تتكون بيئات المجتمع المختلفة من بيئات تعليمية أو أسرية أو مهنية أو صحية وغيرها ويعتمد بناء قواعدها الصلبة وإتجاه أساسياتها الصحيحة على إتجاه الأشخاص الممثلين لهذه البيئات وما يصدر عنهم من قرارت مسؤولة عن النتائج الملموسة لهذه البيئة وكيفية اتخاذ القرارت التي صدرت في ضوء ما يمتلكونه من طرق وأنماط ومهارت للتفكير تم اكتسابها وتعلمها بمراحل حياتهم. لذا يعتبر موضوع التفكير ومهاراته وأنماطه وكيفية تدريسه وتطبيقه على جميع المستويات المختلفة من المواضيع الهامة جدا لأنها ستؤدي إلى نتائج حتمية مؤثرة في محيط الأشخاص الممثلين للمجتمع ، ومن هذا المنطلق يتوجب من الجميع تنمية هذه الجوانب في التفكير وتطويرها وتيسير السبل اللازمة لنشرها وتطبيقها .

فلو تطرقنا للتفكير قديماً سنجد أن التفكير لدى معظم الفلاسفة هو عمل عقلي عام يشمل التصور والتخيل والتذكر والحكم والتأمل ويطلق على كل نشاط عقلي. أما الإسلام فهو يحث على إمعان النظر والتدبر والتعقل والتأمل والتمييز وغيرها من العمليات العقلية في الآيات القرآنية وفي السنة. ومن ذلك قوله سبحانه (كذلك يُبينُ اللهُ لكُمُ الأيات لعلكم تتفكرون ) " البقرة 219 " ، وأيضاً ( فاقصُص القَصَصَ لعلهم يتفكرون ) "الأعراف 176 " .

إن التفكير مهارة وليست ذكاء فطري موروث ، لذا أصبح من المهم تطوير هذه المهارات لمواجهة التحديات في ظل التطور الهائل في المعرفة والتكنولوجيا والاتصالات والعلاقات المتشعبة بحيث يصل الفرد إلى كيفية التعامل معها واستخدامها وتطبيقها وآلية نقلها وتطويرها. وفيما يلي سيتم عرض لبعض المفاهيم الخاصة بالتفكير والمعايير العالمية وطرق التفكير وعناصر نجاحها وأخيراً نبذة موجزة عن برامج التفكير .

- تعريف التفكير ومهارات التفكير وأنماط التفكير :

يوجد العديد من التعريفات الخاصة بمفهوم التفكير ومهارات التفكير وأنماط التفكير من قبل المختصين والمهتمين بهذا المجال ، ونعرض فيما يلي بعضاً من هذه المفاهيم :

عّرف باير( ( Beyerالتفكير على أنه عبارة عن عملية عقلية يستطيع المتعلم عن طريقها عمل شيء ذي معنى من خلال الخبرة التي يمر بها ، أما دي بونو De Bono )) فيفترض أن التفكير مهارة عملية يمارس بها الذكاء نشاطه اعتماداً على الخبرة أو هو اكتشاف متبصر أو متأنٍ للخبرة من أجل الوصول إلى الهدف .

أما تعريف مفهوم مهارات التفكير ، فقد تطرق لها ويلسون ( Wilson) على أنها تلك العمليات العقلية التي نقوم بها من أجل جمع المعلومات وحفظها أو تخزينها ، وذلك من خلال إجراءات التحليل والتخطيط والتقييم والوصول إلى استنتاجات وصنع القرارات .

ومن مهارات التفكير : الأصالة ، الطلاقة ، المرونة ، تحمل المسؤولية ، تدوين الملاحظات ، التذكر ، إصدار الأحكام ، التصنيف ، تنمية المفاهيم وتطويرها ، الاستنتاج ، حل المشكلات ، ... وغيرها من المهارات العديدة.

وإذا إنتقلنا إلى أنماط التفكير فهي مجموعة من الأداءات التي تميز الفرد وتعتبر دليلاً على كيفية إستقباله للخبرات التي يمر بها في مخزونه المعرفي ويستعملها للتكيف مع البيئة المحيطة (Gregorc) . وقد تصل إلى أكثر من 30 نمط ، سيتم التطرق لتعريف البعض منها كما يلي :

1- التفكير العلمي وهو ذلك النمط الذي يعتمد على الأسلوب العلمي أو وجهات النظر العلمية مثل الواقعية والتربوية .

2- التفكير التجريبي الذي يعتمد على التجربة والبيانات المأخوذة من الملاحظة العلمية.

3- التفكير الناقد والذي يعرفه (باير) على أنه "ذلك النوع من التفكير القابل للتقييم بطبيعته والمتضمن للتحليلات الهادفة والدقيقة والمتواصلة لأي إدعاء أو معتقد ومن أي مصدر من أجل الحكم على دقته وصلاحيته وقيمته الحقيقية "

ومن أنماط التفكير الأخرى : التفكير المجرد والتحليلي والتركيبي والمادي والمطلق والمنطقي والفلسفي والابداعي والتشعيبي والاستنتاجي والاستقرائي والتأملي ، ...وغيره.

