خطأ شاع في هذا الزمان ألا وهو اعتقاد أن الدراسة وتعلم العلم متعلق بالمدارس والجامعات فقط وأنه متى حصلت على درجة التخرج من كليتك فقد انقطعت علاقتك بالتعليم وبالدراسة.


كلا وألف كلا: ليست هذه الصورة الصحيحة التي علمنا إياها ربنا في كتابه فقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طـه: 114].


ولا التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: 'من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاءً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر' [سنن الترمذي وسنن ابن ماجه وسنن أبي داود وصححه الألباني].


ـ ولا التي حثنا عليها أصحابه، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: 'تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة وهو الأنيس في الوحدة والصاحب في الخلوة'.


ـ بل ولا التي فهمها أصحاب العقول على مدار الزمان. قال المحاضر العالمي والكاتب الأمريكي جيم رون: 'وجود المعرفة أو انعدامها ممكن أن يشكل مصيرنا'.


وقال فرانسيس بيكون: 'المعرفة هي قوة في حد ذاتها'.


ـ إن المعرفة هي القوة وبمقدار المعرفة التي لديك ستكون مبدعًا وستكون لديك فرصة أكثر لتصبح سعيدًا وناجحًا.


وهذا أول ما نريد أن نخرج به من هذه الحلقة، ألا وهو عليك أن تستمر دائمًا في التعلم وفي الدراسة. فالدراسة المنتظمة والفعالة ستوفر لك أحد متع الحياة، وهي التراكم المستمر لمعلوماتك وزيادة مهاراتك مما سيرفع من قيمتك ويرفع ثقتك في نفسك, ويمكننا القول أن القليل من الدراسة المنتظمة يماثل القليل من الرياضة المنتظمة.


وبعد أن اجتزنا العقبة الأولى 'عقبة توقف التعلم' تقابلنا الآن عقبة أخرى إنها عقبة 'عدم الفاعلية في التعلم' فمن المدهش أن تعلم أن نسبة الطلبة الذين يتقنون الدراسة بفاعلية قليلة جدًا, وحتى نجتاز هذه العقبة فأمامك أربعة أسس للدراسة الفعالة احفظها جيدًا، وحاول أن تنفذها بقدر إمكانك فهي المخرج من هذه العقبة بإذن الله.


أسس الدراسة الفعالة:


الأساس الأول: اجعل البداية سهلة:


مشكلة تواجهنا جميعًا مشكلة عدم القدرة على بدء العمل في موعده المحدد له. قد يكون ذلك بسبب أننا نجد صعوبة عند البدء في العمل أو لأننا ننشغل بأمور أخرى قبل البدء في العمل مباشرة كقراءة الصحف أو عمل مكالمات هاتفية أو غير ذلك، ولكن عليك أن تعلم أن الفارق الوحيد بين الطلبة الناجحين والفاشلين هو القدرة على البدء في العمل.


ولكي تبدأ في العمل عليك أن تهون الأمور على نفسك بأكبر قدر ممكن تمامًا مثل تسخين محرك السيارة في الصباح لتسير بعد ذلك في نعومة ويسر.


وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين ثم ليطول بعد ما شاء' [ضعيف، والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة].


هذا الحديث يدل على مشروعية افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين لينشط بهما لما بعدهما' [عون المعبود شرح سنن أبي داود].


وليسهل عليك التنفيذ فإليك خمسة طرق تساعدك على البدء في العمل.


1ـ اصنع مناخًا مناسبًا للعمل:


إن أكثر الأشياء إحباطًا في مكان استذكارك هو أن تنظر حولك وتشعر أن المكان يبعث فيك الكآبة، فحاول أن تخصص مكانًا معينًا سواء حجرة أو جزءًا منها للعمل واجعل من هذا المكان جوًا جذابًا بطريقتك الخاصة.


