الوعي بالجسم والانفعالات
وجد " بيرلز " اختلافاً واضحاً بين استبطان الذات والوعي؛ فالوعي في رأيه هو " الإحساس التلقائي من الفرد بما يحدث بداخله – بما يفعله، ويشعر به، ويخطط له " . أما استبطان الذات، فإنه التفكير في نفس هذه السلوكيات " بطريقة تقييمية تصحيحية تدخليه " . وهذا الاختلاف مهم لأنه من الشائع في علم النفس افتراض أننا نستطيع تحليل أنفسنا إذا استطعنا الفصل بين أمخاخنا وأجسامنا. ومع ذلك، فإن هذا التحليل يجعلنا عصابيين، وما يعيدنا للسوية النفسية، ويجعلنا في حالة من التوازن البهيج مع العالم هو إعادة ارتباطنا بحواسنا.

ويتضمن كتاب العلاج بأسلوب الجشطلت العديد من التجارب التي قام بها " بيرلز " لزيادة الوعي مثل قوله لمريضه: " اشعر بجسمك! " . إن الاستلقاء في سكون، واستشعار كل جزء من أجزاء الجسم يجعلان المرء يشعر بأن بعض أعضائه " ميته " ، وقد يشعر في أعضاء أخرى بألم، أو عدم توازن. إن هذا الفعل البسيط من الانتباه لمناطق معينة من العضلات أو المفاصل قد تجعل المرء يعرف سبب تيبس عنقه مثلاً، أو يعرف وجود ألم في معدته. قال " بيرلز " : " الشخصية العصابية تخلق نفسها من خلال عدم وعيها بحركة العضلات " . وكثيراً ما كانت تلك التجارب تؤدي إلى أن يدرك المريض أنه إما " مناكد، أو هناك من ينكد عليه " .
وفي تجربة أخرى، طلب " بيرلز " من المرضى أن يقولوا لأنفسهم ما يرونه ويفعلونه في كل لحظة، كأن يقولوا لأنفسهم: " أنا ألس في مقعد هذه الظهيرة، وأنظر إلى الطاولة الموضوعة أمامي. والآن أسمع صوت سيارة تسير في الشارع، والآن أشعر بسقوط الشمس على وجهي من خلال النافذة " . ثم يسألهم عن الصعوبات التي واجهتهم أثناء فعلهم هذا، فعادة ما تكون الإجابة " أية صعوبات؟ " فكان ما استنتجه هو أنها مادام المرء مركزاً بالكامل في الحاضر يلاحظ البيئة من حوله ويشعر بها، فإنه لا يعاني من مشاكل. إن القلق الناتج عن الأشياء المجردة لا يعاود المرء إلا عندما " يهجر " بيئته. ويجد بعض الناس أن تركيزهم في الحاضر يسبب لهم نفاد الصبر، أو الملل، أو القلق، وهو ما يعتبر " بيرلز " أنه مؤشر على مدى افتقار وعيهم العادي للـ " واقعية " .

الخفي لا يمكن تغييره

وهدف العلاج بأسلوب الجشطلت هو التوقف عن معايشة الحياة بصورة آلية. لا يشعر الكثيرون بأنهم يعيشون في الواقع فعلاً إلا لوقت محدود، وإذا استطاعوا أن يزيدوا هذا الوقت فسيكون هذا رائعاً. إن الوعي الكامل، والانتباه يدوران حول موضوع معين لا حول تبريره والتفكير العقلي فيه – كما يقول " بيرلز " .
يجد معظمنا أن جوانب شخصياتنا التي نحاول إخفاءها عادة ما تعاود الظهور. ومع ذلك فإن التقليل المقصود للوعي أو الكبت يعني أننا لن نستطيع أبداً تغيير المشكلة أو حلها. إذا كان شيئاً فظيعاً قد حدث في الماضي، فإن " بيرلز " يوصينا بأن نجلبه من الذاكرة إلى الحاضر، بل والتعامل معه مرة أخرى حتى " نمتلكه " ، ويقول إن محاولة تجاهل ذلك الشيْ تزيده قوة.