بدائل للتخلص من ظاهرة الضرب
كوسيلة عقاب في المدارس

اسمحوا لي أن أبدا المقال بمقولة كنت اسمعها قبل ثلاثة عقود من الزمن مقولة الأب لمدير المدرسة او المربي (لكم اللحم ولنا العظم) ثم بدأ هذا العظم في الوهن! فأدرك الناس -آباء ومعلمون- أن العقاب البدني المتعارف عليه بالضرب يجب أن يلغى، وهو ما قامت به وزارات التربية والتعليم العالي حيث أصدرت عدة قرارات تؤكد فيها منع استخدام العقاب البدني في المدارس وتفعيل تعليمات الانضباط المدرسي في التعامل مع الطلبة .

هذا القرارات تباينت حولها الآراء ووجهات النظر ، واختلفت نتائج تطبيقها باختلاف المراحل التعليمية واختلاف مشارب القائمين عليها، فالبعض يعتقد بأن على المعلمين السيطرة على طلبتهم في الغرف الصفية ومعاقبة المخالفين بأساليب تربوية حديثة، والبعض الآخر يعتقد بأن القرار ساعد على تخطي الطلبة للحدود! وشجعهم على التمرد لدرجة التطاول على معلميهم في بعض الأحيان وإهمالهم للجانب التعليمي لعدم وجود وسيلة عقاب رادعة كالعقاب البدني .

وأمام الاختلاف في وجهات النظر تبادر إلى ذهني مجموعة من التساؤلات أخذت تزداد مع استمرار البعض في مخالفة التعليمات الخاصة بالقرارات الســالفة الذكر وإصرارهم على حمل وسائل الضرب( العصا،البربيج...) بحجة الاستفادة منها كمؤشر في المواقف التعليمية أو لتهويب الطلبة ....الخ. ترى لماذا اضطر بعض المعلمين إلى مخالفة التعليمات؟هل الضرب وسيلة ردع للطلبة المشاكسين تعليميًا وسلوكيًا؟ هل يعتبر أشد وسائل العقاب تأثيراً على الطلبة؟ هل هناك بدائل للتخلص من وسيلة الضرب؟ كيف نلزم جمهور المعلمين والمعلمات على تفعيل تعليمات الانضباط المدرسي ؟

من خلال التأمل في هذه التساؤلات نجد أن المعلم الجاد الذي يُحَضِّر دروسه تحضيراً جيداً، ويعرف كيف يختار طرائق التدريس، وكيف يصغي إلى طلبته، وكيف يوجههم، وكيف يوصل المعلومات والمفاهيم لديهم، وكيف يكسبهم المهارات ويكون لديهم الاتجاهات لا يحتاج إلى استخدام الضرب بل لا يحتاج إلى الزجر أو التنبيه أو الانفعال في التعامل مع الطلبة المخالفين بل يلجأ إلى الأساليب التربوية الحديثة في ضبط الطلبة لثقته العالية بنفسه لذا ينال الاحترام والمحبة من الطلبة باعتباره القدوة لهم .

بينما نجد المعلم الذي لا يُعد درسه جيداً، ولا يعرف كيف يتعامل مع مادته ومع طلبته فقد يحتاج إلى وسائل تساعده على ضبط الصف قد يختار منها الأيسر وهو الضرب،الذي يعتبر الوسيلة السهلة والتي تؤتي نتائج سريعة لمعاقبة الطالب على سلوك معين غير مقبول، ولكن سرعان ما يكتشف المعلم الذي يستخدم الضرب إن هذه الوسيلة ما هي إلا مهدئ أو مسكن مثل حبة «الاكمول أو الأسبرين» وبمجرد زوال ألم الضرب فإن الطالب يصبح مهيأً للعودة للسلوك غير المرغوب فيه.مما يدفع هذا النمط من المعلمين إلى ممارسة عقوبات أخرى لا تقل عن الضرب ، وقد يترتب على استعمالها آثار سلبية كثيرة منها:

1- العقاب النفسي: وهو أن يهان المراد عقابه أو يتم تجاهله بصورة دائمة أو تجرح كرامته.

2- العقاب الاجتماعي وهو أن يتم استخدام مكانة الفرد الاجتماعية ليتم الضغط عليه من خلالها أو الاستخفاف به أو بعائلته والتهديد بذلك.

3- العقاب البدني الذي قد تكون له أنواع أخرى غير الضرب. مثل وضع جسم صلب بين الأصابع والضغط عليها أو شد الشعر الاذن ، الركل بالأرجل .......الخ .

هذا النمط من العقوبات يترك أثارا بعيدة المدى على شخصية الطالب تتمثل في اهتزاز شخصيتة وفقدانه الثقة في نفسه، وتعطل ظهور مهاراته وفكره الإبداعي، إلى جانب عدوانيته وبروز سلوك الضدية لديه، كذلك يصبح لدى الطالب كره للمدرسة وكل ما يتعلق بالعملية التربوية من العوامل الأخرى، إضافة إلى تأصل السلوك غير المرغوب فيه من باب التحدي في بداية الأمر ثم يصبح سمة شخصية.هذا إلى جانب ترسيخ مبدأ القمع الذي يقتل الطموح ، ويضفي على نفس المتعلم قدراً من الإحباط يجعله يخشى التفاعل مع المادة الدراسية، وبالتالي يكرهها ويكره القائمين عليها،إضافة إلى ما قد يتوالد عن الضرب من إصابات بدنية يخلف البعض منه آثاراً غائرة في جسد الطالب أو نفسه بقية عمره.

