موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
فَنّ الْتَّعَامُلِ مَعَ الْهُمُوْم
فَنّ الْتَّعَامُلِ مَعَ الْهُمُوْم
مَا عَوْدَتِنَا الْحَيَاةِ أَنْ تَتَعَاهْدْنا بِالَّلِّيْنِ وَالْدَّﻻلُ
وَمَا كَانَ مِنَ أَخْﻼقَهَا الْعَطْفِ وَالْرِّقَّةُ
وَمَعَ لَحَظَاتِ الْضِّيْقِ وَسَاعَاتْ الْأَلَم وَأَوْقَاتٍ اﻻنْكِسَارِ
الَّتِيْ لَا تَفْتَأُ الْحَيَاةِ تُهْدِيْهَا لَنَا يَتَبَايْنَ الْبِشْرِ فِيْ طِبَاعِهِمْ وَأَسَالِيبَهُمْ لِمُوَاجَهَةِ
هَذِهِ الْمَوَاقِفِ فَتَجِدُ بَعْضُهُمْ يُدْمِنُ الشَّكْوَىْ
وَيُمْتَهَنُ الْلَّوْمَ وَيَتَقُمّصّ دَوْرُ الْضَّحِيَّةِ عِنْدَ الْقَاصِيَ وَالْدَّانِيِ
وَيَتَسُوّلَ الْعَطْفِ مِنْ الْجَمِيْعِ, فَبِمُجَرَّدِ مَا يُسْأَلُ عَنْ حَالِهِ
تَجِدْهُ يَنْظِمُ الْقَصَائِدَ الْطِّوَالِ فِيْ رَثَاءْ نَفْسِهِ
) جَاوَزَ فِيْهَا رَثَاءْ أَبِيْ ذُؤَيْبٍ لَأَوْلَادِهِ وَالْخَنْسَاءُ لِأَخِيْهَا( ،
كَثِيْرٍ الْتَّسَخُّطُ دَائِمٌ الْعَوَيْلَ يَسْتَجْلِبُ لَكِ كُلِّ أَوْجَاعَ الْعَالَمِ
وَيُصَبُّ عَلَيْكَ كَمِّيَّاتٍ لَاحَصْرَ لَهَا مِنْ الْأَسَىْ
وَلَا تَجِدُهُ إِلَّا مُتَوَجِّعَا نَاقِمَا عَلَىَ الْدُّنْيَا وَكَيْفَ أَنَّهَا هَدَّتْ أَرْكَانِهِ
وَقَصَمْتَ ظَهْرِهِ وَعَبَثَتْ بِهِ كَمَا يَعْبَثُ الرِّيَحُ الْسَّمُوْمِ بِالْوَرْدَةِ الْنُّضْرَةَ!
وَحَالِهِ الْآَنَ كَنَجْمٍ هَوَىً وَقَصْرٍ خَوَّى, يَنْشُرْ الْكَآبَةِ أَيْنَمَا حَلَّ،
قَدْ رُسِمَ لِلْحَيَاةِ ) مَاضِيا وَمُسْتَقْبَلَا وَحَاضِرا(
أَبْشَعِ الْلَّوْحَاتِ وَنَسِيَ أَنْ شَكْوَىْ وَاحِدَةً سَتَتْبَعُهَا أَلْفَ شَكْوَىْ,
وَخَوْفَا سَيُطْلَقُ أَلْفَ خَوْفٌ مَعَهُ، وَالْمُفَارَقَةِ الْعَجِيْبَةِ
أَنَّ هَوُلِاءِ بِقَدَرٍ نَجَاحِهِمْ فِيْ كَسْبِ عَطَفَ الْآَخِرِينَ بِقَدَرٍ
مَا يَفْقِدُونَ شَيْئا لَيْسَ بِالْقَلِيْلِ مِنْ احْتِرَامِهِمْ وَتَقْدِيْرِهِم!
وَالْنَتِيْجَةُ الْمُتَوَقَّعَةٍ هِيَ انْفِضَاضِ الْنَّاسِ مِنْ حَوْلِهِمْ وَزَهَّدَهُمْ فِيْهِمْ,
لِأَنَّ الْجُلُوْسِ مَعَهُمْ اسْتِنْزَافِ لِلْطَّاقَةِ وَهَدَرَ لِلْوَقْتِ وَمَجْلَبَةٌ للكَدّرِ
وَالضَّيِّقُ نَاهِيْكَ عَمَّا يَقُوْمُوْنَ بِهِ مِنْ فَضْحٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَتَشْهِيرٌ بِزَلَاتِهُمْ وَهَتْكِ ﻷَسْرَارِهُمْ.
