مستويات الوعي الثلاثة
حاول التفكير في ثلاثة مستويات من الوعي.
المستوي الأول هو الذى نسميه الوعي أثناء الحلم.
والمستوى التالي لذلك هو الوعي أثناء اليقظة.
والمستوى الثالث سوف نسميه قمة الوعي.
والآن تعال نرَ ما ستكون عليه هذه المستويات الثلاثة المختلفة وماذا تعني في حياتنا، وسوف أقوم باستخدام مثال شخصي.
عندما كنت صغيراً كنت دائماً أحلم بأني أقوم بتجريف الثلج، وأحياناً كنت أتمتم بصوت عال بالحديث عن الجاروف وأوقظ أحد إخوتي. وقد اكتشف أخ لي أنه إذا تنكر ليصبح جزءاً من حلمي- وذلك بالحديث إلي برقة وأنا نائم- فإنه يمكنه أن يجعلني أناوله الجاروف الذي استخدمه في الحلم؛ وقد أعتقد أن ذلك أمراً مسلياً وأنه يمكن أن يوقظني نتيجة الضحك من هذه العملية. إنه عندما تنكر على أنه جزء من الحلم الذي أحلم به قمت بالتعاون معه من مستوى الحلم الذي أنا فيه إلى مستوى اليقظة الذي هو فيه. وهذا على ما أعتقد يفسر قدرتنا على التواصل بين الوعي أثناء الحلم والوعي أثناء اليقظة.

ماذا سيحدث إذا أراد شخص من مجال أسمى من وعينا أثناء اليقظة المشي و التحدث معنا؟ يجب على هذا الشخص أيضاً أن يتنكر ويتظاهر بأنه واحد منا على الرغم من أنه يعرف أن هناك مقداراً كبيراً من الوعي يفوق إلى حد كبير مستوى الوعي أثناء اليقظة. وإذا كان هذا الشخص مؤثراً ومقنعاً فقد يستمع إليه العديد منا ويحققون قوة من الوعي السامي الذي يتجاوز الإدراك والوعي الذي نشعر به أثناء اليقظة. وأعتقد أن مثل هذه العملية هي ما يقوم به المعلمون الروحيون الذين أتوا لتعليمنا عن الأبعاد التي يمكننا الوصول إليها والتي تتجاوز كياننا المادي المحسوس. ما التنكر الجيد؟ ما رأيك فيما يقوم النجار بإعطائنا فكرة عنه وما يمكننا القيام به "إن الذي يؤمن بي سوف يقوم بعمل ما أقوم به، بل سوف يقوم بأعمال أعظم مما أقوم به". وما رأيك كذلك في المدرس أو الكاتب أو العامل في محطة الوقود؟ نعم بالطبع إنهم صانعو معجزات يستطيعون توجيهنا نحو حافة الإدراك والوعي أثناء اليقظة كي نقتبس أشياءً أعظم مما يفعلونه. إن المعلمين الروحانيين الذين عاشوا بيننا استطاعوا أن يتجاوزوا قواعد الكيان المادي المحسوس الذي نعتقد أنه مجموعة القواعد الوحيدة الموجودة.

إننا عندما نكون داخل أجسامنا أثناء الحلم- وهي تعيش في عالم الفكر- يمكننا أن نعيش تجارب تتجاوز الكيان المادي عندما نختار القيام بذلك. ونحن لسنا في حاجة إلى أي من الحواس عندما نكون في هذه الحالة من الكيان اللامادي، ولسنا في حاجة كذلك إلى أن نلمس أو نشعر أو نشم أي شيء عن طريق حواسنا لنعرف أنه حقيقي وموجود، حيث إن الفكر هو الشيء الحقيقي الموجود.

