يفضل بعض الناس العيش على هامش الحياة، يعتقد أن خوض معركة الحياة أمرمزعج له نفسياً، وبالتالي يفضل أنيعيش على هامش الأحداث، متفرجاً، متأملاً، لما يحدث حوله دون الخوض مع الآخرين في معترك الحياة
هذا الشخص يعتقد أنه بهذا يسلك درب السلامة، ويبتعد عن المشاكل، ويننأةبنفسه عن الدخول في مشادات ومشاجرات ومشاكل مع الآخرين، وهو بذلك يريح نفسه من تحمل المسؤوليات، وتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات،والمحاسبة والمعاتبة، والمطالبة بالإنجاز، والقيادة والإدارة، وتحمل المسؤوليات الاجتماعية المادية الوظيفية أوالدراسية وغيرها.














يعتقد من يفضل العيش على هامش الحياة أنه بذلك يعيش حياة هانئة، هادئة، ليس فيها منغصات، وليس فيها تعب.
في الحقيقة، يعتبر هذا قرار اتخذه هذا الإنسان، وعليه تحمل مسؤولية هذا القرار وما يتبعه من تبيعات، وإن كانلا يدري أنه يتحمل المسؤوليات أو يعتقد أنه أراح نفسه.
إن أي قرار يتخذه الإنسان، سلبي كان أم إيجابي، هو في النهاية قرار، وله تبعات، وعليه التزامات. وقد يكون مثل هذا القرار له تبيعات سلبية، أولها الخسارة.
أولاً: الخسارة دائماً
الإنسان الذي يتحمل يقرر عدم تحمل المسؤوليات، يخسر أي مكسب مادي قد يعود عليه من خلال المسؤوليات،ويخسر المكاسب المحتملة سواء كانت هذه المكاسب مادية أو معنوية، يخسر تحقيق الإنجازات في حياته، تلكالإنجازات التي تعزز ثقة الناس بأنفسهم، يخسر الحصول على المكانة الاجتماعية والحصول على تقدير الآخرين،يخسر تحقيق ذاته والوصول إلى درجة من النجاح في حياته توصله إلى درجة الرضا عن الذات، وكما نعلم كلإنسان يصل في حياته إلى مرحلة ما بعد سن الـ 50، يعيش حالة من مراجعة انجازات الحياة، ومراجعة الذات، وماحققه في حياته، وشعوره بالرضاء عن إنجازاته ورضا عن ذاته، ويرتبط رضا كل شخص عن نفسه، بالمكاسبالتي حققها، والجهود التي قام بها خلال حياته.
والإنسان الذي فضل العيش على هامش الحياة، وعدم خوض معترك الحياة، لا ينجز كثيراً، وإنما يعيش عالة علىالحياة، فهو بذلك يخسر كل هذه الإنجازات المحتملة.
ثانياً: أنت في ذيل القائمة
من يفضل العيش على هامش الحياة فهو يعيش دائماً في ذيل القائمة، ويكون دائماً متأخراً عن الآخرين، الآخرينينجحون في الحياة ويتقدمون عليه وهو دائماً في نهاية الصف أو في المؤخرة، يرى جميع أقرانه وزملائه ممن همفي سنه أو في نفس المستوى الاجتماعي أو في نفس المرحلة الدراسية وقد تقدموا عليه، فيما يعيش هو فيالمؤخرة، لأنه رضي لنفسه هذه المكانة، ** يفرض عليه أحد أن يكون في المؤخرة، ولم يفرض عليه أحد أنيكون متكاسلاً أو اتكالياً على الآخرين، وإنما هو الذي قرر ذلك لنفسه.. لماذا؟ لأنه فضل عدم الدخول في المنافسةمع الآخرين، وفضل العيش بعيداً عن الإنجازات، وبعيداً عن الانتقادات، وبعيداً عن التعليقات، وبعيداً عن تحملالمسؤوليات.
