إن شكوى آلام البطن تعتبر من الأمور شائعة لدى الأطفال لدرجة أن ما يقرب من نصفهم في سن المدرسة يشكون أسبوعيّاً من أعراض الجهاز الهضمي، وذلك وفقاً لدراسة في مستشفى للأطفال في شيكاغو.

ومعظم هذه الحالات ليست خطيرة إلا في حال انعكست على طفلك في المدرسة أو في الأنشطة، ففي بعض الحالات قد تكون شكوى طفلك مؤقتة أو فقط حجّة يستخدمها لعدم الذهاب إلى المدرسة. ولكن إذا استمرت الأعراض أو بدت مزعجة فيجب التحدّث إلى طبيب الأطفال الخاص. وفي هذا المقال نضع بين يديك سيدتي أربعة أسباب لمشاكل الجهاز الهضمي البسيطة والمزمنة التي قد يتعرّض لها طفلك ولا يستطيع التعبير عنها غالباً.

أولاّ: ألم البطن الوظيفي؛ وهو الأكثر شيوعاً بين الأطفال الكبار (من 4 إلى 14 سنة)، حيث تؤكد الدراسات أنّ معظمهم يشكون من آلام دوريّة حول صرّة البطن، دون أن يرافقه علامات إمساك - إسهال، تورم، أو التهابات (مثل الحرارة أو الألم الشديد). ولعدم وجود سبب واضح وملموس لهذه الآلام أثناء التشخيص، فإن الأطباء أطلقوا عليها ألم البطن الوظيفي أو functional abdominal pain وتختصر (FM)، المعروف أيضاً باسم المعدة المتهيّجة.

ويفسّر الأطباء هذه الحالة بأنّ أمعاء بعض الأطفال حساسة أكثر للضغوط الناجمة عن المثيرات مثل الغاز، المواد الغذائية خصوصاً الحارّة وأيضاً التوتّر، الأمر الذي يستثير النهايات العصبية الحيّة (nerve endings) التي تعيش في الجهاز الهضمي ويعتبرها العلماء بمثابة المخ الثاني للإنسان.

التشخيص: يكتفي الأطباء عادةً باختبار الدم والبول والبراز، ما لم يرافق الألم تقيؤ، إسهال دموي (bloody diarrhea) أو غيرها من الأعراض التي يمكن أن تشير إلى وجود حساسية الطعام أو مرض التهاب الأمعاء. في هذه الحالة، يستعين الطبيب بالأشعة السينية والصورة الصوتية، أو التنظير العلوي (upper endoscopy) للحصول على عينة من بطانة المريء. أما العلاج: لست بحاجة عموماً إلى إعطاء طفلك أدوية لتسكين الألم، بدلاً من ذلك يوصي الأطباء بمساعدته على تحديد الشكوى وتقليل أسبابها التي ذكرت سابقاً. يمكنك تعليمه كيفية إشغال نفسه عندما يشعر باقتراب الألم من خلال الاستماع مثلاً إلى الموسيقى أو اللعب بلعبة iPad حتى يزول الألم.

ثانياً: متلازمة القولون العصبي، عندما يترافق ألم المعدة مع حركات الأمعاء، والتي تشمل عادةً الإسهال أو الإمساك، فإنّ طفلك من المرجح أنّه مصاب بمتلازمة القولون العصبي (IBS). ويلقي خبراء الصحة اللوم على الحساسية الشديدة في الجهاز الهضمي لطفلك (يمكن أن تكون وراثيّة)، فنحو ثلث الأطفال يصابون بهذه المتلازمة أثناء نموّهم، والبقية قد يتعرّضون لها بعد عدّة سنوات، وغالباً في مرحلة البلوغ. ومن النظريّات التي تفسّر هذه المتلازمة المزعجة حدوث خلل في الإشارات العصبية الواصلة بين الأمعاء الغليظة والدماغ، والتي تتحكم في حركة إخراج الفضلات، بطء حركة الأمعاء، ما يؤدي إلى الإمساك، أو ازدياد سرعتها، ما يؤدي إلى حدوث الإسهال. كما يمكن أن يرجع إلى ازدياد معدلات الاستجابة للألم، حيث يشعر الأطفال بألم البطن بمعدل أكثر من المعتاد، إضافةً إلى مشكلات نفسية وصحية كالقلق والاكتئاب. وأخيراً يمكن أن يؤدي ازدياد نمو البكتيريا في الأمعاء الغليظة إلى ظهور هذه المتلازمة.

التشخيص: يعتمد الطبيب عادةً على الفحص السريري من خلال الأعراض والتاريخ المرضي للطفل، وقد يستعين أحياناً بفحوص الدم، البراز، واختبارات البول. ومن الأمور التي تؤكد الحالة أن يتعرض الطفل للأعراض مرة أسبوعياً خلال مدة شهرين على الأقل. أما العلاج: استشيري طبيبك بمساعدة اختصاصيّة تغذية حول تغيير النمط الغذائي كزيادة كميّات الألياف ومعرفة الممنوع من الأطعمة التي تسبّب النفخة لاحتوائها على السكريّات المعقدة من اللاكتوز والفركتوز كمنتجات الألبان، التفاح، القرنبيط، وشراب الذرة، أمّا (الموز، الفاصولياء الخضراء، السكر العادي فلا تشكل ضرراً).

