وللمربي النَّاجحِ خصائصٌ لابدَّ منْ توافرِها حتى يبلِّغَ رسالتَه على الوجهِ الأكمل؛ وتشملُ هذهِ الخصائصُ جوانبَ معرفيةٍ وأخرى مهاريةٍ ووجدانيةٍ وشخصية؛ وسوفَ نتحدَّثُ عنْ ثقافةِ المربي وكيفيةِ بنائِها ذاتياً لأهميتِها وتأثيرِها في خصائصِ وصفاتِ المربي([2]).

مَنْ هو المربي؟
هو مَنْ يُربي الأجيالَ على الفضائلِ ويوجِهُها نحوَ إصلاحِ النَّفسِ والمجتمعِ وخدمةِ الأهلِ والبلادِ والأمَّةِ ونصرةِ قضاياها في الدُّنيا بُغيةَ الفوزِ بالجنَّةِ ورضا الرحمن، والتعريفُ يشملُ الرجالَ والنِّساء.


ما هيَ الثقافة؟
هي العلومُ والمعارفُ والمهاراتُ والسلوكياتُ التي يجبُ أنْ تكونَ متوافرةً في المربي وماثلةً في شخصيتِه بقدرٍ يكفي لأداءِ الرسالةِ التربويةِ بوعيٍ وتميز.
أوْ هيَ مجموعُ المنظوماتِ العقديةِ والأخلاقيةِ والاجتماعيةِ والعاداتِ والتقاليدِ وأساليبِ العيشِ التي تؤثرُ في شخصيةِ المربي وطريقةِ تعاملِه التربوي.

أينَ يوجدُ المربي؟
يوجدُ المربي في البيتِ أباً أوْ أماً أوْ غيرَهما؛ وقدْ يكونُ في المدرسةِ أستاذاً أوْ مديراً أوْ مشرفاً؛ ولا يغيبُ المربي عنْ المسجدِ عالماً أوْ إماماً أوْ مؤذناً أوْ مُقرِئاً وربما تجدْه في النَّادي مدرباً وفي المركزِ الاجتماعي مسؤولاً وفي مكانِ العملِ زميلاً. والأصلُ أنَّ المربي لهُ أمكنةٌ أساسيةٌ وأخرى فرعية؛ ومَنْ كثُرتْ دروبُه عمَّ نفعُه واستحالَ حصارُه أوْ كاد.


أسبابٌ جعلتْ وجودَ المربي المثقفِ أكثرَ أهميةً منْ ذي قبل:
o قصورُ أثرِ الأسرةِ وانشغالهُا أحياناً أوْ إهمالهُا.
o كثرةُ قنواتِ التوجيهِ السلبي المدارةِ بكفارٍ أوْ منافقينَ أوْ فُساق.
o وجودُ ( مربين ) على مناهجَ سيئةٍ كالتربيةِ على الإرجاءِ أوْ التربيةِ على الغلو.
o لا يعيشُ الإنسانُ وحيداً ولوْ جَهِدَ أهلُه في سبيلِ الحجرِ عليهِ فلا مناصَ منْ تأثرِه.


سرُّ نجاحِ العمليةِ التربوية:
حتى تنجحَ عمليةُ التربيةِ ويكونَ لها مخرجاتٌ مباركةٌ وثمارٌ يانعةٌ لابدَّ منْ مُدخلاتٍ ذاتِ قيمةٍ هيَ:
o المربي الناضجُ الصادقُ المثقف.
o البيئةُ الإيجابية.
o المنهجُ الملائمُ المتجدِّدُ في وسائله.
o الأفرادُ الذين لديهِم قابليةٌ واستعداد .
ولا يكونُ المربي ناجحاً ما لمْ يعِشْ حياةً متوازنةً بنفسٍ طَلِعَةٍ لكلِّ خيرٍ مستعدَّةٍ للتضحيةِ والبذلِ صابرةٍ على طولِ الطريقِ ومشقةِ معالجةِ النُّفوسِ رجاءَ الثوابِ منْ الله.

