نشعر كثيراً في تربيتنا وتوجيهنا أننا نحتاج لبيان الأخطاء والانتقاد، وربما اللوم والعتاب، وقد يتطور الأمر للعقوبة، وكل ذلك – حين يكون في إطاره الطبيعي - ليس مجالاً للنقاش.
ومنشأ الإشكال: إنما هو في اتساع مساحة الانتقاد واللوم على حساب غيره، فالنفس تحتاج للثناء والتشجيع، وتحتاج للشعور بالنجاح والإنجاز، كما أنها تحتاج للنقد والتسديد، لكن ما يأخذه النقد واللوم من واقعنا أكثر بكثير مما يأخذه الجانب الآخر.
ومن يتأمل هدي النبي صلى الله عليه و سلم يجد أنه يثني على أصحابه في مواقف عدة ومنها:
قوله صلى الله عليه و سلم لأشج عبدالقيس: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة". [رواه مسلم 18].
وقوله لأبي هريرة رضي الله عنه: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث..." . [رواه البخاري 99].
وقال أيضاً: "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة". [رواه مسلم 1807].
وقال لابن مسعود رضي الله عنه: "إنك غلام معلم". [رواه أحمد 3587].
ومن نظر في أبواب المناقب رأى الكثير في ذلك.
إن الثناء يُشعِر الشخص بالرضا والإنجاز، ويزيد من ثقته بنفسه، والمربُّون اليوم أحوج ما يكونون إلى غرس الثقة بالنفس، والشعور بالقدرة على الإنجاز في ظل جيل يعاني من الإحباط، وتسبق هواجس الفشل تفكيره في أي خطوة يخطوها، أو مشروع يقدمه. في حين أن النقد واللوم يسهم في تكريس الشعور بالفشل والإحباط ونموه في النفس، ويضيفه صاحبه إلى تجاربه الفاشلة. والثناء وسيلة غير مباشرة لإثارة تطلع الآخرين وحماستهم للتأسي بالمُثْنَى عليه والاقتداء به، وإبرازه مثلاً حياً مشاهَداً أمامهم، لذا فحين قَدِم طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم محتاجين للنفقة، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لذلك، فتصدق رجل بِصُرَّة كادت يده أن تعجز عنها، فتتابع الناس بعد ذلك، حينها قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". [رواه مسلم 1017].
وحتى يؤدي الثناء دوره دون إفراط: فلابد من الاعتدال، فالمبالغة فيه تفقده قيمته، وتشعر من يسمعه بأنه ثناء غير صادق ولا جادّ. وهو مذموم حين يوجه لمن لا يستحقه، أو لمن يخشى عليه العجب والغرور، بل يستحق من يطلقه حينئذ أن يُحْثَى التراب في وجهه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب". [رواه مسلم 3002]. ولهذا امتنع صلى الله عليه وسلم عن بيان بعض منزلة قريش، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: "لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بمالها عند الله عز وجل". [رواه أحمد 24721].