ثالثاً: احذر من الفراغ القاتل
من يعيش على هامش الحياة يعيش في فراغ، فراغ قاتل يعرضه لكثير من المعاناة النفسية، فكثير ممن يعانون منالاكتئاب، يعانونه بسبب شعورهم بالفراغ وعدم الأهمية وفقدان قيمة الذات، وكثير ممن يعانون من القلقوالخوف، يعانونه بسبب الشعور بالفراغ القاتل، والخوف من المستقبل، خوفاً من أن يكون المستقبل فارغاً مثلالحاضر، وكثير ممن يعانون من نوبات الهلع والفزع، يدفعهم لذلك الفراغ وكثرة الانشغال بالجسد والأحاسيسالجسدية، لعدم وجود ما يشغلهم في حياتهم من مهام وأعمال، فهم بذلك يلتفتون إلى ما هو محتمل من الأمراضوالمخاطر بدلاً من الانشغال بما هو ملموس في الحياة من مسؤوليات ومهام.
بعض الناس يلجأ إلى تعاطي ال***** نتيجة الفراغ والشعور بالملل من الحياة، لعدم وجود أي مسؤوليات وأيمهام في حياته وغير ذلك من المشاكل والاضطرابات النفسية الناتجة عن الشعور بالفراغ الناتج عن عدم تحملمسؤوليات في الحياة، وتفضيل العيش على هامش الحياة.
لماذا يفضل البعض العيش على هامش الحياة؟
لسبب بسيط جداً، هو إحساسه بالراحة النفسية لعدم تحمله أي مسؤولية، وهذه الراحة والسعادة وإن كانت مؤقتةووهمية، إلا أنه يسوق لها عن طريق البعض بأنها هي الهدف المنشود في هذه الحياة، أن تصل إلى مرحلةتستريح فيها من كل أعباء هذه الحياة، فيعتقد البعض أن هذا هو الهدف المنشود، وبالتالي يسعى إلى الراحة من خلال تخليه عن تحمل المسؤوليات، وتركه الغيره، فيما يرضى لنفسه أن يقف ليتفرج على الآخرين وهم يعملونويؤدون المهام.
هذه الفكرة السلبية والم****ة هي فكرة خاطئة تماماً، لأن حياة الإنسان من غير العمل لا قيمة لها، وإذا شعرالإنسان أنه يعش في قلق أو ضغط نفسي بسبب مسؤوليات الحياة فيجب أن يفكر بأن هذه المسؤولية هي جزء منمتعة الحياة، وأن انجازاته الناتجة عن تحمل هذه المسؤولية هي ما يتسبب له في الشعور بالمتعة والراحة النفسيةولو بعد حين، وأنه يجب أن لا يستعجل الراحة والمتعة، فهي تأتي تبعاً للانجاز وللإنتاج في الحياة.
أما ما يشعر به الإنسان أحياناً من الراحة النفسية عند ترك المسؤوليات، فهو إحساس وهمي ومؤقت، ولو تركالإنسان جميع المسؤوليات ولجأ إلى الركون والسكون والراحة فهو بلا شك سيصل سريعا إلى حالة من الضجروالسأم والملل والاكتئاب نتيجة الفراغ القاتل وفقدان القيمة في هذه الحياة.
أثر التربية:
من الأسباب الأخرى التي تسبب للبعض وقوفهم على الحياد، النشأة والتربية، فقد يتربى البعض على عدم تحملالمسؤوليات، ويرى والديه وغيرهما ممن يكبرونه في السن وهم يسلكون مسلك عدم تحمل المسؤولية، والشعوربعدم وجود داع أن يكون لهم دور في الحياة، ويتناقلون فيما بينهم الكثير من العبارات المحبطة المثبطة التي تقوللمن حولهم بأنه ليس هنالك داع للدخول في مشكلة تحمل المسؤولية وفي اتخاذ القرارات، ما يجعلهم ينشئون على هذه الفكرة السلبية.
