكارهم لكن هناك أسلوب مختلف لإنشاء الأهداف المزيفة وهي "التعليقات السخيفة" أو "الظريفة" أو "الحرفية"
مثال على التعليقات الحرفية

أحمد : إن الحياة في وسط الغابة أكثر أمانا من العيش في هذه المدينة الفاسدة فقد بدأت السرقات تنتشر بشكل مخيف.
خالد : إنسان مثلك يحب العيش مع النمور والثعابين والحمير لا يمكن أن نحمل كلامه محمل الجد.

هذا التفسير الحرفي الذي قام به خالد مع الإضافة السخيفة "الحمير" أنشأ هدفا مزيفا مما سيجعل المستمع ينساق مع هذا الهدف المزيف ويظهر فكرة أحمد بأنها سخيفة وساذجة.

خاتمة

عندما نقرأ أو نستمع أو نحاور فإن الأفكار قد يتم إساءة عرضها أو تشويهها أو حتى اختلاق أفكار جديدة وهو ما يجعل الفكرة الرئيسية في مهب الريح, هذا التشويه ينتج عنه فكرة أخرى تسمى "الهدف المزيف" وهي ما ننساق خلفها عادة. إن إنتاج هدف مزيف قد يكون مقصودا وقد يكون عفويا لكن يخالف أصلا هاما في التفكير الناقد وهو العلاقة مما يجعل الفكرة غير موضوعية.