نحن أبناء التردد والحيرة والقلق، الذين تتفتت إرادتنا عند مفارق الطرق، وتمزقنا الصراعات عند كل منعطف في سبل الحياة المتشعبة.
ونحن نتعرض يومياً لأحداث تستلزم اتخاذ قرار، أو اختيار سبيل، أو تحديد موقف.
وقد لا تكون بعض هذه القرارات ذات أهمية كبرى، ولكن البعض الآخر قد يكون له أثر خطير في تغيير مجرى حياتنا، أو تحديد مصائرنا. وفي مثل هذه الحالات قد يصيبنا القلق والحيرة، ما لم تكن الحقائق بادية ظاهرة جلية.
فماذا نفعل عادة حين يتحتم علينا اتخاذ قرار هام؟
نعتمد على أفكارنا
يتخذ بعض الناس قراراتهم بعد فترة يقضونها في تفكير عميق، يتناولون فيها بالتحليل والتمحيص كل الاحتمالات والتوقعات، ويدرسون بالأرقام حسابات المكسب والخسارة. وهو موقف يعكس التفكير العلمي المبني على العقل والثقة بالنفس.
أو نتمثل بمن سبقونا
ويلجأ آخرون إلى التمثل بغيرهم ممن اجتازوا في نفس الظروف، أو تعرضوا لذات الموقف، فيتخذون نفس مسارهم باعتبار أن ما نعرفه خير مما نجهله، وتجارب السابقين خير طريق للاحقين. وفي ذلك قيل لسقراط: «كيف يجد الإنسان هداية ورشداً؟» فقال: «باتباعه طريق السالفين».
وقد نسترشد بآراء الأصدقاء
وهذا أول ما يتفتق عنه ذهن بعض الناس قبل اتخاذ قراراتهم، فتراهم يسرعون فوراً إلى استشارة المقربين، وينتقلون بقضاياهم من صديق إلى صديق يناقشونه ويستلهمون آراءه ومقترحاته. وقد يصلون بعد ذلك إلى رأي واحد فيستريحون، وقد تتضارب الآراء فيزيدون الأمر تعقيداً، ويجعلون اتخاذ القرار أكثر صعوبة مما كان عليه.
وقد نحتاج إلى إلقاء القرعة
وهي حيلة المتحيرين، والحل الأخير حين تتساوى الكفتان، فلا يجدون ما يرجح رأي على رأي، أو قرار دون سواه. وقد تكون القرعة صالحة في بعض الأحيان، سيئة في كثير من الأحايين. فهي فضلاً عن كونها حيلة العاجزين، فإنها تبعث على التشكك، ولا تعطي الإحساس باليقين وصلابة الاختيار. وقد تدفع الإنسان إلى شـــرك التفضيــل بين أمريــن كلاهما سيئ، أو الاختيار بين صالح واضح وسيئ خفي. وهو ما لا ينبغي أن يُخدع به العاقل الحكيم.
وربما نقع في المحظور
وقد تبلغ الحيرة بالبعض مبلغاً يجعلهم يلجأون إلى وسائل خاطئة، كمناجاة الأرواح، أو قراءة الكف و«الفنجان»، والتردد على الدجالين والمشعوذين. وهي وسائل لا تقف عند عجز العقل فحسب، بل وتعمل في غيبته. ولنا أن نحكم كيف ينجح - بلا عقل - مَنْ فشل وهو بكامل عقله وإرادته في تقرير مصيره!
ويتمسك البعض بإرشاد الله وإرادته
الواقع الذي اختبره الكثيرون هو أن الله بحكمته الفائقة وعلمه الشامل، ورؤيته لخفايا الأمور، ومعرفته بأحداث الغد التي مازالت في حكم الغيب بالنسبة لنا، هو القادر وحده أن يرشدنا إلى القرارات التي تجنبنا المكاره، وتحقق لنا الخير.
ولقد عرف الكثيرون طريقهم، وساروا بإرشاد الله في خطوات ثابتة في مختلف قرارات حياتهم. وهذا ممكن لنا تماماً كما كان لغيرنا.
ولقد جهل الكثيرون أيضاً إرادة الله لهم، فتعرضوا للفشل والقلق والضياع، وهذا يمكن أن يكــون مصيرنا أيضــاً كما كان لغيرنا. فعلينا أن نحذر وأن نتعلم.
إننا لا نسمع صوت الله لأننا لا نصغي إليه وحده، ولا نرهف الحس، فيضيع الصوت الرقيق الهادئ بين أصوات رغباتنا الصارخة.
وقد لا نفهم قصد الله لأننا نعتمد على أفكارنا أو أفكار الناس، ونتخذ من البشر حولنا نماذج للسلوك.
ونحن نضل طريقنا لأننا غير مستعدين للطاعة والقبول، قلقون متسرعون.


القرار الأهم في حياتنا
أهــم قرارات الإنســان هــي تلــك التــي لا تقف عند حدود حياته الأرضية، بل تتعداها إلى مستقبله في الحياة الأخرى.
ولقد كان من نعمة الله وفضله أن أعطى الإنسان عقلاً يدرك به، وجعل في قلبه شوقاً لمعرفة طريق الحياة والخلود. ولا يتوانى الله سبحانه في دعوة الإنسان وتعريفه وتعليمه ونصحه وتوجيهه بمختلف الطرق والأساليب، مستخدماً أحداث الحياة المختلفة ووسائل الكون بجملتها، فليس أعز على قلب الله من رجوع الإنسان تائباً إليه، فالإنسان أغلـى ما في الكون، ومن أجله تتحرك الدنيا وما عليها.
ومع أن الله يحب الإنسان ويدعوه، فإنه ترك لــه اتخـاذ القرار بشـأن تسليــم الحيــاة للـــه أو إضاعة الحياة في الخطيئة والشر.
ويظل باب الله مفتوحاً لمن يتخذ القرار - أهم قرارات الحياة.

فليكن قرارنا هو باب الرحمن وعينه التي لاتنام