مكوناتُ ثقافةِ المربي :
أولاً: ثقافةٌ أساسية:
وتشملُ الثقافةَ الدينيةَ والعلومَ الشرعية؛ ومعرفةَ تاريخِ الأمَّةِ الإسلاميةِ وعواملَ نصرِها وأسبابِ نكوصِها؛ وختامُها إلمامٌ مناسبٌ بلغةِ العربِ وآدابِهم وأيامِهم وأمثَالِهم.
ثانياً: ثقافةٌ تربوية:
وهيَ ما يحتاجُه المربي لأداءِ مهمتِه منْ ثقافةٍ تربويةٍ ونفسيةٍ واجتماعية، وكمْ هوَ نفيسٌ استنباطُ الفوائدِ التربويةِ منْ نصوصِ الوحيينِ الشريفينِ والسيرةِ العطرةِ ودراسةُ تجاربِ المربينَ عبرَ التاريخ.
ثالثاً: ثقافةٌ عامَّة:
وهيَ المعارفُ والعلومُ التي تزيدُ منْ الحصيلةِ الثقافيةِ والفكريةِ للمربي وتكونُ عوناً لهُ في كمالِ تربيتِه.

أهميةُ الثقافةِ للمربي:
o التماسكُ العقديُّ والفكريُّ إذْ أنَّ ابتعادَ المرءِ عنْ الثقافةِ بمنهجيتِها السليمةِ يجعلُ تغييرَ مسلماتِه منالاً قريباً.
o التجدُّدُ المعرفيُّ الذي ينعكسُ على جميعِ الجوانبِ الشخصيةِ للمربي وعلى وظيفتِه التربوية.
o في الثقافةِ إضاءةُ الروحِ واستبصارُ دروبِ الحياة.
o الحفاظُ على الحقائقِ منْ العابثينَ والمستخفينَ بها .
o العزلةُ والانقطاعُ الثقافيُّ يصيبانِ المربي بالوهنِ ويسلمانِه للخرافةِ فيكونُ موقفُه الدفاعَ فقطْ في زمنِ الهجومِ المتوالي!
o التحفيزُ على العملِ المتواصلِ المثمرِ والجديةُ في التعاملِ معْ الزَّمن.
o تجويدُ القريحةِ وتحسينُ التفكيرِ وإصلاحُ اللسانِ وتقويمُ السلوكِ وعُذوبةُ المعشر.


كيفَ يبني المربي هذهِ الثقافة؟
o القراءةُ في كتبِ التربيةِ وعلمِ النَّفسِ وعلمِ الاجتماع.
o القراءةُ العامَّةُ في شتى المعارفِ والفنونِ والعلوم.
o حضورُ درسٍ علمي دوري على الأقل.
o الانتظامُ في درسٍ تربوي علمي.
o الاستماعُ إلى المحاضراتِ التربوية.
o مشاهدةُ البرامجِ التربويةِ المباشرةِ أوْ المسجلة .
o المشاركةُ في البرامجِ التدريبيةِ الخاصَّةِ بالتربية.
o الانضمامُ لعضويةِ الجمعياتِ العلميةِ؛ وإنْ كانتْ غيرَ موجودةٍ فيا حبَّذَا لوْ نفرَ لهَا طائفةٌ منْ المربينَ والتربويينَ تأسيساً وتسجيلاً.
o متابعةُ الدورياتِ المتخصصةِ وغالبُها نشاطٌ منبثقٌ عنْ الجمعياتِ والنقابات.
o حضورُ الملتقياتِ التربوية.
o اللقاءُ معْ المربينَ وأساتيذِ التربيةِ والاجتماعِ والنفسِ والإفادةُ منهم.
o العيشُ معْ سيرِ المربينَ وتجارِبِهم في تاريخِنا العَطِرِ واستلهامُ العبرِ منها حفزاً للهمَّة، وتسليةً أمامَ المواجهة.
o المشاركةُ في ورشِ العملِ وحلْقاتِ النِّقاشِ حولَ التربيةِ وقضاياها.
o متابعةُ الانترنت والمواقعِ التربويةِ أوْ الزوايا التربويةِ في المواقعِ العامَّة.
o حضورُ المنتدياتِ التي تُعنى بالقضايا التربوية؛ وإنْ كانتْ غيرَ قائمةٍ ففي همَّةِ المربينَ أملٌ كبيرٌ للبداياتِ المشرقة.
o التفاعلُ معْ الساحةِ الثقافيةِ متابعةً ومشاركة.
o التواصلُ معْ الأنديةِ الأدبيةِ والمنتدياتِ العلميةِ والفكريةِ والتاريخيةِ وحضورُ بعضِ أنشطتِها.
o اقتناصُ أيِّ فرصةٍ متاحةٍ لمزيدٍ من الثقافةِ والعلمِ والفكر.