"أن تموت بينما أنت على قيد الحياة"
لكي تستطيع أن تصبح حالماً وأنت في حالة اليقظة يجب أن تتعلم "أن تموت بينما أنت على قيد الحياة". لذا لنبدأ معاً بالنظر إلى عملية الموت باختصار. في اعتقادي أنه (1) لا يمكننا قتل الفكر و (2) أن جميع الكيانات المادية تخضع للتحول. ونتيجة ذلك أن الموت يشبه تماماً الوعي والإدراك الذي نشعر به أثناء الحلم والذي وصفته فيما سبق. نقوم نحن- أي أفكارنا- بمغادرة الجسد عندما ندخل في الحلم، وبعد ذلك ندخل نحن (الأفكار التي نكون عليها) من جديد إلى الجسم أثناء الإدراك الذي نشعر به ونحن في حالة اليقظة. وبالمثل فإننا عندما نموت تغادر أفكارنا الجسم ويمكننا النظر إلى الوراء إلى هذا الحلم الذي نعيشه الآن والذي نسميه الإدراك في حالة اليقظة بنفس الرؤية التي ننظر بها إلى الوراء إلى أحلامنا. إنها فكرة قوية حيث يمكنها أن تحررنا من الخوف من الموت إذا تعلمنا أن نضفي عليه بعض الصفات الحسية. إن السبب الذي يكمن وراء قبولنا أن الإدراك في حالة اليقظة هو مجرد حلم هو أن كل شيء يبدو حينها واقعياً وحقيقياً تماماً. وعندما نعود إلى الإدراك في حالة الحلم نجد أن نفس الفكرة يمكن تطبيقها في هذه الحالة كذلك. إننا عندما نكون داخل الجسم الذي يقوم بالحلم، نكون على اقتناع تام بأن ما يحدث شيء حقيقي، ولكنه حقيقي فقط بالنسبة للحلم، والذي يصبح مجرد وهم عندما نستيقظ. إن كل شيء نمر به من خلال الإدراك أثناء اليقظة هو حقيقي أيضاً بالنسبة لنا.

إن الموت ونحن على قيد الحياة يمنحنا الفرصة الوحيدة التي يمكن أن نحصل عليها للخروج من هذا الكيان الذي يحتوينا بصفة مؤقتة. وتوضح هذه النقطة الهامة تلك القصة القديمة التي يرددها المعلمون الروحانيون جيلاً بعد جيل:
- ذهب أحد المسافرين من الهند إلى أفريقيا ليبتاع بعض المنتجات المحلية والحيوانات، وبينما كان في الغابة رأى آلاف الببغاوات المتعددة الألوان والجميلة والتي تتحدث، فقرر أن يمسك بأحد هذه الببغاوات المتكلمة ويأخذه معه إلى بلاده.
- وفي المنزل وضع الرجل هذا الببغاء في أحد الأقفاص وقدم له البذور الرائعة والعسل وعزف له الموسيقى وعامله بطريقة جميلة. وعندما كان الرجل مسافراً مرة أخرى إلى أفريقيا بعدها بعامين، سأل الببغاء إن كان لديه رسالة يستطيع أن يسلمها لأصدقائه في الغابة، أخبر الببغاء سيّده بأن يقول لهم إنه سعيد جداً في قفصه وأنه يستمتع بكل أيامه وطلب منه أن ينقل لهم حبه.
- وعندما وصل المسافر عائداً إلى أفريقيا قام بتسليم الرسالة للببغاوات في الغابة. وفي اللحظة التي أتم فيها الرسالة، سقط أحد الببغاوات والدموع تنساب من عينيه ميتاً. أنزعج الرجل وقال لابد أن هذا الببغاء كان صديقاً حميماً لهذا الذي في القفص، وهذا هو السبب في حزنه ووفاته.

- وعندما عاد المسافر إلى الهند، أخبر ببغاءه بما حدث وعندما انتهى من قصته، تغرغرت عين الببغاء بالدموع وانقلب ميتاً في قفصه. شعر الرجل بالدهشة ولكنه علّل موت طائره المدلل بأنه أصابه اليأس عندما سمع بموت صديقه الحميم في الغابة.
فتح التاجر القفص وألقى بالطائر الميت في كومة القمامة، وسرعان ما طار الببغاء المدلل عالياً إلى أحد فروع الشجرة بالخارج.
قال له التاجر: "أنت لم تمت، لماذا فعلت ذلك إذاً؟"
أجاب الببغاء بقوله: "لأن هذا الطائر الذي في أفريقيا أرسل لي رسالة هامة".
فسأله التاجر وقد نفد صبره: "وما هذه الرسالة؟"
"لقد قال لي: إذا أردت أن تهرب من قفصك؛ يجب أن تموت وأنت على قيد الحياة".
وفي الحقيقة فنحن يجب أن نموت بينما نحن على قيد الحياة لكي نتمكن من النظر إلى الوراء، إلى الإدراك في حالة اليقظة، ونرى أنفسنا وهي حبيسة في القفص- والذي يتمثل في الجسد في حالتنا نحن- وعندئذ سيتضح لنا إلى أي مدى يكون من غير الضروري أن نظل داخل القفص.