محمود طافش: يميل بعض الأطفال لممارسة العنف في تعاملهم مع أشقائهم في البيت أو مع أقرانهم في المدرسة، مما قد يترتب عليه إلحاق الأذى بالأحياء أو بالأشياء،ويعد علماء النفس هذا الفعل سلوكا عدوانياً. فماذا نقصد بالسلوك العدواني؟ وما أسبابه؟ وكيف السبيل لحماية الأطفال من إفرازاته؟

مفهومه: السلوك العدواني هو إلحاق الأذى المادي أو المعنوي بالأشخاص أو بالممتلكات، وينتقل إلى الأطفال عن طريق المشاهدة الحقيقية، من الآباء إلى أبنائهم، أو من المعلمين إلى تلاميذهم. وقد يتأثر الطفل بالنماذج الرمزية التي يشاهدها في التلفاز، أو يسمعها من المذياع، أو يقرأ عنها في الصحف .

مظاهر النزعة العدوانية عند الأطفال : لعل من أبرز مظاهر النزعة العدوانية عند الأطفال ما يأتي :

ـ العناد وعصيان الأوامر، وعدم تقبل النصائح من الأباء والمعلمين .

ـ فظاظة الطبع، وخشونة التعامل أثناء تواصلهم مع الأطفال الآخرين .

ـ الاعتداء على الأطفال الآخرين بسبب أو دون سبب؛ بالضرب أو العض أو التخريب، أوالسباب أوالسرقة .

ـ التحصيل العلمي المتدني، نظراً لهروبه المتكرر من المدرسة، أو انشغاله أثناء الحصة بمضايقة زملائه .

ـ عدم قدرته على التحكم بنفسه، ففي حين يميل الأطفال الأسوياء إلى التفاهم حول قضاياهم التي يختلفون عليها، يعمد العدوانيون إلى فرض إرادتهم على أقرانهم بالقوة مما يجعل الأطفال الأسوياء ينفرون منهم، ولا يرغبون في اللعب معهم؛ نظراً لغلظتهم وفظاظتهم .

ـ الإقدام على ممارسات دنيئة كالاحتيال أو السرقة من أجل الحصول على المال لشراء السجائر أو المسكرات أو المخدرات. وقد أشارت دراسة قام بها جيرالد باترسون إلى أن ممارسة الطفل في سن الخامسة لأعمال عدوانية تعتبر مؤشرا قوي الدلالة على أنه قد يكون منحرفاً في المستقبل .

- التلفظ بكلمات أو بعبارات بذيئة أثناء مخاطبته للآخرين .

كما يتميز الطفل العدواني بـ :

ـ قلة الأصدقاء، والنبذ من الأقران.

ـ الميل إلى الانخراط في شلة المنبوذين .

ـ عدم القدرة على بناء صداقات مع الأقران .

ـ اللجوء إلى الكذب لتبرير تصرفاته .

ـ الشعور بالنقص .

أسباب النزوع للعدوان : تقف وراء السلوك العدواني عند الأطفال عوامل عديدة، ودراسة هذه العوامل يجعل عملية علاجها سهلة، ويجنب المجتمع إفرازاتها الضارة، وأهم هذه العوامل :

1ـ نشأة الطفل في أسرة يميل أفرادها إلى العنف، أو تعيش ظروفاً معيشية قاسية، أو في بيئة يكثر فيها المنحرفون .

2ـ ضعف حنان الأم على طفلها يولد لدية قلقاً نفسياً يتحول إلى سلوك عدواني .

3ـ التأثر بمشاهد العنف التي يراها في المسلسلات وفي أفلام الكرتون التي تتبارى القنوات الفضائية في عرضها للأطفال؛وقد أشارت دراسة قام بها ( سيوك ) 1988م إلى أن مشاهدة أشرطة العنف في التلفاز تزيد من احتمالية ظهور السلوك العدواني لدى الأطفال. إضافة إلى أن كثرة مشاهدة الأطفال لمناظر العنف وسفك الدماء تسلب من أنفسهم الأمن والطمأنينة، وتجعلهم يميلون لاتخاذ مواقف دفاعية ولسان حالهم يقول " إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب".

4ـ تعزيز السلوك العدواني للطفل من قبل الأهل بالابتسامة أو بالألفاظ أو بالتصفيق استحساناً لما بدر منه من نزعة عدوانية باعتبارذلك نوعاً من الرجولة.

5ـ الإحباط بسبب تكرار الفشل، أو عند مصادفة موانع قاهرة تحول بينه وبين تحقيق رغباته .

6ـ القسوة في العقاب، فإن الطفل الذي يتعرض لعقاب قاسٍ من والده أو من معلمة ينزع إلى السلوك العدواني، وتتولد لدية مشاعر عدوانية .

