مشرف
- معدل تقييم المستوى
- 34
من هم السعداء...!
من هم السعداء...!
الفيلسوف الإنجليزي برتلاند راسل
كان راسل يرى أن السعداء لا يصادفون أحداثا سارة تجعلهم كذلك ، وإنما يتمتعون بحالة نفسية تطبع الأحداث حولهم بهذا اللون الجميل ! ..
شقاء الناس
يؤكد راسل الذي يعد من أعظم الفلاسفة حيث حصل على جائزة نوبل عام 1950 إن البشر في العالم الحديث غالبا ليسوا سعداء، والتعاسة المنتشرة بينهم يعود بعضها إلى النظام الاجتماعي، أو النظرة الخاطئة عن العالم ، ومنها الدراسة أو التقاليد الخاطئة التي تقوض أسباب السعادة.
فمثلا التربية المحفوفة بالطغيان والخوف سيئة، ولكن لا سبيل لنوع آخر من التربية إذا كان القائمون بها هم أنفسهم عبيداً لتلك الأفكار.
وأيضا يؤدي عشق الذات والنرجسية، بالإضافة إلى ارتكاب الخطايا الأخلاقية وجنون العظمة ، من أهم مسببات التعاسة.
والإنسان المثالي للتعاسة - برأي راسل - هو من كان قد جرد في شبابه من الاكتفاء العادي أو تأمين احتياجاته البسيطة، وأصبح يشعر أنه مغلوب على أمره، هنا ينشد التدمير والنسيان فقط، وعندئذ تراه أصبح متعلقاً بالملذات مدمناً لها، وهناك أشخاص بفضل خبرتهم السابقة أصبحوا على يقين أنه لم يبق هناك شئ يستحق العيش من أجله، وهؤلاء هم تعساء في حياتهم، ولكنهم فخورون بشقائهم ويعتبرونه الصفة المميزة للشخص العاقل!
ومن ضمن مسببات التعاسة أيضا حصول الإنسان على رغباته بسهولة، وحينها يستنتج أن تحقيق الرغبة لا تجلب السعادة، وفي رأي المؤلف فإن جذور المتاعب تصدرمن الاهتمام المتزايد للتسابق على النجاح التنافسي باعتباره مصدر رئيسي للسعادة، وما يريد المؤلف قوله أن النجاح ليس إلا عنصراً واحداً من عناصر السعادة وليس كلها.
ومن مسببات التعاسة أيضا السأم الذي يقاسي منه سكان المدن العصريون، وهو مرتبط ارتباطاً حميماً بانفصالهم عن حياة الأرض، مما يجعل حياتهم حارة ترابية وعطشى، أما الأغنياء فهم يعانون من خوف السأم أكثر مما يعانون من السأم نفسه، والحياة السعيدة يجب أن تكون حياة هادئة، فضلاً عن إرهاق الأعصاب في عصرنا الحاضر، والقلق، والحسد الذي يبعد السعادة تدريجيا.
ود البشر والأشياء
يؤكد راسل صاحب نوط الاستحقاق الذى قلده إياه الملك جورج السادس عام 1949 أن العمل، وتوسيع دائرة اهتمامات الفرد، وحب الأشخاص والأشياء من أكثر مسببات السعادة وفي ذلك يقول: "إن لذة العمل متاحة لكل فرد يستطيع إنماء مهارة متخصصة، بحيث يستمد الاكتفاء من تجربة مهارته بدون أن يطالب العالم كله بالانحناء له.
إني اعرف شخصا فقد رجليه في شبابه الباكر، بيد أنه بقى سعيداً بهدوء طيلة حياته المديدة، وتوصل إلى هذه السعادة من خلال انكبابه على تأليف كتاب في خمسة أجزاء عن آفات الورد، حيث كان خبيرا في هذا الموضوع".
إن الولع بالشئ والهوايات مهما تكن قد لا تكون مصدر سعادة أساسية، بل وسيلة للهروب من الواقع، إن السعادة الحقيقية تعتمد أكثر من أي شئ آخر على ما يعرف بالتوجه الودي للأشخاص والأشياء.
هذا التوجه الودي يتمثل في الاهتمام الذي يدعم السعادة ويقصد به النوع من البشر الذين يحبون مراقبة الناس، ويجدون لذة في سماتهم الفردية، بدون الرغبة في الحصول على تفوق عليهم أو نيل إعجابهم الحماسي، إن الإنسان الذي سلوكه تجاه الغير بهذا الواقع سيكون مصدر سعادة ومرجع الرقة المتبادلة، ولن يتذوق مرارة عدم التقدير لأنه قلما يلقى ذلك من الناس.