نحن لا ننكر أن مبدأ العقاب يجب أن يطبق في المدرسة إذا ما اعتبرنا أن هذا المبدأ هو جزء من العملية التعليمية، وإننا في المدرسة نعلّم الفرد كيف يتأقلم مع مجتمعه بمعنى أن نعوّده النظام، وضبط النفس، ومعرفة حدود الحرية الشخصية، وحقوق الآخرين. فحفظ النظام في المدرسة،أول ما يبدأ بالقائمين عليها، فمتى انضبط الجهاز التعليمي والإداري في المدرسة، صار قدوة، وعـندما يمارس الكبار في مجتمع المدرسة أدوارهم التعليمية باجتهاد وتفانٍ، وحرص يلمس الصغار أثره فتصبح أمور التعلم أيسر، وتسود الجميع روح الجماعة، وهي الروح التي تصنع بقية الأمور المستحبة. والملاحظ أن أكثر المدارس فوضوية في إدارتها ومعلميها هي بالضرورة أكثر المدارس تسيباً في طلابها، وهدراً لفرص التعلم بينهم.

إذا إن مبدأ العقاب على السلوك أمر حتمي في المدرسة، فالطالب المشاغب الذي يسيء السلوك مع معلمه وزميله ومؤسسته، والذي يقصر في أداء واجباته الدينية والمجتمعية يستحق العقاب، وليكن العقاب بالتدريج ووفق أسس علمية تتخذ من الدراسات النفسية قاعدة لها، والعكس بالعكس، فالطالب السوي بسلوكه يستحق الثواب وبالطريقة نفسها.

أما الطالب المتأخر دراسياً الذي لا يستطيع أن يواكب الدراسة بسبب متعلق بقدراته العقلية أو الجسدية أو غيرها مما يكون خارجاً عن طوع الطالب وقدرته فكيف نعاقبه على أمر لا يملكه؟ وهذا في نظري ما نعانيه الآن مع كثير من الإخوة والأخوات المشتغلين بعملية التعليم. إذ إن التفريق بين هذين الأمرين قد لايكون واضحاً لدى الكثيرين منهم نظراً لضغط العمل في المدرسة والصف، أو لعدم التدريب والتعليم على هذا بشكل كاف.

واليكم بعض البدائل لعلها تساعد في التخلص من ظاهرة استخدام الضرب في المدارس منها:

1- تكليف الطالب المشاغب بأعمال تخص الصف لإشعاره بقيمته والرفع من شخصيته، حيث إن سلوك المشاغبة أو أي انحراف قد يصدر من الطالب الهدف منه في أغلب الأحيان هو فقط إثبات الذات ومحاولة لفت الانتباه.

2- محاولة المعلم تعليم الطالب السلوك المرغوب فيه ومكافأته عليه وشكره وشكر ولي أمره لإشراكه في العملية التربوية.

3- حرمان الطالب مؤقتا من أشياء يرغبها أو يرغب القيام بها مثل المشاركة في الانشطة الرياضة أو الرحلات.

4- إشعار ولي الأمر كتابياً بمخالفات ابنه أولا بأول وتوثيق ذلك ، واستخدام لوحات الشرف للطلبة المثاليين.

5- أسلوب تجاهل المعلم للطالب وعدم إشراكه في الأنشطة اللامنهجية.

6-الصبر والتدرج في العقاب حسب تعليمات الانضباط المدرسي الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي .

7-التشجيع والثناء للمجتهدّين والمنضبطين.

8-التركيز على تفعيل دور المرشد التربوي في المدارس وتزويد المدارس بالنشرات والكتيبات للتوجيه والإرشاد.

9-التوعية باستخدام الإذاعة المدرسية وتصوير أشرطة فيديو مناسبة لغرس السلوك الإيجابي عند الطلبة وابرازها في المناسبات .

10-إعداد المعلم المتفاعل مع مهنته والمستمتع بها والمحتسب لما يقوم به عند الله من أجل مجتمعه ووطنه، مع إعداده لتطبيق القواعد المذكورة في بناء العلاقة التربوية مع الطلاب، وتكوين أسرة تربوية جماعية في المدرسة، ووضع لائحة للعقوبات بغير الضرب تعلن رسمياً وتمارس بشكل مستمر وعادل بين الطلاب.

ونصيحتي لمن يمارس هذه الوسيلة أن يسأل نفسه قبل استخدام هذه الوسيلة هل وصلت إلى طريق مسدود يحتاج إلى الضرب؟ وهل حاولت إتباع الطرق الأفضل لمعالجة الموقف؟ وهل تأكدت من أن الخطأ سببه المتعلم؟ أم أن لي دوراً في نشوء الموقف؟ ما الأساليب الممكن استخدامها قبل اللجوء إلى الضرب؟ ما الآثار التي ستترتب على تنفيذ هذا القرار؟ هل هذه الأساليب ستصلح الوضع، وتعالج الموقف أم أنها قد تزيده تعقيداً؟ إن التفكير في القرار ومحاولة إجابة هذه الأسئلة ستضمن للمعلم عدم الاستعجال، وستحقق له اختيار الخيار الأفضل.

وأخيرا أتمنى على جمهور المعلمين والمعلمات الالتزام بالكف عن استخدام العقاب البدني بحق الطلبة المخالفين وتفعيل قوانين وتعليمات الانضباط المدرسي بدل منه لضبط الطلبة ، كما أنني أجدها فرصة سانحة للمناداة والمطالبة بفتح مراكز تأهيل صيفية في كل منطقة تعليمية يلحق بها كل ممارس للضرب في مدارس المنطقة، ويوضع بعدها عاماً دراسياً تحت الملاحظة فإن عاد إلى ممارسته يعفى من عمله ، ويعاد توجيهه إلى حيث ينبغي أن يكون، وبذلك تكون قرارات منع الضرب مسنودة بوسيلة فاعلة لتصحيح المسار.