عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
نعمة العقل
قال تعالى "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" [الحج/46]
العقل لغز حير العقول !
العقل .. نعمة قد تنقلب نقمة !
ما هو العقل ؟
أيهما أذكى ...عقل الرجل أم عقل المرأة؟
العقل والثقل ... وفاق أم شقاق ؟
العقل والحرية ... قيود أم انفلات ؟
1- نعمة العقل : العقل (Mind)العقل نعمة من أعظم النعم التي اختص الله عز وجل بها الإنسان ، وميزه بها عن سائر المخلوقات ، فقد جعله بالعقل يدرك حقائق الوجود ، ويميز بين الحق والباطل والحلال والحرام ، وبه يهتدي إلى تحقيق المصالح واتقاء المضار ، وبه يتواصل مع بني جنسه ، ولولا العقل لظل الإنسان مثل بقية السوائم التي مازالت تهيم على وجهها في القفار ، ولم تستطع ، بالرغم من ملايين السنين التي مضت على خلقها ، أن تغير شيئاً من أحوالها ، فيما استطاع الإنسان بالرغم من حداثة سنه أن يكون سيد الموقف بلا منازع ، وأن يحقق إنجازات عظيمة فاقت حدود الخيال ، ولم يزل في كل يوم يطالعنا بالجديد والمثير والعجيب ، وما ذلك إلا بفضل هذه الهبة الإلهية العظيمة ... العقل الذي أعانه على التفكير والتدبير والتسخير .
ولهذا نجد القرآن الكريم يحض مراراً وتكراراً على إعمال العقل ، ويعيب على الذين يعطلون عقولهم من التفكر في آيات الله ، والاستجابة لداعي الإيمان ، حتى إنه ليشبههم بالدواب التي لم ترزق نعمة العقل أصلاً : "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ".
وقد عرف التاريخ البشري رجالاً ونساءً قد وهبهم الخالق عز وجل ملكات عقلية هائلة ، إلا أن هولاء اختلفوا في طريقة توظيف هذه الملكات ، فمنهم من سخر عقله في الخير ، فقدم للبشرية إنجازات باهرة وخدمات علمية وفكرية جليلة رفعت من شأنها ، ونقلتها من حال إلى حال ، ووفرت لها وسائل الراحة والسلامة والأمان ومكنت لها في الأرض...
ومنهم من وظف عقله أسوأ توظيف ، فجلب على البشرية صنوفاً لا تعد ولا تحصى من الكوارث والمآسي والنكبات، وما تلك الحروب الطاحنة التي شهدها التاريخ البشري ،من مبتداه حتى ساعتنا الراهنة ، وما تلك الاختراعات المدمرة التي تطالعنا كل يوم ،وما تلك الأبواق الإعلامية المنحرفة التي تنعق صباح مساء غير عينات قليلة من نتاج تلك العقول الشريرة التي وظفها أصحابها في أحط الأغراض وأبعدها عن مصلحة العباد والبلاد!
وهكذا نرى أن العقل نعمة عظيمة يمكن أن يفيض على صاحبه وعلى العالمين من عطائه الخير ، وقد يكون العقل نقمة تجلب الدمار على صاحبه وعلى العالمين، وهو يميل إلى هذا الجانب أو ذاك بمقدار ما يهتدي بمنهج الله أو يحيد عنه ، وصدق الله العظيم الذي يصور في كتابة العزيز هذه الطبيعة البشرية إذ يقول : "ونفس ٍ وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها "[الشمس /7_10] (2).
ولهذه التزكية اهتم علماء المسلمين وشعراؤهم وأدباؤهم بتعديل سلوك الناس في استخدام العقل واستثماره الاستثمار الصحيح . قال تعالى" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً..." وأما الحديث فقد قال أبو حاتم ابن حبان الحافظ:"لست أحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً صحيحاً في العقل.."ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح أما العقل طريق النور والعلم ويحثه على البحث والتجربة قال عليه السلام:"ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء ،علمه من علمه ،وجهله من جهله" وقام الناس بعد ذلك بتأكيد الخبر ، والدعوة إلى إنماء العقل والتجربة..
قال الشاعر :
ألم تر أن العقل زين لأهله ولكن تمام العقل طول التجارب
وقال صالح بن عبد القدوس :
إذا تم عقل المرء تمت أموره وتمت أمانيه وتم بناؤه
وقيل:
ما وهب الله لامرئ هبة أحسن من عقله ومن أدبه
هما جمال الفتى فإن فقدا ففقده للحياة أجمل به
وقيل : ما أوتي عبد بعد الإيمان أفضل من العقل.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، ومروءته خلقه .
وقال بعض الحكماء :العقل أفضل مرجو ، والجهل أنكى عدو.
وقال بعض البلغاء:
خير المواهب العقل ، وشر المصائب الجهل .
تعريف العقل:
1- في اللغة : جاء في لسان العرب ، العقل :الحِجْر والنُّهى ضِدُّ الحُمق ، والجمع؛عقول .رجل عاقل هو الجامع لأمره ورأيه . والمعقول : ما تعقله بقلبك .