- المعايير العالمية للتفكير

إن للمعلم أو المربي دوراً كبيراً في تشكيل الكيان الداخلي للأشخاص المسؤول عن تعليمهم وتدريبهم بحيث يمكنهم من التفكير بفاعلية وتوجه أفضل ، لذا ينبغي على المربي أن يلم بهذه المعايير ليتمكن من تعليمها لهم عن طريق طرح الأسئلة السابرة والمتعمقة بحيث يصبحون مسؤولين عن تفعيل تفكيرهم ، ومن أهم معاييرالتفكير التي تعتبر عالمية الطابع هي : معيار الوضوح ، الصحة والدقة ، الدقة المتناهية ، العلاقة ، معيار العمق ، الاتساع و معيار المنطقية

- طرق تعليم التفكير

تتمثل الأهداف الرئيسية في تعلم التفكير أولاً في الإستخدام الأفضل والأكثر فاعلية للمعرفة والحقائق المكتسبة لدى المتعلم بحيث يصبح بإمكانه بناء الأفكار والآراء المختلفة والدفاع عنها وفهم العلاقات. أما الهدف الثاني تجعل من المهارات والتعليم الذاتي قائداً للمتعلم ، ولتحقيق هذين الهدفين فإن هناك بعض الطرق لتدريس التفكير يمكن إيجازها فيما ما يلي :

1 – التفكير من خلال نقاط تفكير معينة ، حيث سيؤدي إلى مساعدة المتعلم في تطوير مهارات التفكي وتنظيمها ، قد تظهر هذه النقاط مباشرة في المواضيع المطروحة أو ممكن استغلال الأحداث اليومية المختلفة في اختيارها كنقاط تفكير تساهم في نقاشها والتعمق بها .

2 – طرح أفكار كبيرة ، أيضا يمكن من خلال نقاط تفكير معينة تؤدي إلى وجود مجال للتفكير العميق والتحقق من الأمور بحيث يصبح المتعلم مفكر نشيط ومنظم بشكل دقيق يساعده ذلك على البحث والاستقصاء عن موضوعات أعمق وأكبر في مجالاتهم.

3 – تهيئة جو من الرغبة في التفكير أو تكوين عادات عقلية ، وخلق بيئة تشجع المتعلم على الرغبة في إثارة التفكير وأنماط السلوك المثيرة للتفكير حتى تصبح عملية التفكير عادة تؤدي إلى فهم أعمق للمواضيع المحيطة وبالتالي إتخاذ قرارات أكثر دقة وأقرب للصواب

4 – ربط ما تمت معرفته بمواقف تعليمية جديدة ، إن التطبيق من خلال الربط أو النقل للمعرفة وتفعيلها للمواقف التعليمية الجديدة تؤدي أيضاً إلى العمق و تعلم المهارات التي ستصقل خبرات المتعلم.

5 – طرح التفكير من خلال عمليات التقييم التي تستند إلى معايير لأنماط الأداء الخاصة بالفهم والتفكير.

- عناصر نجاح تعليم التفكير

تتطلب عملية النجاح لتعليم التفكير عدد من العناصر الهامة هي :

أولاً – المعلم الفعال الذي يتصف بالصفات المناسبة مثل الإيمان بأهمية التفكير في حياة الناس عامة والطلبة خاصة ، الإلمام بمهارات التفكير ، متابعة المستجدات في هذا المجال ، التطبيق الفعال لحث المتعلمين على استخدام مهارات التفكير سواء بطرح الأسئلة والمناقشات والتعبير اللفظي وغيرها.

ثانياً – الرغبة الجادة لدى المتعلم بحيث يتفاعل مع المعرفة ويشارك في المناقشات والتطبيقات للوصول إلى التعمق الناتج عنه الحلول والقرارات والنتائج المستخلصة من عمليات التفكير.

ثالثاً – توفرالبيئة المحيطة المناسبة والمشجعة لعملية التفكير وإثارته لدى المتعلم من مناخ تربوي يسوده الأمان وتقبل آراء الآخرين ووجود الفرص للتعبير عن أفكارهم وإحترام قرارت الأغلبية ، الوسائل ، المراجع ، تنوع الطرق المتبعة ، الحداثة في الأساليب والوسائل.

رابعاً – أساليب التقويم وإجراءاته المتنوعة والمتمركزة حول ضرورة قياس ما تم تعلمه والتي ستؤدي إلى الانتقال للمرحلة التالية من عملية التفكير أو وضع خطة يتم التمكن من خلالها معرفة أوجه الضعف في العملية وتطويرها.