وَهُنَاكَ نَمَطَ آَخِرِ قَدْ كُلِّفَ نَفْسِهِ مَا لَا تُطِيْقُ، حَمْلٍ هَمُّهُ وَحْدَهُ
وَبَقِيَ حَبِيْسَا لغَوَائِلَ الْأَيَّامِ وَعَادَيَاتِ الْلَّيَالِي لَا صِدِّيْقا يُشْتَكَىَ لَهُ
وَلَا صَدْرَا حَنُوْنَا يَخْتَبِئَ فِيْهِ وَلَا عَقْلِا حَكِيْما يُنِيْرُ لَهُ مَا أَظْلَمَ فِيْ طَرِيْقِهِ،
قَدْ كَظَمَ مَشَاعِرَهُ لِيَحْمِلَ ثِقْلُهُ بِنَفْسِهِ حَتَّىَ لَا يُكَدَّرُ صَفَاءً مِنَ حَوْلَهُ وَعِنْدَهَا
سْتَتَرَاكُمْ الْهُمُوْمِ وَتَتُكَثّفَ الْأَحْزَانُ فَتَضْحَى كَالْرَّوَاسِيَ الْجَاثِمَةِ عَلَىَ صَدْرِهِ !
وَفَرِيْقٌ ثَالِثٌ يَتَعَامَلَ مَعَ الْأَزَمَاتِ بِحِنْكَةٍ وِّهُدَوَءٍ يُمَارَسَ تقنيّةٌ ) الْإِفْضَاءِ الْنَّفْسِيَّ (
أَوْ )تَنْفِيْسٍ الْعَوَاطِفِ ( عِنْدَ الْحَاجَةِ
وَعِنْدَ تَجَاوَزَ الْحِزَامُ الْطُّبْيَيْنِ وَهِيَ كَمَا قُرِّرَ
عُلَمَاءُ النَّفْسُ وَسَيْلَةٌ مِثْلِىَ لِلْتَّخَلُّصِ مِنَ الْكَثِيْرِ مِنْ الْضُّغُوْطُ الْنَّفْسِيَّةِ،
وَقَدْ أَطْلَقَ الدُّكْتُوْرُ كَارْلَ مَنَنجَرِ أَحَدٌ الْبَارِزِيْنَ
فِيْ عِلْمِ النَّفْسِ عَلَيْهَا مُصْطَلَحٌ )انْطِقْهَا وَتَخَلَّصَ مِنْهَا ( ) Talk it out (
وَجَعَلَهَا أَحَدٌ أَهُمْ أَدَوَاتِ الْعِلَاجِ الْنَّفْسِيِّ وَهِيَ طَرِيْقَةُ فَعَّالَةٌ لِلْسَيْطَرَةٌ
عَلَىَ الْقَلَقِ وَالتَّوَقُّفُ عَنِ أَكَلَ الْنَّفْسَ وَذَلِكَ بِالْجَهْرِ بِالْأَفْكَارِ
وَتَنْفِيسُ الْعَوَاطِفِ وَالْتَّخَلُّصَ مِنْهَا بِطَرْدِهَا خَارِجَ الْجِهَازُ الْعَصَبِيّ
قَبْلَ أَنْ يَفُوْرَ بُخَارُهَا مِنَ الْأُذُنَيْنِ وَقَبْلَ الْوُصُولِ لَلْنُّقْطَةُ الْحَرِجَةِ
الَّتِيْ سَنَنْفَجّرِ مَعَهَا بِمِئَاتِ الْأَشْكَالِ الْمُدَمِّرَةٌ وَالْكَارِثِيَّةً،
وَلِلْإِفَضَاءً الْنَّفْسِيَّ صُوَرْ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا :
1 - اللُّجُوءِ لِلْبُكَاءِ عِنْدَمَا يَعْصِفُّ الْحُزْنِ..
فَالَبُكَاءُ يُخَفَّفُ الْضَّغْطِ الْنَّفْسِيَّ الْكَبِيْرُ وَكَذَلِكَ يُقَوِّىَ جَهَازُ الْمَنَاعَةِ،
وُيُسَاعِدُ الْجِسْمِ عَلَىَ مُقَاوَمَةِ الْأَمْرَاضِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالضُّغُوْطِ الْنَّفْسِيَّةِ ...