2ـ ضع قائمة مسبقة بالمهام المطلوبة:


ولا تكن مفرطًا في طموحك وحدد لنفسك أهدافًا معينة يمكنك إنجازها بالفعل في الوقت المناسب ثم قم بأي عمل إضافي إذا كان هناك متسعًا من الوقت لذلك.


3ـ ضع فوائد الدراسة نصب عينيك:


وهذا مهم للغاية خاصة في المهام الكبيرة، وإلا سيفتر حماسك المبدئي وقد لا تستجمع قواك لتبدأ هذه المهمة. حاول أن تكتب فوائد هذا العمل وتذكرها جيدًا هذا من شأنه أن يولد في نفسك الرغبة ومن ثم الدافع للعمل. يقول دنيس ويتلي: 'تتحكم قوة رغباتنا في دوافعنا وبالتالي في تصرفاتنا'.


4ـ اترك مناخ عملك جذابًا للمرة التالية:


استغل الدقائق الأخيرة في فترة العمل في ترتيب المكان والاستعداد للمرة القادمة، هذا سيسهل عليك البداية مرة أخرى, وهو أفضل توقيت للتخطيط مقدمًا لما ستفعله فيما بعد.


5ـ ابدأ بطاعة الله:


كأن تسمي الله وتحمد الله ـ تعالى ـ وتصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقرأ قليلاً من القرآن، وتستغفر الله جل وعلا، وإن شئت أن تتصدق فتصدق، فالإنسان ضعيف بنفسه قوي بالله، والطاعة تجلب لك عون الله ونصرته.


قال ابن عباس رضي الله عنهما: 'إن للحسنة ضياء في الوجه ونورًا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق'.


هذه خمسة طرق تسهل عليك البداية والآن لننتقل معًا إلى الأساس الثاني من أسس الدراسة الفعالة:


الأساس الثاني: الشعور بالسعادة أثناء العمل:


ذُكر في مقالة في مجلة 'ريدرز دايجيست' تقرير يفيد بأن هناك شخصًا من بين كل اثنين لا يحب العمل الذي يقوم به!! هل تتخيل ذلك؟


إن سببًا أساسيًا في نجاحك في عملك هو حبك لهذا العمل وشعورك بالسعادة وأنت تؤديه، وحتى يكون كلامنا أقرب للتطبيق فإليك ثلاثة طرق تساعدك على الشعور بالسعادة أثناء العمل.


1ـ اعمل في أفضل أوقات يومك:


هناك من يعملون أفضل أو بطريقة أكثر سهولة في أوقات معينة من اليوم أكثر من غيرها، فلو كانت لديك بعض الأفضليات فحاول أن تعمل فيها.


2ـ الدراسة في أوقات قصيرة:


يصعب التهام قالب شيكولاتة كبير مرة واحدة، ولكن إذا نظرت إلى علبة الشيكولاتة ستجد أنها مقسمة إلى قطع صغيرة. فحاول أن تقسم عملك إلى أهداف صغيرة تنجزها خلال فترات قصيرة تتخللها استراحات متتالية.


3ـ إخلاص العمل لله:


فالأصل أن أي عمل يعمله المسلم هو عبادة لله، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].


وللإخلاص طعم جميل لا يعرفه إلا من ذاقه، هذا الطعم يجعلك تشعر بلذة وراحة وأنت تعمل العمل. قال أحد السلف: 'لو يعلم أبناء الملوك والملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف'.


فهذه ثلاثة طرق للشعور بالسعادة أثناء العمل.


والآن مع الأساس الثالث من أسس الدراسة الفعالة:


الأساس الثالث: التخطيط والتنظيم:


وحتى ينتظم كلامنا فإليك ثلاثة طرق لذلك:


1ـ تقسيم المشروعات الكبيرة إلى شرائح:


ضع لنفسك مهامًا صغيرة تستطيع القيام بها حتى ينتهي بك الأمر في النهاية إلى إنجاز المهمة الكبرى ككل..