7ـ سوء المعاملة من الوالدين أو المعلمين أو الأقران، مما يجعل الطفل يثور ويحتد لأتفه الأسباب، ويمارس العدوان بالقول أو بالفعل لرد الاعتبار لنفسه .

9- تقليد الأب أو الأم بالممارسات العنيفة، أو بالألفاظ البذيئة التي قد تصدر عنهما .

10ـ الفشل الدراسي،وما قد يترتب عليه من شعور بالنقص، يجعل الطفل ميالاً للعنف من أجل أن يلفت الانتباه لنفسه بممارسة نوع من العدوان .

11ـ الكبت المستمر مما قد يدفع الطفل لتفريغ طاقاته من خلال التحرش بالآخرين، أو بإتلاف الأشياء التي تقع بين يديه .

12ـ سوء التغذية، حيث أشارت دراسة حديثة أجرتها إحدى جامعات ولاية كاليفورنيا ونشرتها مجلة الطب النفسي الأمريكية إلى أنّ نقص الزنك والحديد وفيتامين ب خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عمر الطفل قد يؤدي إلى سلوك عدواني في السنوات اللاحقة .

13- الظروف المعيشية القاسية المتمثلة في الفقر الشديد ،والمسكن غير الملائم .

14- استبداد الأباء وقسوتهم ، فينتقل السلوك العدواني من الأباء إلى أبنائهم .

15ـ ضعف حنان الأم أثناء فترة الرضاعة ، حيث إن إرضاع الطفل من ثدي أمه وملامسة جسمه لجسمها يهبه اطمئنانا نفسياً ،كما أن حنان الأم على أبنها يساعد على اتزان نفسه .

الوقاية خير من العلاج :

تُعّد المظاهر الاجتماعية ثمار التكامل بين مختلف أنماط التربية الثقافية والفكرية والجسدية التي يتربى عليها الطفل ، ليحسن التكيف مع مجتمعه ، فيقوم بدوره الإيجابي في بناء هذا المجتمع ،ويؤدي الخدمات التي تطلب منه بصورة تكفل تقدمه وتطوره .

وتلعب البيئة المنزلية دورا مهما في تنشئة الطفل ؛ حيث إنه يتأثر إلى حد كبير بوالديه وأخوته ، ويقتدي بهم متأثراً بتصرفاتهم ، وهناك عدة عومل تحدد مقدار تأثير الأسرة في الطفل منها :

ـ ثقافة الوالدين وعقيدتهما .

ـ موضع الطفل بين أخوته .

ـ متانة العلاقة العاطفية بين الوالدين .

ـ وفاة أحد الوالدين أو كليهما .

ـ مدى اهتمام أفراد الأسرة بالطفل .

خطوات العلاج :

ـ لفت انتباه الطفل بهدوء إلى أن العدوان سلوك مذموم .

ـ عدم التساهل في تقبل ما يصدر عنه من سلوك غير حميد .

ـ عدم اللجوء إلى الشتم أو الضرب .

ـ عدم اللجوء إلى العقاب اللفظي أو الجسدي إلا بعد استنفاذ جميع الوسائل القائمة على التوجيه والإقناع .

ـ توجيهه لمصاحبة أطفال أسوياء يشعرونه بالحب والقبول .

ـ السماح له بممارسة الهوايات التي يحبها، وخصوصاً الرياضة والرسم واللعب بالحاسوب .

ـ إتاحة الفرصة له للتعبير عن مكنونات نفسه .

وقد يكون من السهولة بمكان التعامل مع هذه المشكلة وذلك للأسباب الآتية : (كاغان 1993)

ـ رغبة الطفل العدواني في أن يكون مقبولاً من الآخرين .

ـ رغبته في التشبه بالأطفال المحبوبين ليكون محبوباً مثلهم .

ـ الخوف من التوبيخ أو العقاب أو النبذ من الآخرين .

ـ الميل للانخراط في المجتمع بتقليد أفعال الآخرين .

ومن الإجراءات العلاجية التي يجدر بالمربين اتباعها :

ـ تأمين مناخ أسري دافئ ،يشعر فيه الطفل بالأمان والاطمئنان .

ـ إيجاد بيئة غنية بالمؤثرات الثقافية والفنية بحيث يكون قادراً على التفكير والتخريب فيصرف طاقته الزائدة فيما يفيد .

ـ العدل في المعاملة وفي توزيع الحوافز .

ـ اجتناب القسوة في العقاب إذا اضطر الوالدان إلى اللجوء إليه .

ـ الاستماع إلى الأطفال ومناقشتهم بقضاياهم، واللعب معهم وتدريبهم على الإنصات واحترام آراء الآخرين وحقوقهم، وعلى التفكير قبل الكلام، والإجابة عن أسئلتهم بصدق وصراحة .