2 - وَمَنْ أَرْوَعْ طُرُقِ الْفَضْفَضَةْ الَّلَجُّوْءِ إِلَىَ
إِنْسَانٍ ثِقَةٌ ذِيْ حِكْمَةِ وَنَظَرَ وَكَاتِمُ لِلْسِّرِّ
تُبَثّ لَهُ الْآَلَامِ وَالْآمَالُ وَالِاعْتِرَافَّاتِ وَالتَطَلِعَاتِ وَالْأَحْلَامِ
طَلَبا وَرَاءَ الْإِحْسَاسْ بِالْمُشَارَكَةِ الْوُجْدَانِيَّةَ الَّتِيْ يُشِيْرُ
لَهَا الشِّعَارِ الْمُتَحَضِّرِ ) قَلْبِيْ مَعُكَ ( تُيَمِّنَا بِقَوْلِ الْشَّاعِرِ:
وَلَابُدَّ مِنْ شَكْوَىْ إِلَىَ ذِيْ مُرُوْءَةٍ
يُسْلِيكَ أَوْ يُوَاسِيْكَ أَوْ يَتَوَجَّعُ
وَلِأَنَّ كُلَّ مِنَّا يَرَىَ الْمَوْضُوْعِ مِنْ زَاوِيَةٍ وَاحِدَةً تُصْبِحُ
إِحْدَىَ أَهَمِّ فَوَائِدُ الْفَضْفَضَةْ لِلْثِّقَاتِ هِيَ مُشَارَكَتِهِمْ لَنَا بِرُؤاهُمْ الْمُخْتَلِفَةِ
وَآَرَّائِهِمْ الْمُتَعَدِّدَةٍ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا قُدْوَتُنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا عِنَدَمّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ
الْأَمْرِ فِيْ الْغَارِ فَأَبَاحَ بِسِرِّهِ وَأَفْضَى بِهَمِّهِ
لَأُمِّنَا خَدِيْجَةَ الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا
فِيْ الْحُدَيْبِيَةِ وَيُذَكِّرُ عَنْ الْقَائِدُ الْعَجِيْبِ نَابِلْيُوْنَ بُوْنَابَرْتْ
الْرَّجُلُ وَالَّذِي سَادَ أَوْرُبَّا وَقَدْ كَانَ يَلْهُوَ بِتِيَجَانُهَا كَمَا يَلْهُوَ لَاعِبُ الْشَّطْرَنْجِ بِالْقَطْعِ
قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ عَنْ نَّفْسِهِ:
)إِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَقْدِرَ عَلَىَ كِتْمَانِ مَتَاعِبِهِ وَهُمُوْمِهِ وَأَنْ يَحْتَفِظُ بِهَا وَحْدَهُ (
وَعَلَيْكَ الْانْتِبَاهُ لِقَضِيَّةِ هَامَّةٍ وَهِيَ أَنَّكَ عِنْدَمَا تُشَرِّعُ فِيْ
إِفْرَاغُ حَمُوْلَةً الْأَلَم عَلَيْكَ أَنْ تَتَأَكَّدَ مِنْ إِفْرَاغِهَا كَامِلَةً وَالْتَّخَلُّصَ
مِنْهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ انْسَ الْأَمْرَ تَمَامَا..!
3 - وَمَنْ الْوَسْائِلِ الْجَيِّدَةَ لِلْتَنْفِيسْ عِنْ الْمَشَاعِرِ
كَمَا أَكَّدَتْ بَعْضُ الْدِّرَاسَاتِ الْنَّفْسِيَّةَ الْتَّعْبِيْرِ عَنِ الْمَشَاعِرِ الْسَّلْبِيَّةِ بِالْكِتَابَةِ
وَهُوَ يُخَفَّفُ عَنَّا الْأَحْمَالِ وَيُزِيْحُ الْكَثِيْرِ مِنَ الْهُمُوْمِ، وُيُسَاعِدُ عَلَىَ
انْدِمَالِ الْجِرَاحَاتِ الْنَّفْسِيَّةِ وَيَدْفَعُ شُرُوْرِ مَرَضٌ اﻻكْتِئَابُ،
وَيَجْعَلُنَا فِيْ حَالَةِ نَفْسِيَّةٌ جَيِّدَةٍ تُمَكِّنُ مَنْ الْتَّعَامُلِ مَعَ مُشْكِلَاتِنَا بِشَكْلٍ أَفْضَلَ ..
4 - وَمَنْ أَرْوَعْ الْطُّرُقِ وَأَعْظَمُهَا أَثَرَا وَأُضَمِّنُهَا نَتِيْجَةَ
وَأَيْسَرِهَا مُمَارَسَةِ تقنيّةٌ ) الْإِفْضَاءِ الْنَّفْسِيَّ ( مَعَ الْعَزِيْزِ الْعَظِيْمِ
فَقَدْ جَاءَ فِيْ الْحَدِيْثِ أَنَّ الْحَبِيْبَ الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ
فَزَعٍ لِلِصَّلَاةِ وَفِيْهَا يَنْطَرِحُ تَحْتَ عَتَبَةِ الْرَّحِيْمِ، يَجْأَرُ إِلَيْهِ
وَيَغْبَرُّ جَبْهَتَهُ عَلَىَ بَابِهِ شَاكِيْا إِلَيْهِ الْهَمُّ وَطَالِبا الْعَوْنُ
وَبَعْدَهُ سَيَذْهَبُ الْوُجُوْمُ ويَتُشَردّ الْأَسَفِ وَتَسْكُنُ الْلَّوْعَةِ.
وَمْضَةُ قَلْمٌ
إِذَا لَمْ تَجِدْ مَنْ يُضِيَءُ لَكَ قِنْدِيْﻼ.. فَلَا تَبْحَثُ عَنْ آَخَرَ أَطْفَأَهُ!
المفضلات