محمود طافش:اتفق الباحثون التربويون في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان على ضرورة تخصيص معلمين متميزين من ذوي الخبرات الطويلة والعميقة ، والذين سجلوا نجاحات ملموسة مؤكدين على أهمية إعدادهم إعداداً خاصاً يصقل خبراتهم ويسمو بمعارفهم . وقد أحرزت الولايات المتحدة الأمريكية قصب السبق بإنشاء أول معهد لإعداد معلمي المبدعين أطلقوا عليه اسم " معهد الرواد"

ويلعب المعلم الدور الأكبر في رعاية الإبداع وتربيته ، ومهما كان المنهج المدرسي شامخاً وعناصره متكاملة فإنه لن يجدي شيئاً ذا بال في حالة غياب المعلم أو عند تهميش دوره ، أو إذا قام بتنفيذ المنهج معلم غير مؤهل للقيام بالدور الكبير المُسند إليه . ولن تستطيع الأمة أن تستفيد شيئاً كثيراً من التدفق المعرفي الهائل الذي يشهده هذا العصر ، ولا من التقنيات الخارقة المتاحة للناس فيه ، إذا كانت حقوق المعلم فيه منتقصة ؛لأن المعلم هو صانـع التغيير والتطويـر ، فهوالذي ينفذ المنهج ، وينهض بالدور الأكبر في تحقيق أهداف التربية ؛ " فمن يرد أن يوجد " طبيباً متميزاً في طبه ومهندساً متميزاً في هندسته ومحاسباً متميزاً في محاسبته وإدارياً متميزاً في إدارته ..... ينبغي أن يُوَفر له معلماً متميزاً يفتح له مغاليق العلم ، ويستنهض قدراته ويستحث طاقاته للتعلم " فالمعلم الحرالمؤهل تأهيلاً حقيقياً نظرياً وعملياً ، والمتمتع بحقوقه كاملة ، هو محرك التغيير وقائد المسيرة التربوية إلى الإبداع ، إذا توفَر له منهج منظم يستند على معارف عصرية ملائمة ، وأنظمة وأنشطة مدروسة متكاملة ، ومناخات تشجع الإبداع وتعرف قيمته وأثره .

ومن مواصفات هذا المعلم أنه :

- واسع الثقافة ومتنوع الخبرات .

- يخطط لتنمية القدرة على التفكير عند تلاميذه .

- يتقبل أراء وأفكار تلاميذه ويصغي إليهم باهتمام .

- يجتنب أساليب القمع والاستهزاء ويتبنى أساليب الحفز والتشجيع .

- يمارس أساليب التواصل والتفاعل الصفي والعصف الذهني والعمل بنظام المجموعات ، ويجتنب أساليب التلقين وفرض الأفكار .

- يدرب التلاميذ على أساليب التعلم الذاتي من أجل الوصول إلى المعلومات بأنفسهم .

- يدرب التلاميذ على توظيف خطوات البحث العلمي لحل المشكلات .

- ينمي لدى تلاميذه مهارات التفكير العلمي مثل : الملاحظة ، التصنيف ، استخدام الأرقام والتعاريف الإجرائية ، والتحليل والتقويم .إلخ

- يشجع تلاميذه على الاستكشاف واستخدام المختبرات وسائر التقنيات الحديثة

- يعمل على تعزيز روح المبادرة والأصالة .

لكن ما هي السمات المميزة للتلميذ المبدع ؟

عدّ علماء النفس والتربية التلميذ مبدعاً إذا " برهن أو استطاع أن يبرهن على مقدرة فائقة في مجال أو أكثر من المجالات الدراسية . ويحتاج إلى معارف وخبرات تفوق ما يقدمه المعلم في الحصة الدرسية العادية . ويجب أن يظهر قدرات استثنائية تدل على الابتكارية ."

وهناك سمات شخصية مميزة للتلميذ المبدع يمكن ملاحظتها بسهولة منها :

1 – الشعور بالرضا والسعادة أثناء قيامه بأعماله .