2ـ استكمل المشروع أولاً:


قد يكون مغريًا أن تترك المشروع الحالي للبدء في واحد جديد أكثر إثارة منه حتى يتراكم عليك على مدار سنوات عدد من المشروعات الغير مكتملة ولذلك إذا أردت أن تبدأ في مشروع جديد إما أن تكون مستعدًا لاستكمال مشاريعك جميعًا أو انته من المشروع القديم أولاً ثم ابدأ في الجديد.


3ـ الدراسة مع وجود هدف في العقل:


معظم الناس يقرءون الكتب من الجلدة إلى الجلدة وسطر سطر رغم أن ذلك ليس هو الأسلوب الأمثل لمعظم الأغراض الدراسية لأن هذا يفقدك التركيز ويضيع الكثير من الوقت فعندما تذاكر فكر بطريقة قراءة الصحف أي التغليب والاختيار والقراءة لبعض المقالات، والتركيز على بعضها وتجاهل البعض الآخر، اختر ما تقرأ واختر الكم الذي تقرؤه، وفي أثناء هذا الاختيار ضع الهدف أمامك: ما هو الهدف الذي تريد الحصول عليه من هذه القراءة أو الدراسة؟


فهذه ثلاثة طرق هي أساس التخطيط والتنظيم. والآن إلى الأساس الرابع من أسس الدراسة الفعالة:


الأساس الرابع: الانتهاء من مرحلة الدراسة:


وإليك ثلاثة طرق تنهي لك هذا الأساس:


1ـ احفظ عملك بطريقة تسهل عليك الوصول إليه:


إن المفتاح إلى تفادي ضياع الوقت هو أن تحدد أماكن تحتفظ فيها بملحوظاتك وبما استخلصته من العمل، وعندما تنتهي من عملك حاول أن تعيد أدوات العمل من كتب وأقلام وغيرها إلى أماكنها حتى لا تختلط بغيرها من الأشياء مما يسبب فوضى.


2ـ كافئ نفسك عن كل فترة مذاكرة:


والمبدأ البسيط في ذلك هو أنك تستمتع بعمل الأشياء أكثر إن كانت هناك مكافأة على ذلك فهذا سيدفعك للرغبة في تكرارها.


إن مفتاح النجاح في العمل أن تجعل المكافآت بسيطة وفورية اجعل لنفسك مكافأة إذا انتهيت من عملك هذا يساعدك على العمل، على العكس إذا انتهيت من المتعة قبل بداية العمل يصعب عليك العمل بعد ذلك.


3ـ شكر الله على الانتهاء من العمل:


فهو الذي أعان وهو الذي يسّر الأمور أحق من شُكر وأجود من سُئل سبحانه.


قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، اشكر الله واحمد الله يزدك من فضله ويبارك لك في عملك.


هذه هي أسس الدراسة الفعالة المؤدية إلى العلم النافع والمعرفة الصحيحة وبقي الجد والاجتهاد والعمل وكما قيل:


'خير من القول فاعله، وخير من الصواب قائله وخير من العلم حامله'.


بدون تفاصيل: أسس الدراسة الفعالة:


[1] اجعل البداية سهلة


1ـ اصنع مناخًا مناسبًا للعمل.


2ـ ضع قائمة مسبقة للمهام المطلوبة.


3ـ ضع فوائد الدراسة نصب عينيك.


4ـ اترك مناخ العمل جذابًا للمرة التالية.


5ـ ابدأ بطاعة الله.


[2] الشعور بالسعادة أثناء العمل


1ـ اعمل في أفضل أوقات يومك.


2ـ الدراسة في أوقات قصيرة.


3ـ إخلاص العمل لله.


[3] التخطيط والتنظيم


1ـ تقسيم المشروعات الكبيرة إلى شرائح.


2ـ استكمل المشروع أولاً.


3ـ الدراسة مع وجود هدف في العقل.


[4] الانتهاء من مرحلة الدراسة


1ـ احفظ عملك بطريقة تسهل عليك الوصول إليه.


2ـ كافئ نفسك عن كل فترة مذاكرة.


3ـ شكر الله على الانتهاء من العمل.