كنت ألعب يوماً – وأنا صبي – مع بعض رفاقي في فناء منزل مهجور فسقط على يدي حجر هشّم أحد أصابعي، فذهب بي أبي إلى الطبيب فقرر بترها، وما كدت أسمع هذا القرار حتى ازداد صراخي وعويلي وبذلت جهدي لأقنع أبي بتأجيل عملية البتر الذي لابد أن تودي بحياتي. مع رقة شعور أبي وفرط حبه لي، لم يزد على أن نظر إليّ نظرة صارمة وقال: هذا يا بني أمر لا مفر منه.. وأحب أن تتعوّد مثلي أن ترضخ لحكم القدر، وتحني رأسك للعواصف حتى تهدأ، وإلاّ حطمتك أو حطمت أعصابك.
وأجريت الجراحة، وتحقق ما كنت أخشاه وفقدت إصبعي ولكني لا أذكر إن هذا أهمني أو


أقلقني في أيامي المقبلة.. ومنذ بضع سنوات لقيت رجلا قطعت يده اليسرى عند المعصم، سألته: هل يقلقك هذا؟ فقال: يندر أن أفكر في ذلك، فقد تعودته.

والواقع أنه ما من إنسان يمكن أن تخلو حياته من المآسي والمتاعب، وليس أمامه في مثل هذه الحالة إلا أن يسلك أحد طريقين؛ طريق تلقي مصيبته بالرضا والإيمان والاقتناع بالواقع.. وذلك هو الطريق المستقيم السليم، وطريق التمرد والثورة على القدر، وهو طريق كله عقبات وأشواك ولن تكون نتيجته غير زيادة المتاعب والأحزان.
وقد صدق وليم جيمس حين قال: إن تقبل المصائب بالشجاعة والتسليم هو الخطوة الأولى في سبيل النجاة من عواقبها. وقريب من هذا ما قاله شوبنهاور: أن ترويض النفس على التسليم لأحكام القدر، والشجاعة أمام المصائب يعيننا على السير في رحلتنا في هذا العالم بسلام.

ليست الظروف وحدها هي التي تجعلنا سعداء أو أشقياء، فالواقع أن سلوكنا حيال هذه الظروف هو الذي يضع القواعد الأولى لسعادتنا أو شقائنا. وفي أعماق كل منا قوى كامنة تجعل من السهل عليه أن يتحمل المصائب ويتغلب عليها .. وإن خيل للمرء أنه لن يستطيع ذلك.
كان بوث تاركنغتون يقول: أستطيع أن أتقبل أي شيء تفرضه علي الحياة إلا شيئا واحدا هو العمى. ولما بلغ الستين من عمره، نظر يوماً إلى السجادة التي تحت قدميه، فلم يميز رسومها وألوانها. وعلم من الأخصائي الذي أحضره لاستشارته أن إحدى عينيه سوف تفقد نورهما، وأن عينه الأخرى مهددة لمثل ذلك. وعرف تاركنغتون كيف يواجه هذه الكارثة، واستمع له إذ يقول في ذلك: لقد أجريت لي في عام واحد اثنتا عشرة عملية رجاء استعادة بصري، ومع أن هذا الأمل لم يتحقق، لم أثر أو أتمرد؛ إذ أحسست أن ذلك أمر لا سبيل إلى الهرب منه، ولابد من الرضا به. وقد رفضت منذ الجراحة الأولى أن أنام في غرفة خاصة بالمستشفى، مؤثراً أن أكون في بهو كبير ضم كثيرين غيري، حيث أخذت أحاول أن أشجعهم وأدخل الفرح إل نفوسهم، فكان ذلك يسعدني ويشجعني. ولما قضى الأمر ولم أستعد بصري بعد كل تلك العمليات رحت أقول لنفسي ما قاله ملتون: ليس مؤلما أن يكون المرء أعمى، ولكن المؤلم ألا يكون قادراً على تحمل العمى..

إنه لحماقة كبرى تلك التي يقترفها من لا يتجملون بالصبر حين تحل بهم الشدائد والنكبات. وأية حماقة أكبر من أن يثور المنكوب ويفقد رشده فيحاول في جنون أن يضرب الأرض بقدميه، وأن ينطح الجدران برأسه.. إن هذا المسكين لن يخفف ذلك من نكبته، بل هو على عكس ذلك يضعف من قدرته على مواجهتها، فيضاعفها من حيث لا يدري.
هل رأيت مرة جوادا او ثورا أو أي حيوان، استسلم للحزن واليأس، أو حطم أعصابه بالغضب والثورة، لأن نكبة ما حلت بمرعاه، أو لأنه لم يكن موفقا في عيشته مع أنثاه. ولست أعني بذلك أن ننحني بكل بساطة أمام جميع المصائب والأزمات. فما دامت هناك فرصة لأن ينقذ المرء نفسه منها، فمن واجبه أن ينتهزها، وأن يكافح في سبيلها. ولكن عندما يحكم العقل والمنطق بأن لا فائدة ترجى من الصراع والكفاح فعلينا أن نكف عنهما لنوفر على أنفسنا تحمل عناء جديد.

المصدر:
كتــاب: كيف تكسب النجاح والثروة في حياتك
المؤلف: ديل كانيجي