2 – الثقة العالية في النفس والاعتماد عليها .

3- قوة العزيمة والإرادة .

4 – القدرة على إدراك العلاقات بين الأشياء .

5 – القدرة على التفكير في حلول بديلة للمشاكل .

6- القدرة على تحمل المسؤولية .

7 – المثابرة وممارسة الأعمال بحزم وثبات .

8 – اجتناب الروتين والتقليد الأعمى .

9 – الميل إلى المغامرة و الرغبة في تحدي الصعاب .

7 – الصدق في التعبير والأمانة في العمل .

10 – مثقف يوظف ثقافته في التعامل مع قضايا الحياة .

11- القدرة على الإقناع .

12- يتقن العمل الذي يوكل إليه بسرعة وإتقان .

13- التفاؤل والإحساس المرهف .

ومن السمات الأخرى التي أشار إليها الباحثون :

( تقبل التعقيد ، ارتفاع مستوى الغموض ، انخفاض مستوى القلق ، عدم الخوف من الوقوع في الخطأ ، تفضيل الاستجابات الجديدة ، روح الدعابة والمرح ، الانفتاح الذهني ، سعة الخيال ، الاجتهاد والنظام ، الشعور بالتحدي في مواجهة الصعاب)

دور الإبداع في صقل شخصية المتعلم .

يربي الإبداع شخصية المتعلم على عشق التميز ، ويغذيها بالقيم ، ويمدها بأنوار العلم ، ويطبعها بخصائص وصفات تسمو بها إلى آفاق عالية متكاملة يكللها تاج النجاح ، ويزودها بقدرات تمكنها من التميز . ومن هذه الصفات والقدرات :

- الثقة بالنفس وحسن الظن بالآخرين .

- المثابرة على العمل والإخلاص فيه .

- الإقدام وعدم التردد .

- استغلال الفرص والاستفادة منها .

- الميل إلى القراءة النافعة والبحث الجاد .

- القدرة على تحديد المشكلة بدقة والتعرف على أسبابها .

- القدرة على تحديد الأهداف بوضوح .

- القدرة على أن يجعل لكل عمل يقوم به هدفا ساميا .

- القدرة على التركيز وإطلاق العنان للتفكير .

- القدرة على توسيع الهوايات والاهتمامات .

- القدرة على تحمل المسؤولية .

- القدرة على تذليل الصعوبات ،وإيجاد البدائل الملائمة للمشكلات التي تواجهه واختيار أفضلها .

- القدرة على الموازنة وتقييم المعلومات وإصدار الأحكام السليمة .

ولكي تؤتي الجهود المبذولة ثمارها على وجه حسن ، يجدر بالمبدعين أن يأخذوا بعين الاعتبار المعوقات التي قد تحدّ من إبداعهم أو تضعفه .

المعلم والتفكير الإبداعي :

إن إعمال العقل في التعامل مع قضايا الحياة يؤدي إلى نتائج مثمرة . والإنسان يستخدم عقله ويفكَر ليفهم ، أو ليخطط فيحل مشكلة أو يتخذ قراراً ، وكلما كان هذا التفكير إبداعياً كلما كانت النتائج التي تترتب عليه أفضل . فكيف ينمي المعلم المبدع التفكير الإبداعي لدى تلاميذه ؟

إن التركيز على تحقيق الأهداف ذات المستويات المعرفية العليا يساعد الدارسين على تشكيل الوعي ، وعلى الاحتفاظ بالخبرات المكتسبة للاستفادة منها في حل المشكلات بفعالية عالية من خلال رؤية الخيارات وطرح البدائل . فما هي مهارات التفكير التي ينبغي أن تتناولها المناهج الدراسية ؟

يقترح "كوهن" وجود أربع عمليات تفكيرية مركبة عليا هي :