ويعود الفيلسوف من جديد ليؤكد أن جميع ذلك يجب أن يكون واقعياُ غير مفتعل، وغير نابع من فكرة تضحية الذات الموحي بها من فكرة الشعور بالواجب، لأن هذا الشعور مفيد في العمل ولكنه ضار في العلاقات الشخصية. فالناس يرغبون أن يكونوا محبوبين، لا أن يطاقوا ويحتملوا في إذعان صبور. إن في محبة أناس كثيرين، وبدون جهد ربما كان ذلك من أعظم مصادر السعادة الشخصية.
إن سر السعادة هو كالتالي: دع اهتمامك متسعاً بقدر الإمكان ودع ردود فعلك للأشياء أو الأشخاص الذين يهمونك ودية بقدر الإمكان، وابعد قدر ما تستطيع عن العداء.
مباهج الحياة
يقيس راسل العلاقة بين لذة الطعام مثلا والسعادة قائلا: هناك طرق مختلفة يسلكها الناس عندما يجلسون إلى مائدة طعام، فمنهم من تكون لهم وجبة الطعام باعث على السأم والضجر، ثم هناك المرضى الذين يأكلون كواجب بناء على أمر الدكتور.
وهناك الذواقون الذين لا يجدون الطعام كما يتوقعون، كما أنه يوجد أيضا النهمون الذين ينقضون على طعامهم بشهية ويأكلون أكثر مما ينبغي، وأخيرا هناك من يبدأون الطعام بشهية سليمة ويأكلون كفايتهم ثم يتوقفون.
ثم يقول : من يجلسون أمام وليمة الحياة لهم سلوك شبيه بهذا ، والرجل السعيد برأي راسل هو من ينطبق عليه آخر النماذج من صنوف الآكلين!.
فهناك أشخاص متبرمون من ملذات الحياة، وهناك من يزهدون فيها، ومن يشتهونها بشدة، ولكن السعادة ليست في هذا أو ذاك، فالواقع يؤكد أن الإنسان بطبيعته يبحث باعتدال عن السعادة، والأطفال الصغار يهتمون بكل شئ يشاهدونه ويسمعونه، فيصبح عالمهم حافل بالمفاجآت، وهم مشغولون بصورة مستمرة بالسعي وراء المعرفة القائمة على الألفة مع الأشياء التي تسترعى اهتمامهم، ولهذا فهم سعداء.
عواطف متبادلة
و أن احدى العوامل الرئيسية في افتقار اللذة هو الشعور بأن المرء غير محبوب، وعلى النقيض من ذلك عندما يكون محبوباً ترى اللذة ظاهرة عليه أكثر من أي شئ آخر.
والناس إذا شعروا بانهم غير محبوبين غرقوا في يأس مفزع، والغالب أن حياة مثل هؤلاء تصبح منكمشة على ذاتها، ويعطيهم فقدان العاطفة الشعور بعدم الأمان الذي يحاولون التهرب منه، وذلك بسماحهم للعادة ان تسيطر عليهم كلياً.
إن العاطفة المتبادلة هي أفضل طراز من العواطف، فكل من الطرفين يتقبل العاطفة بمرح ويمنحها بدون جهد، وكل منهما يرى في العالم أهمية كبيرة نظراً لوجود هذه السعادة المتبادلة.
وبرأي راسل فإن العائلة من أسباب السعادة أيضا، فوالدينا يعطونا الحب لأننا أطفالهما، ولهذا نشعر بمزيد من الأمان معهما أكثر من أي شخص آخر، وقد يبدو هذا في أوقات النجاح غير هام، ولكنه في أوقات الفشل يمدنا بالراحة والأمان اللذين لا نجدهما في أي شئ آخر.
أيضا العمل البناء يبهجك أن تراه قائماً، ولا يخلو الأمر من إمكان ادخال التحسينات عليه باستمرار، فالإنسان الذي استطاع بنظام جديد أن يجعل البراري المقفرة وروداً يستمتع بعمله، كذلك الحال بالنسبة للساسة والفنانين ورجال العلم، لأن عملهم هو بحد ذاته مبهج
التعديل الأخير تم بواسطة diab ; 25-Jan-2011 الساعة 04:42 PM
Accept the pain and get ready for success
المفضلات