نفاخر كثيراً بسيرة المرأة المسلمة وأعمالها التطوعية المتعددة على مر التاريخ ، ولكن عندما تتحول تلك السيرة من قالبها الفردي الى بعدها المؤسسي ينتاب البعض منا شيء من القلق .

والنماذج كثيرة فمن المتطوعات لتعليم نساء المسلمين ، للمتطوعات في الغزوات والحروب حتى وصل الأمر إلى تاريخنا الحديث الذي اعترض فيه البعض على تعليم المرأة وما تبعها ولا يزال الكثير من المواقف . وما حدث في حج هذا العام من دخول المرأة السعودية سلك الإرشاد الكشفي وذلك بعد أكثر من نصف قرن على بدء الحركة الكشفية الشبابية في المملكة . والاعتراض أتى من خلال سد باب الذرائع لا من اجل مناقشة الفكرة والبحث عن ايجابياتها .

أعتقد أن من حق المجتمع المشاركة في مناقشة مثل هذه الأعمال التطوعية وفوائدها محليا وعالميا لا أن نغلق الباب وننساق وراء رأي مخالف دون تقديم بدائل.

ولو نظرنا للعمل المقدم من المرشدات السعوديات في حج هذا العام لوجدنا انه عمل يحتاجه المجتمع بشكل كبير . ففي قصة الحاج الذي قدم مبلغا ماليا للكشاف السعودي الذي ارشد أمه دليل على حجم الخوف الذي شعر به هذا الحاج على أمه دون معرفتنا بخوف وهلع هذه الأم . تخيل هذا الخوف في حال طفل تائه في زحام الحجيج عندما يتلقاه رجل أمن او متطوع كشفي أو غيرهما بالمقارنة لو وضع لدى امرأة تعرف معنى الأمومة وتهدئة روع هذا الطفل ؟

أذكر أن الحركة الكشفية للشباب عند بداياتها لدينا لم تلق الترحيب خشية على الصغار من الكبار . واستمرت الملاحظات على المسيرة الكشفية أيضا عندما تم اختطافها لبعض الوقت لغرس منهج خفي متطرف باسم العمل التطوعي . فالحركة الكشفية لم تلق القبول بسهولة في المجتمع لأنها تحتاج إلى عمل إعلامي اتصالي لنشر ثقافتها وثقافة حقوق المنتمين إليها وحقوق المجتمع . هي ليست حركة استعراضية بقدر ما هي نمط من مؤسسات المجتمع المدني الذي نحن أحوج ما نكون إليه الآن لتعزيز ثقافتنا الأمنية.

تابعت هذا الخلاف الذي لن يثني مسيرة الوطن الكشفية فنحن جزء من عالم يستفيد من التجارب الناجحة لا أن يحاربها دون الظفر بفوائدها. قبل عدة أشهر احتفلت العجوز الأمريكية ملي انجلند بعيد ميلادها العاشر بعد المائة كأكبر معمرة من الكشافة النسائية، وذلك بالتزامن الفصلي مع انعقاد الملتقى العربي للكشافة والمرشدات في بيروت بمناسبة مئوية الحركة الكشفية . وبعد أشهر من تلك السنين يظهر الاعتراض على مشاركة المرشدات في عمل تطوعي دون اعتراض على مشاركتهن في عمل رسمي على حد قول قائد قوة أمن الحرم المكي العقيد يحيى الزهراني حول مشاركة العديد من العناصر النسائية السرية في ضبط حالات التعدي والنشل داخل الحرم.

أرجو أن لا يكون الخوف أو الاعتراض على المنديل الكشفي الذي ترتديه المرشدة . فهذا المنديل يمثل لوفاء سليمان زوجة الرئيس اللبناني منظومة عمل خير للمجتمع وللمرأة تحديدا عند حديثها في ملتقى المرشدات العربيات فقالت : " نعرف جميعا كم هي واسعة في عصرنا، الدروب والأفكار المؤدية إلى الانحراف، والسطحية، واللامبالاة، والأنانية، والتقوقع، فلا يكفي أن نزود بناتنا بسلاح العلم والمعرفة لتأمين مستقبل أفضل لهن، بل علينا واجب تنمية مشاعر التطوع والخدمة في نفوسهن، ليلتقي العلم بالأخلاق ويولد بيئة مشبعة بروح المحبة والسلام والعدالة. ... تساعد شاباتنا على تكوين شخصية معززة بمبادئ الخير والمشاركة والمبادرة والمسؤولية الفردية عن تنمية المجتمع وتطويره" .

وقفة شكر لسمو وزير التربية والتعليم رئيس جمعية الكشافة السعودية الأمير فيصل بن عبدالله الذي نزل مع الكشافة في أول أيام عمله في الوزارة للقيام بعمل تطوعي لخدمة البيئة وكذلك ذهب إلى مكة لدعم الكشافة والمرشدات لأداء مهمتهن الإنسانية لضيوف الرحمن ، وهو تعزيز الدور العالمي للكشافة كرسل للسلام وتأكيد لمقولة خام الحرمين الشريفين " النساء ما شفنا منهن إلا كل خير"