- البرامج الخاصة بتعليم التفكير ومهاراته

تم طرح العديد من البرامج لتعليم مهارات التفكير من قبل المهتمين بهذا المجال مثل برنامج البناء العقلي للمربي جيلفوردGuilford والذي يركز على المهارات المعرفية للتفكير كالتصنيف والاستنتاج ، وبرامج تعتمد على الأنظمة اللغوية والرمزية كوسائل للتفكير ، أما المربي والطبيب المعروف ديبونو De Bono فقد طرح برامج لاقت انتشاراً في تدريس التفكير منها برنامج الكورت الذي يركز على أهمية تعليم أدوات محددة للتعامل مع المشكلات وحلها ، وبرنامج القبعات الست وبرنامج المفكر البارع. وفيما يلي سيتم التطرق لملخص برنامج الكورت الذي صمم لتعلم مجموعة من أدوات التفكير تسمح للمتعلم بالابتعاد عن نماذج التفكير المطبوعة في الذهن ومحاولة إدراك الأشياء بشكل أكثر وضوحاً وتحرراً وفي تطوير اتجاهات أكثر إبداهاً لحل المشكلات ليصبح المتعلم مفكر مبدع ويتألف برنامج الكورت من ست وحدات مختلفة وهي على التوالي :

كورت (1) توسعة مجال الإدراك ، كورت (2) التنظيم ،كورت (3) التفاعل ، كورت (4) الإبداع ، كورت (5) المعلومات والعواطف ،كورت (6) العمل .

يمكن إستخدام مواد الكورت للطلبة في جميع الأعمال من المرحلة الابتدائية حتى الجامعة ، وتركز جميع وحدات الكورت على مهارة تفعيل الأشياء وتوجيه الأهداف التفكيرية بشكل ينتج عنه التفاعل لدى المتعلمين والاتجاه نحو تحدي الذات في إبراز أفكار جديدة ، كما أنه قد يساعد المعلم في التعرف على المواهب وتنميتها لذا يستفيد من هذا البرنامج أيضاً طلبة التربية الخاصة والطلبة الموهوبين والمتميزون . فعلى سبيل المثال في الكورت (1) وهو توسعة مجال الإدراك توجد عشر بطاقات عمل سنذكرمنها فقط البطاقة الأولى وهي معالجة الأفكار( PMI) أي (موجب= plus ، سالب minus =، ومثيرinteresting = ). تتخد هذه البطاقة كأداة في معالجة الأفكار وبدلاً من كون الشخص يحب أو يكره الفكرة ليصدر قراراً في ضوئها ، يتم تدريب المتعلم ليتفاعل مع عملية التفكير بهذه الفكرة وإيجاد النقاط الجيدة والنقاط السيئة والنقاط الملفتة للنظر عن الفكرة ، بحيث يصل المتعلم إلى عبور ردة الفعل الانفعالية نحو فكرة ما إلى مهارة في التفكير نحوها بالصورة التي يرى فكرته بزواياها المختلفة وبالتالي إصدار قراراته بشكل أفضل.

- الخلاصة

لا يعتبر التدرب على أعقد أنواع السلوك الإنساني وهو التفكير ومهاراته بطرق مبنية على الأسس العلمية والتربوية والقيمية بكل شمولياتها وبكل أبعادها سهلاً في البداية وسيكون مساره بطيئاً وقد لايكون متكاملاً لجميع جوانبه ولكن تدريجياً ومع الوقت والمثابرة والعزيمة تضاف هذه المهارات لتصبح جزءاً من اللاشعور وتصبح الأهداف والقرارات أكثر دقة بشكل تلقائي ، وسينعكس ذلك كله على حياة الفرد نفسه بالايجابية ، أفلا يستحق ذلك بذل المزيد من الجهد لتصبح مهمة مشتركة من الأسرة والبيئات التعليمية تقود المتعلمين إلى المبادرة والاستفسار عن ما يحيط بهم والتعبير عن الموضوعات والقضايا والأحداث؟ وهنا دعوة خاصة لأولياء الأمور والمعلمين والتربويين تحثهم على الاستماع والمشاركة في دعم مشاعر المتعلم وتساؤلاته وتشجيعه على البحث عن الحقائق والمعلومات من المصادر المختلفة ، والاستفادة من الأحداث اليومية والبرامج الاعلامية والقضايا المعاصرة لتكون أساس المناقشات سواء عائلياً أو في المؤسسات التعليمية وخاصة في الصفوف ، وتوجيه أفكارهم بالتفاعل والتشجيع المستمر ، وبالتأكيد ستكون النتائج النهائية لهذه الجهود هي عقولاً متحررة من القيود قادرة على حل المشكلات أوتخفيفها ، تنظر للقضايا المختلفة بنظرة متكاملة ، يمكنها تقييم المواقف والحكم عليها بوضوح ، متصفة بالتقدير الذاتي ونشئ المواطنة الصالحة لديها .

- المراجع :

1. تدريس مهارات التفكير ، الأستاذ الدكتور جوت سعادة ، الطبعة الأولى ، الاصدار الثاني 2006م

2. تعليم التفكير للمرحلة الأساسية ، الدكتورة نايفة قطامي ، الطبعة الأولى ،2001م

3. برنامج الكورت لتعليم التفكير ، إدوارد دي بونو ، الطبعة الأولى ، 2008م

بواسطة: منى السعدي
موسوعة التعليم والتدريب
http://www.edutrapedia.illaf.net/ara...e.thtml?id=593