الحياة حلوة
د.نبيل فاروق

لو أنك متشائم ، فأنت كذلك لأنك ترى كل شئ فاسد من حولك ...أو لأنك تسمع عن شباب ، حصلوا على فرص كبيرة ، فقط لأنهم يتمتعون بوساطة قوية ...أو لأنك تسير فى الطرقات ، فلا تشاهد إلا كل ما يستفز ...أو لأنك تفكر فى مستقبلك ، فيهولك ما تتوصل إليه ....أنت إذن ترى ...وتسمع ...وتمشى ... وتفكر ....فلماذا التشاؤم إذن ؟!..

أنت ترى ، وأكثر من مليون كفيف من حولك لا يرون ، وتسمع ، ومليون ونصف من شعبك لا يمتلك هذه النعمة ، وتسير ، وهناك أكثر من مائة ألف مواطن ، تعجزهم أمراضهم أو أصابتهم أو عجزهم عن هذا ، وتفكر ، مع وجود ثلاثة ملايين مصرى ، مصابون بمتلازمة مونجول ، وتراجع فى القوى الذهنية والفكرية ....أنت تمتلك عدة نعم كبيرة وعظيمة إذن ... فلم لا تتفاءل بوجودها ؟!...

لماذا لا تشعر إلا بما ينقصك ، وليس بما تمتلكه بالفعل ؟!..
سل نفسك ... لماذا ؟!...
صدقنى ... الحياة حلوة ، ولكن نظرتك إليها هى التى ليست حلوة مثلها ...أنت تريد أن تنطلق فى الحياة كالصاروخ ، وهذا من حقك ، ولكن مشكلتك أنك تنسى أن الصاروخ يحتاج إلى الكثير لينطلق ....
الصاروخ مصنوع من مادة صلبة ، يمكنها أن تتحمل الضغط الجوى ، ودرجات الحرارة المرتفعة ، ومئات النيازك الصغيرة ، التى سترتطم حتماً به ، وهو يشق طريقه فى الفضاء ....

عليك إذن أن تكون صلباً ، قوياً ، لتواجه الحياة فى حزم ، وتحتمل ضرباتها العديدة ، وتصنع من إرادتك غلاف واق من حرارة الكفاح والتعب ، حتى يمكنك الوصول إلى هدفك ...
والصاروخ يحتاج إلى وقود قوى ، حتى يتغلب على الجاذبية الأرضية ، ويقاومها ولا يسمح لها باجتذابه إلى الخلف ، حتى يبلغ نهاية الغلاف الجوى ...