والعقل :التثبت في الأمور . والعقل : القلب ، والقلب العقل ، وسمي العقل عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي يحبسه ، وقيل :العقل هو التميز الذي به يتميز الإنسان عن سائر الحيوانات ، ويقال : لفلان قلب عقول ، ولسان سؤول ، وقلب عقول فَهِمٌ ؛ وعَقَلَ الشيء يعقله عقلاً ؛ فهمه.
2- في الشرع: ذكر ابن الجوزي في كتابه ذم الهوى كلاماً نفيساً في تعريف العقل فقال: اختلف الناس في ماهية العقل اختلافاً كثيراً:
فقال قوم:"هو ضرب من العلوم الضرورية " . وقال آخرون :" هو غريزة يتأتى معها دَرْكُ العلوم " وقال آخرون :" هو قوة يُفَضَّلُ بها بين حقائق المعلومات " .
وقال آخرون:" هو جوهر بسيط "وقال قوم :"هو جسم شفاف " وقال الحارث المحَاسِبي:"هو نور" وعن أحمد قال :" العقل غريزة".
والتحقيق في هذا أن يقال: العقل غريزة، كأنها نور يقذف في القلب، فيستعد لإدراك الأشياء فيعلم جواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات ، ويتلمح عواقب الأمور . وذلك النور يقل ويكثر، وإذا قوي ذلك النور قَمَعَ_بملاحظة العواقب _
عاجل الهوى.
ذكر محلة العقل :أكثر أصحابنا يقولون محله القلب ، وهو مروي عن الشافعي ودليلهم قوله تعالى:" فتكون لهم قلوب يعقلون بها " و قوله :" إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب " قالوا المراد لمن كان له عقل ، فعبر بالقلب عن العقل ؛ لأنه محله". ونقل الفضل بن زياد عن أحمد :" أن محله الدماغ "وهو اختيار أصحاب أبي حنيفة .
فالعقل هو : القوة المتهيئة لقبول العلم ، أو هو الغريزة التي بها يتهيأ الإنسان لفهم الخطاب ، والتمييز بين الحسن والقبيح ، والحق والباطل .
وعرفه القاضي أبو بكر الباقلاني بأنه : العلم بوجوب الواجبات ، واستحالة المستحيلات ومجاري العادات .
3- وأما أهل الطب : فقد انتهوا إلى أن العقل وظيفة من وظائف الدماغ (Brain) أنهم لاحظوا أن الإنسان الذي يصاب دماغه إصابة عميقة يسمى كالمجنون ، فتختل تصرفاته ، وتنقطع صلته الواعية حوله . ولا يعود قادراً على التواصل مع بني جنسه ، ووجدوا أيضا أن الدماغ يطل على العالم الخارجي من خلال الحواس الخمس ( السمع والبصر والشم والحس والذوق ) التي بواستطها يحس الإنسان بما حوله ويعي بوجوده.
ولهذا يعتقد الأطباء اليوم أن وظيفة العقل هي من اختصاص الدماغ وحده ، وبناء عليه ذهبوا إلى أن الشخص الذي مات دماغه (Brain Death) يعتبر في عداد الموتى حتى وإن ظلت بقية أعضائه تنبض بالحياة .
ونحن من جهتنا : نقر بهذه العلاقة الوثيقة التي تربط مابين العقل والحواس الخمس ، بدليل الآيات العديدة التي وردت في القرآن الكريم وربطت بين العقل وبين تلك الحواس ومن ذلك قوله تعالى: " صم بكم فهم لا يعقلون " [البقرة 171] ،غير أننا لا نوافق أهل الطب بأن وظيفة العقل هي من اختصاص الدماغ وحده ، بل نعتقد اعتقاداً جازماً أن ثمة جوارح أخرى تشارك الدماغ بهذه المهمة الجليلة ، وفي مقدمتها القلب ذلك العضو العضلي الذي يتوضع في الصدور ، ويوزع الدم على سائر الأعضاء في البدن . ومع أننا لا نملك ،حتى يومنا الحاضر ، دليلاً من العلم التجريبي على هذا الاعتقاد ، فإننا لا نملك أدلة قطعية من الكتاب والسنة اللذين يذكران بجلاء لا لبس فيه أن للقلب دخلاً أساسياً في عملية العقل ، ومن ذلك قوله تعالى :"أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكنها تعمى القلوب التي في الصدور "[الحج/46] ، وقول النبي عليه السلام أيضاً" القلوب أربع :قلبٌ أجرد فيه مثل السراج يُزْهِر،وقلبٌ أغلف مربوطٌ على غلافه، وقلبٌ منكوسٌ ، وقلبٌ مصفَّح .فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نور ، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ،وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفَّح فقلب فيه إيمان ونفاق ، فمثل الأيمان فيه كمثل البقلة يمدُّها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه مثل القرحة يمدها القيح والدم ، فأي المدتين غلبت علي على الأخرى غلبت عليه" مسند الإمام أحمد 10507
اللهم زدنا علماً وإيمانا ...
المفضلات