تعتبر المكتبة فضاء خصبا للعلم والمعرفة ، فهي معتقل الباحثين رغم اختلاف مستــوياتهـــــــم العلمية والعمرية ؛ إنها بالكاد خزان الثقافة التي لاغنى لطالب العلم عنه تلميذا كان أو طالــــــبـــا أو باحثا ، غــير أن المكتــبة رهـــــــينة بوجود الكـــتـــاب والقارئ فلا معنى لـــها فــي غياب أحد الطرفين السلفي الذكر، وبما أننا نـــقـــصد في هذه المداخلة التــلميذ، فـبالـــضرورة ســنتحدث عن الكــــتاب المدرسي الـــذي هو من أبجــديات المكتبة المدرسية . فما هـــــي إذن المكتبة ؟ وما هو الكــــتـــاب والكتاب المدرسي ؟ و ما وظائـــف الكتاب المدرسي ؟ ثم ما ملامح أهمـــــية المكتـــبة / الكتاب في تكوين شخصية
التلميذ ؟ .

1– مفهوم المكتبة:


المكتبة هي ذلك الفضاء الذي يعج بالكتب وبالعلم ،إنها محراب العلم والثقافة والمعرفة.فضاء من بين أهدافه تكوين العـــقول والشخصيات ( شخصية التلميذ ...) ؛ هذا التلميذ الذي ولــد على الفطرة (صفحة بيضاء ) فتلقى عناية وتربية ساهمت فيها مؤسسات شتى (الروض،المــدرسة ، الوالدان ...) خاصة الأم التي تعد مدرسة إذا أعددتــها أعـددت شعبا متكاملا قادرا على مواجهـة الحــياة ومواكـــبة التطورات بحنكة كبيرة . كل هذه المؤسسات تترك آثارها على شخصية التلــميذ طيلة حياته ، ومن بين المدارس التي تحضر في سياق تكوين التلميذ المكتبة (مدرســـية – عامة ..) فهــي جهاز قائم بـــذاتــه
له خصوصياته ( . مؤطروه . ضوابطه . قانونه الداخلي وغيرها ) في هذا الفضاء يجد الطالـــــــب /التلميذ /الباحث العلم والمعرفـــة والثقافة . إن التنقيب و البحث عن المعــرفة المحشوة في بواطــــــن الكتب المتنوعة ( أدب.تاريخ. علم اجتماع .فلسفة ...) والتمعن فيها هو ما يكسب التلـــميذ القدرة على معرفة الذات و معرفة الآخر ، وبالـــــــتالــي محاولــــة تجنب الخطأ إلى الصواب ، وتحسين موقـــف الذات من الأشياء ، بمعنى أن التلــمـــيذ يصبح مشحـــــونا بوعي يسير وفقه في فعل الأشياء ولا يركن إلى الجاهز منها .
فالمكتبة إذن إطار منظم يوفر ظروف التعامل مع الكتاب و الكتاب المدرسـي الذي له ادوار طلائعية يعود نفعها على الإنسان في مجريات حياته.


2- مفهوم الكتاب

عرف الكتاب بتعريفات شتى,منها ما هو موضوعي أي تعريف خارج الأحاسيس و العواطف، وهــــناك تعريف ذاتي يرتبط بالعلاقات الحميمة التي تربط الشخص الشغوف بالكتاب المحب للمعرفة عن طريقه.وإن خيرت بيـــــن الأمرين اخترت التعريف الذاتي الذي سنتبينه من خلال المعاشرة الوجدانية للكتاب عند الجاحظ (ت255هـ)،هــــــذا الرجل بفضل ملازمةاللكتاب أصبح موسوعة علمية فذة،حيث كان يكتري حوانــــــــيت الوراقين ويقرأ فيها حـــــتى الصباح.فكيف لا يعشق الكتاب ويتمثل فيه كل شيء,يقول: \"الكتاب نعم الدخرة والعدة ، ونعم الجليس والعمدة ونـــعم الجليس ساعة الوحدة،ونعم القرين والدخيل ، ونعم الوزير و التنزيل .هو وعاء مـــليء علما،وظرف حوشي ظرفا، وإناء شحن مزحا وجدا (...) وإن شئت ضحكت من نوادره ، وإن شئت عجبت من غرائب فوائده ، وإن شئت ألهتك نوادره ، وإن شئت شجتك مواعظه ..) .
فالكتاب هو الجليس الطيب ساعة الوحدة ، وهو وعاء العـــــلم الـــذي يمكن للإنســان أن يضحك بــــــواسطة ما يتضمنه من نوادر وملح ، بل ويعجب من غرائبه أيضا، وفـــــضلا عن هذا وذاك، فالكتاب يحفـــــظ العـــــــلـم من الضياع . يقول :\" و لولا الكتب المدونة، والأخبار المخلدة ،والحكم المخــــطوطة، لبطل أكثر العلم ، ولـــــــغــــلب
سلطان النسيان سلطان الذكر، فالكتاب هو الذي قيد على الناس كتب علم الدين و حساب الدواوين مع خـــفة نقله و حجمه ، صامت إذا أسكنته وبليغ إذا استنطقت إن شئت جعل زيارته غبا ، وان شئت لزمك لزوم ظلك ، فكان منك بعضك\" .
إذا كان الكتاب يحظى بهــذه المكانة في النفوس التي جعـــلته تاجا فوقها ، فإن الكتاب المدرسي لا يــقل أهمية عنه ، بيد أن الأهداف المسطرة من وراء إنشـــائه تفرض تعريفه بموضوعية بحسب ما يتضمــــنه مــن محتـــــويات محكومة بما هو ديداكتيكي وبيداغوجي. فما هو الكتاب المدرسي وما أهميته؟