متطلباتٌ لنجاحِ التحصيلِ الثقافي للمربي:
o وضوحُ الغايةِ والتخطيطُ لبلوغِها.
o الشموليةُ والتدَّرج.
o الاستعدادُ النَّفسي والذهني والبيئي.
o الاستمرارُ والاجتهادُ وتحييدُ العوائق.
o الإيجابيةُ والفاعلية.
o المتابعةُ والتقويم.

مسائلٌ مهمةٌ يحسنُ بالمربي إدراكَها في مسيرتِه الثقافية:
o بناءُ الثقافةِ مسؤوليةُ المربي بالدرجةِ الرئيسة.
o أهميةُ التجديدِ فلكلِّ جيلٍ عالمهُ الخاصِّ بخيرِه وشرِه.
o لا تنازلَ عنْ الثوابتِ البتةَ وفي غيرِها سَعَةٌ بعدَ النظرِ والمشاورة.
o أهميةُ محاسبةِ النَّفسِ فترةً بعدَ أخرى ومراجعةِ نتائجِ عملِها التربوي؛ فالمراجعةُ تكشفُ جوانبَ القصورِ والتميزِ.
o ضرورةُ توثيقِ التجارِبِ النَّاجحةِ التي عاشَها المربي أوْ سمعَ عنها.
o الاستفادةُ منْ القدواتِ المعاصرةِ في الأعمالِ التربوية.

عقباتٌ تقفُ دونَ بناءِ الثقافة : o
اعتمادُ المربي على التلقي فقطْ وانتظارُ التثقيفِ منْ الآخرينَ بلا عناءٍ في البحث.
o الانهماكُ في الممارسةِ التربويةِ ونسيانِ المراجعةِ و التطوير.
o الركونُ للخبرةِ فقط.
o الاكتفاءُ بتقليدِ القدواتِ منْ غيرِ نقدٍ أوْ تمحيص.
o قلةُ الكتبِ المتخصصةِ بالتربيةِ المتوازنةِ أوْ المنطلقةِ منْ محاضنَ أسريةٍ أوْ تعليميةٍ أوْ دعويةٍ وخلوُّ بعضِ أسواقِ المعرفةِ منها؛ علماً أنَّ قسماً منْ المتاحِ قدْ لا يسلمْ منْ ملاحظات.
o كثرةُ الكتبِ التربويةِ المترجمةِ أوْ المعتمدةِ على التراثِ التربوي الغربي فقط.
o ندرةُ البرامجِ التربويةِ سواءً في الجامعاتِ أوْ معاهدِ التدريب([3]).
o التجاربُ التربويةُ حبيسةُ الصدورِ؛ وللصدورِ قبور.
o الهجمةُ الأفَّاكةُ على المحاضنِ التربويةِ وعلى المربينَ وكيلُ التهمِ الجزافيةِ لهم.
o إهمالُ بعضِ الثقافاتِ مثل: الإدارة، وعلم النفس، والاتصال.
o الخوفُ منْ التجديدِ وتقديسُ القديمِ منْ الوسائل.
o الاتكاءُ على المواهبِ والقدراتِ الذاتية.
o ضعفُ التواصلِ معْ الآخرينَ واقتباسِ خبراتِهم النَّافعة.
o ضمورُ حبِّ القراءةِ وانقطاعُ العلاقةِ معْ سوقِ الكتابِ أوْ فتُورها.
o همومُ الحياةِ وصوارفُها.
o الاحتباسُ حتى النفادِ فأيُّ معلومةٍ تبقى حبيسةَ ذهنِ صاحبِها جديرةٌ بأنْ تأكلُها أرضةُ النِّسيان.
o غيابُ منهجيةِ التحصيلِ إنْ بالعشوائيةِ, أوْ بالتنقلِ قبلَ التمام.