حل المشكلات ، اتخاذ القرارات ، التفكير النقدي ، التفكير الإبداعي . والمعلم المبدع يستطيع أن يختار لتلاميذه نوع الممارسة التي تيسَر نموَهم المعرَفي . "وقد برز في الآونة الأخيرة اتجاه نحو دمج تعليم مهارات التفكير في تعليم المادة الدراسية " بحيث يكون التعليم في المنهج المدمج مبنيا على التفكير ، وحينما يتعلم الطلبة استراتيجيات التفكير من خلال النموذج أو النص موضوع الدرس فإن قدراتهم التعلمية والتفكيرية تسمو بصورة ملموسة ، فيصبحون أكثر استمتاعا ورغبة في التعلم ، وهذا ما يحفزهم على ممارسة التعلم الذاتي سعيا نحو الإبداع .

وحين تنصهر المعلومة التي يحصل عليها المتعلمون من محتوى المادة الدراسية مع أنماط متعددة من مهارات التفكير ، فإنهم يصبحون قادرين على توظيف أنواع متعددة من التفكير في حياتهم العملية مثل : المقارنة ، التنبؤ ، البحث عن الأسباب والعلل ، اتخاذ القرارات .

وعند القيام بعملية مقارنة ناجحة فإن المتعلم يكون قادرا على :

أ – القيام بدراسات دقيقة ومتعمقة .

ب – تحديد جميع نقاط التشابه والاختلاف .

ج – استخراج المعاني المتضمنة في عملية المقارنة .

وعندما يقوم المتعلم بالقيام بعملية التنبؤ فإنه يقوم بها بأناة موضحا مدى إمكانية حدوث ما تنبأ به ، آخذاً بعين الاعتبار الأدلة المتعلقة باحتمال وقوع ما توقعه .

وقبل عملية اتخاذ القرار يجدر بالمتعلم أن يكون قادراً على :

أ – دراسة جميع البدائل والخيارات المتاحة له .

ب – البحث عن بدائل أخرى .

ج – التأكد من صحة النتيجة التي توصل إليها قبل أن يقوم بعملية التنفيذ .

ومن هنا ، فإن مصممي المناهج الدراسية يأخذون بعين الاعتبار جميع هذه القضايا ، وذلك لتضمين المنهج الدراسي محتوى وأنشطة صالحة لتدريب التلاميذ على مهارات التفكير المختلفة من خلال المحتوى . بهدف تمكين المعلم من القيام بعملية التدريب وفق الخطوات الآتية :

1 – يشرح للمتعلمين أهمية المهارة التي سيدربهم عليها .

2 – يصب المحتوى الدراسي المقرر من خلال المهارة التفكيرية المستهدفة لتدريبهم عليها من خلال دراستهم للمفاهيم والحقائق والمهارات المنهجية ، باستخدام المنظم البياني وخارطة التفكير .

3 – يقوم المعلم بطرح أسئلة تأملية من شأنها أن تجعل المتعلمين مدركين ومتفهمين لأهمية تحفيز تفكيرهم .

4 – يواصل المعلم تعزيز استراتيجيات التفكير لدى المتعلمين بإعادة تمريرهم بخبرات وتجارب مماثلة .

ويفيد المنظم البياني في :

أ – توجيه وإرشاد المتعلمين أثناء عملية التفكير .

ب – توضيح العلاقات المهمة في عملية التفكير .

ج – إبراز العلاقات بين أجزاء المعلومات بشكل واضح .

وأما خارطة التفكير فإنها تفيد في :

أ – توضيح الاستراتيجية المتبعة للتدرب على مهارة تفكير محددة.

ب – تزويد المعلم بأسئلة منظمة لتوجيه المتعلمين أثناء قيامهم بأنشطة التفكير.

وتوضح خارطة تفكير ، الخطوات التي سيتبعها المتعلم من أجل التوصل إلى قرار سليم . وهذه الخطوات هي :

أ – التعرف على أهمية القرار الذي سيتخذه .

ب – التعرف على الخيارات والبدائل المتوفرة .

