التوازن المطلوب في حياة الشباب



في مرحلة الشباب يكون التوجه إما جنوحٌ إلى الطيش واللهو والعبث، وإما الانغماس في الأجواء الروحية والعبادية، ما هو السبيل إلى التوازن؟

يحتاج التوازن في أي مرحلة من مراحل حياة الإنسان إلى تربية الذات بالطريقة التي تجعل الإنسان ينجح في أن يلائم بين متطلباته الجسدية وآفاقه الفكرية والروحية، أمّا الإنسان الذي يستغرق في هذا أو ذلك، فإما أن يكون مؤمناً فتتغلب عليه حالة الإيمان فتجرّه إلى الاستغراق الروحي، وإما أن تطغى عليه الغريزة فتجرّه إلى اللهو والعبث.

ولابدّ للإنسان الواعي لانتماءاته، والعاملين في حقل التربية من أن يتحركوا في مجالات التوجيه الشبابي ليؤكدوا على مسألة التوازن في الجانبين المادي والروحي، فإذا أردنا أن ننفتح على الجانب الروحي في شخصية الإنسان فلابدّ أن نؤكد على أنّ الروحانية لا تبتعد عن المادية في الكيان الوجودي للإنسان، لأنّ المادة تختزن في داخلها شيئاً من الروح، كما أنّ الروح لا يمكن أن تتمظهر إلا من خلال الأشكال المادية، مما يجعل من التوازن بين المادة والروح مسألة تقتضيها طبيعة المادية في الإنسان وطبيعة الروحية فيه.

إنّ الحياة تختزن في داخلها طاقة روحية، كما أنّ الروح تختزن في داخلها طاقة مادية مما يجعل إمكانات التوجيه في خط التوازن ميسّرة للموجّه، بحيث يلتقطها من مفردات حياة الإنسان كوسيلة من وسائل الإيضاح للتوازن بين الحدود العليا والحدود الدنيا وهذا ما نلاحظه في التوجيه القرآني: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً) (البقرة/ 201)، والتوجيه الآخر: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص/ 77).


إننا يمكن أن نطلق المسألة في جانب الوعي الفكري من جهة، وفي جانب الوعظ الثقافي من جهة أخرى، لنربّي في الإنسان حالة التوازن بين الروح والمادة، بحيث يستطيع أن يمارس شهواته في دائرة الحلال، كما أن يمارس تطلعاته الروحية في دائرة الواقع.


إنّ الذين يستغرقون في الماديات لا يستطيعون أن يصلوا إلى حالة انتعاش مادي في أجسادهم إلا من خلال انفتاحهم في الوقت ذاته على حالة روحية ونفسية مناسبة. فنحن نجد أنّ الإنسان عندما يريد أن يأكل يختار الأجواء الملائمة لنفسيته وروحيته فيخرج إلى السهول الخضراء، أو إلى الانهارأو إلى الجبال. وهناك الذي يحاول عندما يأكل أن يثير حوله جوّاً موسيقياً أو جوّاً جمالياً معيناً. إنّ هذه الأجواء التي يحاول الإنسان أن يحيط بها نفسه عند ممارسته لحاجاته المادية هي حالة روحية، فحاجاته الجسدية لا تملأ نهمه ولا تغذي جوعه، بل لابدّ من أن يضيف إليها شيئاً خارجاً عن النطاق المادي مما يمكن أن نطلق عليه حالة روحية.

وعلى هذا الأساس فإنّ الإنسان لا يستطيع أن يتحرر من الحالة الروحية في المجال المادي، كما لا يستطيع أن يتحرر من الحالة المادية في المجال الروحي، فهو عندما يريد أن يصلي لله فإنّه يصلي بعقله ولسانه ويديه وجميع جسده، ذلك أنّ الحالة الروحية لابدّ أن تتمظهر بأشكال مادية، فمن يريد أن ينفتح على الروح لابدّ أن ينفتح على المادة، ومن يريد أن ينفتح على المادة لابدّ أن ينفتح على الروح.