ثقافاتٌ مهمةٌ يتبنَّاها المربي المؤثر:
o العنايةُ بالأصولِ الشرعية.
o تخريجُ القادةِ لا مجرَّدَ أتباعٍ ومستهلكين.
o قبولُ الاختلافِ السائغِ والترحيبُ به.
o حتميةُ التجديدِ والمراجعة.
o الرضا ببروزِ التلميذِ على شيخه.
o البحثُ عنْ الأثرِ البعيدِ والمستمر.
o تحريكُ العقولِ ومخاطبتُها.
o الشراكةُ التربويةُ معْ المتربي وعائلتِه والمجتمعِ بقطاعاتِه.
o تقديرُ التميزِ وتوظيفِه.
o بناءُ شخصيةِ المتربي بتوازنٍ بينَ جوانبِها المختلفة.
o التعلمُ الذاتيُّ للمربي والمتربي.
o تقريبُ المعلومةِ ونشرُها بلا تعقيد.
o قيادةُ التغييرِ الإيجابي.
o الترحيبُ بالمبادراتِ الإبداعيةِ النَّافعة.
o احترامُ الخصوصيات.
o مراعاةُ اختلافِ الاهتمامات.
o فكرةٌ صحيحةٌ ولوْ معْ علمٍ قليلٍ خيرٌ منْ فكرةٍ خاطئةٍ ولوْ معْ علمٍ غزير([4]).


آفاقٌ مستقبليةٌ ينبغي للمربي المثقفِ العنايةُ بها:
o جعلُ التربيةِ همَّاً عامَّاً يشتركُ الجميعُ في تقديرِ أهميتِه وحملِه والدِّفاعِ عنه.
o نقلُ ثقافةِ التربيةِ للمسجدِ والحيِّ والأسرةِ وملتقياتِ العائلةِ والنَّادي الرياضيِّ والمركزِ الاجتماعيِّ وغالبِ مؤسساتِ المجتمع.
o بناءُ منهجٍ تربويٍّ للمرأةِ والرجلِ والطفل.
o العنايةُ بالرسالةِ التربويةِ للطفلِ قبلَ أنْ تفسدَ فطرتُه.
o بذلُ الجهودِ واستفراغُها لتربيةِ الفتاة.
o التعاونُ معْ الجهاتِ الحكوميةِ لتبني المشروعاتِ التربوية.
o التواصلُ معْ إداراتِ المسؤوليةِ الاجتماعيةِ في القطاعِ الخاصِّ لدعمِ البرامجِ والأفكارِ التربوية.
o التنسيقُ معْ قطاعاتِ العملِ الخيريِّ والقطاعاتِ غيرِ الربحيةِ في الدراساتِ والأبحاث.
o ممارسةُ التربيةِ بحرَفيةٍ في بيئاتٍ مفتوحةٍ ومساراتٍ جديدة.
o استثمارُ الانترنت وقنواتُ الفضاء.
o توثيقُ التجارِبِ المميزةِ وتعميمُها.
o إنشاءُ كلياتٍ خاصةٍ بالتربيةِ وتخريجِ المربين.
o التأليفُ وكتابةُ المقالاتِ والبحوثِ حولَ التربيةِ بمرجعيةٍ شرعية.
o قيامُ دوراتٍ تربويةٍ مُحكمةٍ على غرارِ الدوراتِ العلميةِ والبرامجِ التدريبية.
o العنايةُ بعائلةِ المتربي.
o الاهتمامُ بالشؤونِ العامَّة للمتربي.

إنَّ التربيةَ تحتاجُ منًّا إلى الحبِّ العميقِ الصادقِ للنَّاسِ ولوْ لمْ يتبعونَا منْ فورهِم أوْ يُلهبُوا أيديَهم بحرارةِ التصفيقِ وتكرارِ التلويح؛ فأهلُ الحقِّ أرحمُ الخلقِ بالخلق؛ وحريٌّ بالمربينَ أنْ يكونوا أكثرَ النَّاسِ إيماناً وصبراً وحزماً دونَ تغييبِ المعاني اللطيفةِ الكريمةِ منْ اللينِ والسهولةِ والبسمةِ الدائمةِ والرفقِ بالمجتمعِ والمتربين ليكونَ المنتجُ التربويُّ ممَّا ينفعُ النَّاسَ ويمكثُ في الأرض خاصّةً أنَّ التربيةَ بوابةٌ كبرى للإصلاح.