تشير العديد من البحوث مؤخرا، بأن المظاهر العدوانية بين الأطفال لا تقف عند مرحلة الطفولة فقط؛ فقد أظهرت دراسة تم إجراؤها في العام الماضي، بأن كلا

من الأطفال العدوانيين أو الذين يقعون ضحية لهم، يعانون من المشكلات النفسية على نحو أكبر مستقبلا، كاضطراب القلق، والاكتئاب، واضطرابات الهلع،

والسلوك الانتحاري. وبالعمل على نطاق أوسع، يظهر بأن الآثار التي يواجهها ضحايا هذا السلوك من الأطفال، لا تقتصر على المشكلات النفسية، ولكن تتعداها

لتصل إلى نواحي حياتهم المختلفة أيضا، مثل: الصحة الجسدية والعلاقات الاجتماعية والتعليم والتوظيف.

وقد قامت دراسة في العلوم النفسية أجريت في ولاية كارولاينا الشمالية، بتتبع مراحل حياة 1400 شخص، بدءا من عمر 9 أعوام تقريبا إلى عمر 25 عاما؛ إذ

استجوبوا بشكل دوري خلال هذه الفترة، لمعرفة ما إذا كانوا عدوانيين تجاه غيرهم أو معتدى عليهم. وقد سئل كل واحد منهم: ( هل سبق أن تعرضت للمضايقة

بأي شكل من قبل: إخوتك، أو أصدقائك، أو زملائك؟) (هل سبق أن ضايقت الآخرين أو ألحقت الضرر بهم عن قصد؟) فتبين بأن ما يقارب 6% من المشمولين

بالدراسة تم تصنيفهم ضمن الفئتين.

كما توصلت الدراسة إلى أن هؤلاء الأشخاص عانوا من مصاعب مختلفة في أغلب جوانب حياتهم. لكن الأثر الأكبر يقع على الذين تم تصنيفهم ضمن الفئتين معا؛

فطبيعة الأضرار التي ظهرت عليهم بعد أن صاروا راشدين نتيجة لذلك السلوك، تمثلت بالبدانة والأمراض الخطيرة والتدخين والانقطاع عن المدرسة.

لكن يبدو من الغريب أن الأشخاص الذين كانوا عدوانيين في طفولتهم فقط،لم يتعرضوا للتأثيرات السلبية ذاتها خلال حياتهم لاحقا؛ إذ بالرغم من كونهم أكثر

عرضة للعلاقات غير المستقرة وللانخراط في أنشطة خطرة، إلا أنهم تمتعوا بحال جيد فيما يتعلق بالصحة والتوظيف أو جمع الثروة.

ويشير ديتر وولك، القائم على الدراسة، بأن هذا السلوك قد يؤدي إلى نتائج مستقبلية أشد خطورة، كاضطرابات الصحة العقلية الشديدة، وتعزيز الميول

الانتحارية. ويضيف قائلا: "من المهم فهم خطورة هذه الآثار لكونها لا تتوقف بانتهاء مرحلة الطفولة. كما أنها لا تقتصر على الصحة، بل تؤثر أيضا في كون

الشخص قادرا على التمسك بأي وظيفة في المستقبل، أو على إدارة شؤونه المالية أو حتى الوثوق بالآخرين". فيما أكدت دراسة أخرى تم إجراؤها على 6 آلاف

شخص، إلى أن نسبة إلحاق الأذى بالنفس ومحاولات الانتحار ارتفعت بشكل كبير أيضا، لدى البالغين الذين تأثروا بمثل هذه الممارسات في طفولتهم.

وبينما تقوم العديد من المدراس والمنظمات غير الربحية بمكافحة هذه الظاهرة، فإن المحاولات الداعية إلى التقليل من فرص حدوثها تمثل جزءا أساسيا من الحل

المطلوب. ومن جانب آخر، فإن على الوالدين جانب مهم من المسؤولية تجاه أطفالهم أيضا، لتسهيل انخراطهم داخل البيئة المدرسية، ومعرفة طبيعة العلاقات

بينهم وبين زملائهم. وعلى الرغم من صعوبة التمييز بين السلوكات الطبيعية من غيرها بين الأطفال، بالنظر إلى آثارها السلبية على المدى البعيد في حياتهم، إلا

أن مراقبتها ومحاولة فهمها يعد مهما جدا للحد من حجم العنف المحتمل. يوضح وولك: "إن جميع الأطفال يدخلون في بعض الخلافات مع أصدقائهم غالبا، وهو

أمر طبيعي جدا. إلا أن الممارسات العدوانية أمر مختلف؛ فهي تعني استخدام القوة من قبل طفل أو أكثر تجاه غيرهم من الأطفال الأضعف، وقد يمتد الأمر لأشهر

وسنوات بشكل متكرر، فالعدوانية مثل استراتيجية لممارسة السلطة على الآخرين".


ثم يضيف: "لا يمكننا الاستمرار بتجاهل هذه الظاهرة، والنظر إليها كمرحلة لا يمكن تفاديها خلال نمو الأطفال، بل يتوجب علينا العمل على تغيير ذلك، والاعتراف

بكونها مشكلة خطيرة لكل من الأفراد والدول، فالآثار بعيدة المدى وكبيرة".