ولعل من أقوى أركان الوقاية من ممارسة الأطفال السلوك العدواني هو الجو الأسري الدافئ الذي يعيش فيه الأطفال، وهذا المناخ التربوي السليم يمكن إيجاده بالممارسات الايجابية الآتية:

1ـ التحاب بين الأب والام يضفي على أطفالهم جواً من الهدوء والشعور بالأمان والاطمئنان فتغشاهم السكينة .

2ـ الاعتدال في معاملة الأطفال بعدل بعيداً عن القسوة المتمثلة في العقاب البدني أو الزجر بالألفاظ البذيئة مما قد يترتب عليه جنوح الطفل إلى التمرد .

3ـ اجتناب التدليل المفسد، أو التسامح الزائد عن الحد ، وعدم تلبيه جميع طلبات الطفل دون مناقشة أو دون تفكر في النتائج، لأن الطفل إذا تربى على ذلك ، فإنه يثور إذا مُنع من الحصول على أي شيء يريده ، أو حيل بينه وبين الإقدام على أيّ فعل تصبو إليه نفسه. وخير وسيلة لتلافي هذا المنحدر في معاملة الأطفال هي أن يكون الوالدان قدوة صالحة لأطفالهم في هدوئهم واتزانهم ، وفي أقوالهم وأفعالهم، وتوجيه الأطفال باستمرار إلى الوسطية في السلوك .

4ـ تجنيب الأطفال رؤية مشاهد العنف؛ حيث إن وسائل الأعلام - سواء كانت مرئية أو مقروءة - تلعب دوراً بارزاً في تشكيل سلوك الطفل، والاستعاضة عن مسلسلات العنف بمسلسلات تربوية تمدّ الأطفال بالقيم وتطبعهم بالسلوك القويم .

5ـ اجتناب النزاعات الأسرية سواء أكانت بين الزوجين أو بين الأشقاء الكبار على مرأى من الأطفال ، لأن هذه النزاعات تؤثر سلباً على سلوك الأطفال ، سواء أكان هذا الأثر مخفياً في اللاشعور، أو ظاهراً بميل الطفل لتقليد ما رأى أو ما سمع لحل مشكلاته مع أشقائه أو مع أقرانه .

6ـ الحرص على أن يظل الجو الأسري في البيت سعيداً دافئاً يفيض بالحب والحنان وبالألفاظ المهذبة التي من شأنها أن تطبع الأطفال بطابع حضاري ؛ فيتعاملون مع الآخرين بطرق مهذبة خالية من العنف والعدوان .

7ـ توفير الأنشطة التي تلائم خصائص نمو الأطفال وتستنفذ طاقاتهم بطرق مفيدة وآمنة كالألعاب الرياضية والعزف والرسم والقراءة والرحلات ومشاركتهم فيها بالفعل، أو بمجرد الإشراف. وكلها ممارسات تعمل على تصريف طاقات الأطفال وتستثمرها فيما يعود عليهم بالنفع .

8ـ تعويد الطفل على العمل في بيئة واسعة نظيفة مرتبة، لأن من شأن ذلك أن يكفل له الهدوء ويحرره من التوتر .

9ـ توفير الغذاء الكامل الغني بما يحتاج إليه الطفل، وهذه القيمة الغذائية قد توجد في المأكولات الرخيصة الثمن كالبيض والعدس، وما شابه ذلك .

10ـ اللجوء إلى المرشد النفسي عند الضرورة، حيث إن هناك برامج تساعد الأطفال على السيطرة على مشاعرهم .

الخاتمة :

وبناء على ما سبق فإن السلوك العدواني يتمخض بشكل رئيس عن جهل الأسرة بأساليب تربية الأطفال وتنشئتهم تنشئة اجتماعية سليمة. وتكتسب التربية الاجتماعية المتوازنة أهميتها من أنها تهدف إلى بناء الإنسان المتوازن نفسياً، والقادر على التعايش والتأقلم مع كافة الظروف والأحوال في المجتمع الذي يعيش فيه، فيكون بذلك مؤهلا لحمل نصيبه من الأعباء التي تترتب على قيامه بدوره في عملية بناء هذا المجتمع وتطويره، فإذا نجحت الأسرة والمدرسة في إيجاد هذا الإنسان القادر على القيام بمجموعة من الأدوار المتكاملة، والملتزم بالقوانين والأعراف، فإنها تكون بذلك قد ساهمت مساهمة فاعلة في بناء مجتمع نظيف .



السلوك العدواني عند الأطفال -أسبابه وطرق علاجه



بواسطة: ناديا آمال شرقي
موسوعة التعليم والتدريب
http://www.edutrapedia.illaf.net/ara...e.thtml?id=633