"إذا نظر إليها سرَّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته".. هذه هي صفات الزوجة الصالحة كما حددها لنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في حديثه النبوي الشريف، التي تعتبر بمفاهيم علماء النفس - الذين جاءوا بعد ذلك بنحو 14 قرنا - محددات ومرتكزات للذكاء العاطفي، الذي يقود المرء في النهاية لحياة زوجية سعيدة.

فلا شك أن علاقة زوجية ناجحة وسعيدة هي الأمل الذي يتمناه كل منا عندما يقبل على الارتباط بشريك حياته، لينعم بحياة مستقرة هادئة، بعيدة عن المشاكل التي قد تعكر صفو حياته، لكن هذا الأمل قد يكون بعيد المنال؛ لأن اختلاف الطباع وتباين الرؤى بين الزوجين قد تسبب المشكلات، عندما لا يملك الزوجان مهارة التعامل معها، وهو ما أثبتته الكثير من الدراسات التي تحدثت في هذا الشأن، والتي أشارت إلى أن افتقار الزوجين لمهارة التعامل والتحاور فيما بينهما، وعدم القدرة على الفهم الصحيح لمتطلبات واحتياجات ومشاعر الطرف الآخر وراء اندلاع المشاكل الأسرية، وهو ما يطلق عليه علماء النفس الافتقاد للذكاء العاطفي.

لكن ترى ما أهميه الذكاء العاطفي في حياتنا؟، وهل الذكاء العاطفي مكتسب أم فطري؟، وهل يُعد أمرا ضروريا لحياة أسرية وزوجية ناجحة؟، وكيف يمكن توظيفه لجعل العلاقة الزوجية إيجابية، يسودها روح التفاهم والود والمحبة بين الزوجين؟.. هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال هذا التحقيق.

تقول "ريهام .م": الذكاء في استخدام العواطف من الأمور الهامة التي يجب على الفرد الانتباه لها، وهو يرتبط بمهارات التعامل واللباقة في الحديث، بمعنى أن يعرف الفرد ماذا يقول؟ ومتى؟ وكيف؟، وظني أن الافتقاد لهذا الذكاء كان سببا في الكثير من الخلافات الزوجية.
وتابعت: لكن لنا في هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - ما يعيننا على تلافي ذلك، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرَّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته" (رواه أبو داود)، لذلك يجب على المرأة أن تتحلى بهذا حتى تستحق لقب المرأة الصالحة، وهذا هو الذكاء الذي يقود للفوز بالدنيا والآخرة.

أما "هدى .م" فتقول: إن كثيرا من النساء قد لا تعرف مصطلح: (الذكاء العاطفي)، لكن كلهن بلا شك يحاولن قدر طاقتهن وحسب تفكيرهن توظيف مشاعرهن لتحقيق السعادة الزوجية.

واعتبرت أن هذا التوظيف أيا كان مسماه يُعد عاملا مهما وضروريا في استقرار الحياة الزوجية، فالتعبير الجيد عن المشاعر، والقدرة على فهم مشاعر الطرف الآخر، ورعايتها بشكل ناضج يضمن لنا حياة زوجية هادئة وبعيدة عن المشاكل.

بدورها أكدت "صفيه .ك" على أن الشخص الذي يمتلك الذكاء العاطفي يستطيع تحقيق النجاح في كافة المجالات، قائلة: الذكاء العاطفي موضوع شغل فكري منذ فترة طويلة، فحاولت تطبيقه في حياتي العملية والدراسية وتربية أبنائي، وبالفعل هذا الذكاء أعطى لحياتي دفعة قوية، وساهم في توسيع مداركي، واستطعت التعامل بشكل أفضل مع مَن حولي.

وأردفت قائلة: الذكاء العاطفي يُعد المفتاح الحقيقي لنجاح الفرد وتميزه سواء على المستوى الشخصي، كعلاقته بنفسه، أو على المستوى الاجتماعي، كعلاقته بالآخرين، وأعتقد أن النجاح الحقيقي للفرد هو الذي يبدأ من البيت.

مكتسب أم موروث
وعن الذكاء العاطفي تقول الدكتورة غادة الخولي، استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس بالقاهرة، إن الذكاء العاطفي شيء مكتسب، ويُعد أهم أنواع الذكاء، فبه تستطيع المرأة أن تستقطب الرجل، وتبني معه حياة زوجية ناجحة، لأنه يحدث تناغما بين العقل والعاطفة، فنستطيع أن نستخدم عواطفنا بذكاء.