البعض يستعرض ذلك بالترويج بأن لا أحد يستطيع أن يغير شيء فيما حوله، وأنه مهما حاول فلن يتمكن منتصحيح الأوضاع،وأن الحياة كلها منغصات ولن يستطيع أن يجد فيها سعادة، وكثير من الأفكار السلبية تتناقلهاالأجيال، فالآباء ينقلونها لأبنائهم، والكبار ينقلونها إلى صغارهم، ويتناقلها الأصدقاء والأصحاب فيما بينهم، فإذاسمح الإنسان للآخرين أن يؤثروا فيه بسلبيتهم فإنه سينشأ نشأة سلبية، وستنغرس هذه الأفكار السلبية في حياته،فيصعب عليه في المستقبل أن يكون إيجابياً، أو أن يتحمل المسؤوليات.
وأما الإنسان الإيجابي، فإنه يخرج عن نطاق تأثير الآخرين عليه، ويتخذ لنفسه مساراً مختلفاً، ويقرر فيما بينهوبين نفسه أن يكون إنساناً مختلفاً، وأن يكون إنساناً مؤثراً فيما حوله، له دور مختلف عن الآخرين، ويتركبصمته في هذه الحياة، وأن لا يعيش على هامش الحياة، مع اعترافه بأن الحياة فيها من المنغصات والمكدرات،وهذا جزء من طبيعة الحياة التي لا بد أن يتكيف ويتعايش الإنسان معها، ويتحملها حتى يصل إلى الشعور بالمتعةمن خلال الإنجاز في حياته وتحقيق قيمة ذاته. كما قال الشاعر:
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذار والأكدار
ومكلف الأشياء فوق طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
فالحياة الطبيعية مليئة بالأكدار، ويجب علينا أن نتحمل ما يأتينا فيها من منغصات في سبيل الحصول على الإيجابياتوالراحة النفسية والمتعة، والتي تأتي بسبب الشعور بقيمة الذات وقيمة النفس، عبر ترك بصمتنا في حياتنا وفيحياة من حولنا، ويكفي لإنسان أن يكون إيجابياً حتى لو لم يحصل عل النتائج المرجوة من هذه الإيجابية.
وهناك مفهوم في ديننا الإسلامي الحنيف يؤكد أهمية الإيجابية في الحياة، وعدم التقاعس والاعتماد على ظروفالحياة، وهو مفهوم التوكل الحقيقي على الله عزوجل، فقد قال النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: ((اعقلهاوتوكل))، فأمرنا صلى الله عليه وسلم بالعمل والبذل قبل أن نقول توكلنا على الله وأوكلنا أمرنا إلى الله سبحانهوتعالى.
فالإيجابية أمر مهم في حياة المسلم الحقيقي، وفي القصة التي جاء فيها الناس إلى المدينة في عهد عمر خطابرضي الله عنه، (فوجدهم لا يعملون ويعيشون على الصدقات فسألهم ماذا تفعلون؟ قالوا نحن قوم متوكلون، فقالبل أنتم قوم متأكلون، قوموا وأعملوا، فالسماء لا تمطر ذهباَ ولا فضة).
متى؟!
فمتى يعي الإنسان أهمية العمل وأهمية المشاركة وأهمية تحمل المسؤولية في هذه الحياة، متى يعي أهمية أنيكون إيجابي في حياته، وأن يصر على أن يكون له دور، وأن يكون له رأي، وأن يترك بصمته في هذه الحياة، وأنلا يسمح للحياة أن تمر به وتتركه وهو بلا هوية، كأنه نكرة ليس له دور فيها.

متى يقرر هذا الشخص أن يكون له دور مميز وبارز في حياته وفي حياة الآخرين من حوله، هذا هو الإنسانالإيجابي الناجح في الحياة، كم قال أستيفن كوفي في العادات السبع للناجحين في الحياة، فأهم العادة من عادات منالناجحين في حياتهم هي ”تحمل المسؤولية”.