ج – البحث عن المعلومات المتعلقة بكل خيار .

د – التعرف على الخيار الأفضل في ضوء المعايير السابقة والمعلومات المتوفرة

هـ اتخاذ القرار والبدء بالتنفيذ .(1)

استراتيجيات تدريب المتعلمين على التفكير الإبداعي :

يستطيع المعلم أن يدرب تلاميذه على مهارات التفكير الإبداعي من خلال المنهج الدراسي ، وذلك بجعل التعليم إبداعياً نقدياً ، وهذا لا يتم إلا إذا تجاوز المعلم أسلوب تقديم المعلومات الجاهزة إلى تعليم قائم على طرح التساؤلات واستنتاج الحقائق ، فتحصل تنمية الإبداع بالتدريج من خـلال الاستراتيجيات الآتية:

1 – الأسئلة المفتوحة مثل : أسئلة لها أكثر من إجابة ، أو أسئلة لا يوجد لها إجابات صحيحة ، فيعرض هذه الأسئلة على المتعلمين من خلال كتابتها على السبورة ، ويبدأ باستقبال إجاباتهم حولها .

2 – الاستيضاح . حيث يطلب المعلم من المتعلم الذي يجيب معلومات توضيحية حول إجابته ، كأن يقول له : وضح إجابتك . أو عزز إجابتك بالأدلة . إلخ .

3 – الانتظار . ينتظر المعلم عدة ثوان ليتيح للمتعلم فرصة التفكير في الإجابة . أو لإعطاء فرصة لأكبر عدد من المتعلمين لرفع أيديهم طالبين الإذن بالإجابة .

4 – تقبل الإجابات . حيث يخبر المعلم جميع المتعلمين بأنه سيطلب من الجميع أن يجيبوا ، ثم يطلب منهم كتابة الإجابة قبل النطق بها ،والسماح لهم باستخدام أساليب التعليم التعاوني . ثم يستمع إلى إجابات عدد من المتعلمين مراعيا الفروق الفردية ، ومتيحا فرصة الإجابة لجميع فئات الطلاب دون التركيز على المتفوقين ؛ لأن في التنويع إسهاما في إثارة التفكير .ثم يكتب الإجابات المميزة على السبورة لمناقشتها .

5 – تشجيع الطلاب على تبادل الآراء أثناء إعداد الإجابة ، بحيث يكون التواصل متعدد الأطراف ، بحيث يتم تطوير أنماط التفاعل بين الطلاب . ومن المستحسن هنا أن ينظم المعلم طلابه في مجموعات ، وأن يقلل تعليماته وتعليقاته إلى الحد الأدنى ، وأن يدرب المتعلمين على أن يحسنوا الاستماع لبعضهم ، وعلى آداب الحوار ، وأن يعزز سلوكياتهم الإيجابية أثناء المناقشة .

6 – يخبر المعلم طلابه بأنه سيؤجل تعليقاته على إجاباتهم حتى نهاية الحصة ، يشرع بالاستماع لإجاباتهم ، ثم يشكر الطالب الذي يجيب ويعطي الفرصة لطالب آخر .

7 – قبل نهاية الحصة يلقي عليهم أسئلة سابرة مثل : كيف توصلت إلى هذه النتيجة ، أو ما هي الخطة التي وظفتها ؟ أو يطلب من المتعلم تفسير تفكيره وتعليله ، ثم يعزز توجهات المتعلمين بالقول بأن مناقشاتهم كانت مثمرة .

فإذا تمت جميع هذه الخطوات ، بمنهجية علمية وبتواصل متعدد الاتجاهات ، ملموسا فإن التقدم سيكون ملموسا إذا كانت وسائل التقويم المستخدمة موضوعية ودقيقة .

دور المعلم في تنمية التفكير الإبداعي لدى الأطفال




بواسطة: حسين حبيب السيد
موسوعة التعليم والتدريب
http://www.edutrapedia.illaf.net/ara...e.thtml?id=586