وأضافت: تكمن أهمية الذكاء العاطفي في أنه يحقق الانسجام بين عواطفنا ومبادئنا وقيمنا، مما يشعرنا بالرضا والاطمئنان، كما أنه يمكِّننا من اتخاذ قراراتنا الحياتية بصورة أفضل، ويجعلنا أكثر ثقة في أنفسنا، وأكثر فاعلية في العمل، ما يحقق لنا النجاح الوظيفي، ويجعلنا أكثر تأثيرا في الآخرين.
هل أنت ذكية؟
وللذكاء العاطفي- تكمل الخولي - عدة خصائص أهمها، القدرة علي توجيه العواطف في خدمة هدف ما، والقدرة على تحمُّل الضغط العصبي ومواجهة الصعوبات والتحكم في الانفعالات، والقدرة على التعرف على عواطف الآخرين.

ورأت أنه لكي تكون المرأة ذكية عاطفيا، يجب أن تفهم جيدا أن للرجل تفكيره وأسلوبه، وأن هناك فرقا جوهريا بين سيكولوجية الرجل والمرأة، فما تراه هي ضروريا يراه هو من الكماليات، والحل هو أن تلجأ إلي طرف آخر تستشيره، وعليها عدم سماع كلام والدتها في كل شيء؛ لأن هذا التدخل يُحدث العديد من المشاكل لاختلاف الفكر والأسلوب، وعليها استخدام مهارات التواصل، فاللغة غير اللفظية ضرورية في التعامل مع الزوج، وما الحياة الزوجية إلا وسيلة لتحقيق الأمن والاستقرار.

وتابعت: الحياة الزوجية السعيدة هي التي يكون فيها اهتمام أكثر بالعواطف، فمن الخطأ أن يتجاهل الإنسان مشاعره ولا يمنحها الاهتمام الكافي، بل على الإنسان أن ينصت لنفسه جيدا، ويتعرف عليها بعمق، ويتعلم كيف يعبِّر عنها بطريقة صحية، وعلى الطرف الآخر أن يتعلم كيف ينصت لمشاعر شريكه ويحترمها، ويتفاعل معها، وهنا يتحقق الانسجام العاطفي.

خطوات عملية لتفعيل الذكاء العاطفي
وترى د.فائقة حبيب، وهي مستشارة نفسية وأسرية بالإمارات، أنه لكي نحقق الذكاء العاطفي الزوجي والأسري، لا بد أن يبدأ كل زوج وزوجة بالتعرف على شريكه وصاحبه في هذه العلاقة المقدسة، وأن بناء النفوس على الرحمة واللين والعفو والتسامح والتحاور المحاط بالاحتساب لله - سبحانه - والتوكل عليه، هي مفاتيح الذكاء العاطفي.

وأشارت في مقالها بجريدة "الاتحاد" الإماراتية إلى أن هناك خطوات عملية لتفعيل الذكاء العاطفي الزوجي والأسري الناجح وهي كما يلي:
1- قال تعالى: {...وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ...} (آل عمران: من الآية 159). لنتعلم الرحمة واللين في القول وفي الانفعال؛ لأن تأثيره قوي على العلاقة مع الآخرين، وخاصة أزواجنا وأبناءنا.

2- إعطاء الأزواج والأبناء الفرصة والوقت الكافي ليظهروا عواطفهم في أجواء هادئة وفيها الكثير من المساندة والرعاية والثقة بالذات.
3- الاهتمام كثيراً بالنمو العاطفي لعلاقتنا الزوجية ولأفرادها، وفقاً لمراحلها وسنواتها، ودراسة التغييرات التي تطرأ عليها، وعلى أفرادها، وتجنب مشكلاتها أو إيجاد حلول مناسبة لكل منها.

4- رعاية الأزواج لبعضهم رعاية إيجابية، ورعايتهم معاً لأبنائهم، ونعني بالرعاية الإيجابية: منح الآخر التغذية العاطفية والدعم والعون بكافة الطرق التي يمكنه فهمها والشعور بها، ونعني أيضا، المشاركة في حياة الآخر العاطفية.

5- وأخيراً لا بد من استثمار الذكاء العاطفي لكل منا بأن نحيط سلوكياتنا وانفعالاتنا بالرفق، إذ يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه"، فلنزين علاقاتنا كما نزين بيوتنا، ولنزين بواطننا ونفوسنا وأفكارنا بالرفق كما نزين ظاهرنا، ولنقيِّم مستوى ونوع ذكائنا العاطفي، ولنبدأ من الآن، فمازال في الوقت سعة.