وقد يصف الطبيب بعض الأدوية المسكنة أو المضادة لتشنج العضلات، تساعد على الاسترخاء، أو جرعة منخفضة جداً من مضادات الاكتئاب لتهدئة الجهاز الهضمي، كما يمكن الاستعانة ببعض الأدوية المضادّة للإسهال والمليّنات لعلاج الأعراض. وينتشر في الولايات المتحدة نظام غذائي جديد Food maps، يساعد الأطفال على إزالة مجموعات من الكربوهيدرات (مثل اللاكتوز والفركتوز) التي تسبّب الغازات وبالتالي الألم. وقد ساعد النظام الغذائي الكثير من الأطفال على اتباع حمية غذائيّة متنوعة وصحيّة في نفس الوقت.

ثالثاً" الارتجاع المريئي – المعوي؛ حيث تفيد الدراسات أنّ أكثر من نصف الأطفال الرضع لديهم نوع من الارتجاع، يزول عند معظمهم في عمر السنتين دون علاج، ولا تتطوّر العوارض سوى عند 2 إلى 10 % فيصابون بما يعرف بالارتجاع الحمضي في المريء والمعدة (GERD) الذي غالباً ما يأتي بعد تناول الطعام على الرغم من أن الأطفال لا يشعرون به.

ويرجع سببه إلى ضعف في المعصرة التي تصل أسفل المريء مع المعدة نتيجة تأخر نموها، ما يؤدي لقصور الانقباضات المريئية والمعدية وفقدان التناسق في ما بينهما. وفي بعض الحالات القويّة من الارتجاع يعاني الأطفال من آلام البطن، السعال الجاف بسبب تسرب جزء من الإفرازات الحمضيّة إلى الجهاز التنفسي فيحدث صوت يشبه التخريش أثناء التنفس، والتهابات الحلق المتكررة إضافة إلى ضعف الشهيّة وانخفاض الوزن.

التشخيص: يعتمد فيه الطبيب عادةً على الأعراض وقد يتطلّب الأمر في الحالات الحادّة إدراج أنبوب مرن في مريء الطفل لمدة 24 ساعة لتسجيل كل حالات الارتجاع. وقد يعمد الطبيب إلى استخدام التنظير العادي الذي يتم في العيادة حيث يخدّر الطفل موضعيّاً. ويطلب بعض الأطباء فحوص البراز للتأكد من عدم وجود دم يكون سببه النزف الناتج عن التهاب المريء، ما يصيب الطفل بفقر الدم. أما العلاج: هناك عدد قليل من الأطفال بحاجة لزرع مضخة لدواء مثل Prilosec لعدة أشهر بغية وقف الارتجاع. وإذا كان طفلك يعاني من زيادة الوزن، تواصلي مع اختصاصيّة تغذية من أجل مساعدته على تخفيض الزائد من وزنه؛ فنظراً لدراسة حديثة وجد أن الأطفال البدناء الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 هم أكثر عرضةً للإصابة بالارتجاع من رفاقهم ذوي الوزن الطبيعي. كما ينصح بالحد من الأطعمة المقلية، ذات الدهون، صلصة الطماطم، البيتزا، إضافةً إلى عصائر الفاكهة الحامضة، الصودا والمشروبات الغازية. ويعتبر الحليب والمياه أفضل الخيارات لمكافحة الارتجاع.

رابعاً: الإمساك؛ يمكن أن يكون بسبب أمر بسيط مثل تغيير في النظام الغذائي أو الروتين البدني، أو حتى الحاجة إلى استخدام المرحاض غير المألوف للطفل. لكن بالنسبة لبعض الأطفال يعتبر الإمساك (Constipation) مشكلةً حقيقيّةً، وذلك لأن البراز كلما طالت مدة بقائه في داخل الأمعاء صار صعباً خروجه وأصبحت عمليّة التبرّز أمراً مخيفاً لصغار السن من الأطفال. ويخشى الأطباء أيضاً أن يمتلئ القولون بالفضلات إلى النقطة التي يتوقف فيها عن العمل بشكل صحيح. كثير من الآباء يعتقدون أن أطفالهم بحاجة إلى التبرّز كل يوم، ولكن معظم الأطباء يعدّون ذلك مشكلة فقط عندما تقل عن ثلاث مرات في الأسبوع، أو إذا كان البراز كبيراً، صغيراً وجافاً أو مؤلماً.

التشخيص: أكثر ما يعتمد الأطباء عليه هو الأشعة السينيّة (X-ray) التي من شأنها تحديد مقدار البراز داخل الأمعاء بهدف الكشف أو ربما تحريكها إلى الخارج، كما يمكن إجراء الفحص عن طريق باب المخرج (rectal exam) وقد يستعان بتحميلة الغليسيرين أو بعض الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم لتحفيز الأمعاء. أما العلاج: تأكدي أنّ طفلك يتناول الكميّات المطلوبة من الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة كل يوم، جنباً إلى جنب مع الكثير من الماء. وتحتاجين أيضاً إلى تعويده العادات الجيّدة لاستخدام الحمام، منها التوجه مباشرةً إلى الخلاء بمجرد شعوره برغبة التبرّز، ومنها أيضاً الجلوس لمدة عشر دقائق أو نحو ذلك مباشرةً بعد الإفطار أو العشاء.

ومن الوسائل اللطيفة إدخال لعبة الطفل المفضلة أو كتاب للترفيه يتصفّحه بينما هو جالس حتى يتعوّد. أمّا الحالات التي تستمر عدة أسابيع دون أن يدخل الطفل إلى الحمّام فتتطلّب تدخّلاً طبي سريعاً لعمل «تنظيف أمعاء» عن طريق إدخال مليّن للبراز مثل Miralax جنباً إلى جنب مع حقنة شرجية للطفل. ويوصي الأطباء للأطفال الذين يعانون من مشاكل مزمنة، جرعة يومية من Miralax أو أيّة مادّة مليّنة.