وأنت أيضاً بحاجة إلى وقود ....ولكن الوقود للبشر يختلف ..
إنك تحتاج إلى مهارات ، وخبرات ، ودراسات ، وثقافة ، ومعرفة ، لكى تصبح قادراً على المواجهة والمنافسة ، وعلى شق طريقك ، مقاوماً كل العقبات ، التى ستحاصرك ، حتى تبلغ نهاية مرحلة الصراع ، وتستقر عند حالة تحديد المسار ...
والصاروخ يمتلك أجهزة توجيه ، حتى يمكنه الوصول إلى هدفه المحدد مسبقاً ، وإلا ضاع فى الفضاء ، ولم يبلغ أى هدف ، ولا حتى بالمصادفة ...
وأنت أيضاً تحتاج إلى هدف ...
هدف تضعه نصب عينيك ...
هدف تنطلق نحوه ....
تكافح من أجله ....
تتعب للوصول إليه ....
تقاتل حتى تبلغه ...
الصاروخ لن يبلغ هدفه ، لو أنه لم يحرق وقوده ...
وأنت لن تبلغ هدفك ، ما لم تقاتل من أجله ...
الصاروخ لا ينتظر فرصة ، أو جائزة مسابقة ، أو حظ يهبط عليه من السماء .....
وكذلك أنت ...
لا ينبغى أن تبنى حياتك على أحلام فقط ....
لابد وأن تعمل ...
وتعمل ...
وتعمل ....
حتى تبلغ هدفك فى النهاية ...خاصة وأنك تمتلك شيئاً ، لا يمتلكه ،ولا يمكن أن يمتلكه الصاروخ ....
العقل ...والإرادة .....الصاروخ يصنعه ويوجًَّهه آخرون ....وأنت خلقك خالقهم عزًَّ وجلًَّ ، ومنحك عقلاً تحدد به أهدافك ، وإرادة تسعى بها إليها ....خلقك خالق من صنعوا الصاروخ ووجهوه ....
ثم أنك أنت، بالعقل والدراسة والعلم والإرادة ، تستطيع أن تصنع صاروخاً وتوجًَّهه ، ولكن الصاروخ ، مهما بلغت تكنولوجيته وقوته ، لا يستطيع أن يصنع أصغر جزء ، من أصغر خلية فى جسدك ....
أنت إذن ، من الناحية العملية و العلمية و الدينية والروحية ، أعظم بكثير من الصاروخ نفسه ...
بل ومن ألف صاروخ ...
فلماذا الإحباط والتشاؤم إذن ؟!...
لماذا لا تنظر إلى الحياة ، كما هى عليه بالفعل ؟!...الحياة نعمة من نعم الخالق جلًَّ جلاله ، وهبة وهبها لكل مخلوقاته ...وهو سبحانه وتعالى ، لا يهب شيئاً رديئاً ...الهدية دوماً تشف عن صاحبها ....
والحياة إذن هى أعظم هدية للبشر ....فكيف لا تكون الحياة حلوة ؟!....
كيف ؟!...
كيف ؟!...
كيف ؟!...
إذا ما أعدت النظر إلى الأمور ، ستدرك كم هى الحياة حلوة ...
حلوة كما هى ....
حلوة بحلوها ومرها ....
حلوة بما نصنعه بها ، وبما يمكن أن نصنعه بها ....
الحياة بها عقبات .... وأمراض ... ومتاعب .... ومنغصات ....
وبها السعادة .... والحب .... والصحة .... والنجاح ...
الحياة بها كل شئ ....
المهم هو كيف نتعامل معها ....
لو أنك أحببت الحياة ، وأدركت أنها نعمة كبيرة ، وحمدت وشكرت خالقك عزًَّ وجلًَّ عليها ، فستحبك الحياة ، وستفتح لك ذراعيها عن آخرهما ....
ولو أنك جحدت نعمته سبحانه ، فستغلق الحياة ذراعيها عنك ، وستتركك للدنيا ، تصارع وتقاتل فيها ، بكل ما وهبك به الخالق عزًَّ وجلًَّ من قوة ، ثم لا تحصل منها إلا على نفس ما كنت ستحصل عليه ....
بل ربما أقل ....فمن يقبل على الحياة ، فى تفاؤل ، بقلب وعقل مفتوحين ، وبحب حقيقى للدنيا ، فيجلى بصره ، ولا تعوقه تشاؤماته ، وتمتلئ نفسه بالحماس ، وينطلق فى طريق أهدافه كالصاروخ ....أما من يغوص فى مستنقع الغضب والرفض والعصبية ، فلن يحظى إلا بالاحباط ، والفشل ، والتشاؤم ....وسيبتعد حتماً عن النجاح .....أى نجاح ...ولابد فى البداية ، وقبل أن ترفض الفكرة ، أن تدرك معى حقيقة أساسية فى الخلق ، يبدأ عندها كل شئ ...أن الناس لأبداً لن يتساوى بعضهم ببعض ...سيكون هناك من يعلو الآخرين بدرجة أو درجات ...ومن ينخفض عنهم ، وأيضاً بدرجة أو درجات ...وهذه سنة أساسية من سنن الحياة ...
البعض يكافح ، والبعض يرضى بأقل القليل ...البعض يولد ثرياً ، والبعض يولد فقيراً ....البعض يولد صحيحاً ، والبعض يولد بإعاقة أو عاهة ...البعض يملك عقلاً راجحاً ، والبعض يولد أحمقاً ....
هذا الاختلاف والخلاف ، هو الذى أنشأ الحياة ، فلو تساوى الناس جميعاً ، من المهد إلى اللحد ، لما كان هناك هدف ، يمكن أن يسعى إليه أى انسان .....
لما كان هناك داع ، أو حتى مبرر للكفاح ...
أو النجاح .....
أو حتى للسعي ...
مادام الكل سيتساوى فى كل الأحوال ، فلماذا السعى للتفوق ؟!... ولو ولد الكل غنياً منعماً مرفهاً ، فلماذا يسعى أى مخلوق لتحسين دخله ، أو رفع كفاءته ، أو تطوير امكانياته ؟!...
لماذا فى رأيك ؟!...ثم أنه هناك حقيقة أخرى ، لا ينبغى أن ننساها ...كلنا متساوون فى النهاية ...
بعضنا يمتلك ما يفوق الآخرين فى اتجاه ما ، ولكنه أقل منهم بكثير ، فى اتجاهات أخرى ، ربما لا تبدو واضحة ، ولكنها موجودة ...كلنا حصلنا على النسبة نفسها ....
البعض حصل على نسبته فى المال ...والبعض فى الصحة ....أو النجاح ...أو الشهرة ....ولكنه خسر حتماً – وهذه حقيقة مؤكدة – نقاط أو نسب أخرى ، جعلته فى النهاية يتساوى مع الآخرين ....ولو أنك وجدت شخصاً ، بدا لك وكأنه لم يحصل على أى شئ ، فهذا يعنى أنه سيحصل على نسبته كاملة فى دار الخلود ....وهناك ، سيدرك أنه كان فى الحقيقة ، الشخص الذى يمتلك كل شئ ....الاشخص الذى فاز بالفعل ....هم حصلوا على نسبتهم فى حياة محدودة ، مهما طالت ، وهو حصل على نسبته فى نعيم أبدى ، لا ينتهى أبداً ....
فمن منهم الفائز إذن ؟!...
إنها سنة الحياة ....
فالحياة حقاً .... حلوة