3- مفهوم الكتاب المدرسي :


تكاد تتفق أغلب التحديدات التي وضعت للكـــتاب المدرسي على أنه الوعاء الـــــذي يشـــــتمل على المـــادة التعليمية التعلمية لذلك اعتبر وسيلة تعليمية تنتـــــظم فيه معطيات معرفية وقــع اصطـــفاؤها وتنظيمها وتبويـــبها وعرضها للتعليم والتعلم . غير أن تلك التعريفات لا تتفق على اسم واحد للكتاب
المدرسي ، إذ نجد بعـــضـــها يطلق عليه لفظ ( المنهج ) والبعض الآخر يسميه ( المنهاج ) ، وفضلا عن هذا وذاك فقد رأى أحد الباحثين أنه تشريع . يقول: \" المنهج الدراسي نوع من التشريع ، يقصد به تنظيم العملية التعليمية وتوجيهها نحو الأغراض القوميـــــــة المنشودة\" ومن الباحثين من يعتبر تلك الوثائق المطبوعة المعتمدة في التعليم دون أن يحدد طبـــيعتها ومضامينها،
وهذا التعريف نجده عند الباحث DECORTE) ( ديكورت ، بحيث يرى أن الكتاب المدرسي هو كل الوثائق المطبــــــوعة والمستعملة بما فيها كتب التمارين والتطبيقات ، وكتب القراءة والكتب المقررة والجذاذات وغيرها .
أما ( DELANCHURE ( دولانشر فيذهب إلى أن الكتاب المدرسي \" مؤلف ديداكتيكي أعد من أجل تعــــــلم معارف ومهارات حددها برنامج تعليمي في شكل محتوى مادة من المواد الدراسية ، وهذه المعارف مقــــدمة بكيفية تمكن الفئة المستهدفة من تتبعها \" . لكن ملودي حبيدو يعتبر الكتاب المدرسي مجموعة من الخبرات التربــــــوية والثقافية و الاجتماعية والرياضية و الفنية التي تهيؤها المدرسة لــــطلابها داخـــــــــل المدرسة أو خارجها يقـــصد مساعدتهم على النمو الشامل و تعديل سلوكهم .

4 - وظائف الكتاب المدرسي :

سأكون متسرعا إن أقدمت على سرد وظائف الكتاب المدرسي من دون أن أشير إلى الخلفية الأساسية التي تكمن وراء وضعه ، وسأوضحها من الرأي التالي : ( سئل أحد السياسيين رأيه في مستقبل أمة ، فقال ضعوا أمامـــــــــي مناهجها في الدراسة ، أنبئكم بمستقبلها ، وهذا يوضح أهمية المناهج الدراسية في حياة الشعـــــوب ).
تتضح إذن الأهمية الكبرى للكتاب المدرسي في بناء صرح الأمة ، والسير بها نحو آفاق التقدم والازدهــــــــــار. فالمنهج الدراسي هو الذي يحدد المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للأمة ،لأنه العمود الفقري لــــــــكـــــــل مستوى من المستويات السالفة الذكر ، وهذه الوظيفة الكبرى لا تظهر للمتعلم ، ولا يعرفها إلا المنـــــظــــرون للتعليم . غير أن هناك وظائف مباشرة للكتاب المدرسي تتجلى في الوظائــــــف البيداغوجية والتعليمية ،إذ أن الكتاب المدرسي يقوم بوظائف أساســـية في أنشطة التعليم والتـــــعلم ، ســـــواء تعلق الأمر بالأهـــداف العامة أوبالوظائف الديداكـــتـــــيكية و البيداغوجية ، أو بأطراف العملية التعليمية .

وقد حدد ديكورت (Decorte) تينك الوظيفتين كالتالي : الوظيفة الأولى تتــــــــجلى في تجســـــيده للأهداف الديداكتيكية ، وهو بذلك يشخص الإطار النظري للواقع ويعكس بذلك فلسفة التربية . أما الوظـــــيفة الثانية فتتمثل في كونه وسيلة تعليمية بالنسبة للمدرس ، وذلك لأنه يستعمله في تخطيط وإنجاز دروسه ، حيث يقدم له تقسيما للمــــــواد يساعده على تحديد الوحدات الزمنية للدروس أو لمجموعة الدروس .أما ريسيد( risid ) فقد حدد للكتاب المـــــدرسي ثلاث وظائف انطلاقا من الأهداف العامة في ثلاث وجهات نظر.
1- وجهــــــة نــــظر علــمية ، وتــــــــتمثل في تمرير إيـــديــــولوجي خاصة للمعــرفـــــة من خلال المعـــارف والـــتصورات الموجهة لمواد التعلم ، تعكس الثقافة السائدة ، والتي يراد لها أن تســــود ويحــتكم إليها لمعرفة درجة ومدى توافقها مع ثقافة المجتمع .
2 - وجهة نظر مؤسساتية، تتجلى من خلالها وظيفة الكتاب المدرسي في كونها تنظيمية ، حيث يقسم التعليم إلى مستويات متتالية كما تقسم مواد البرنامج على هذه المستويات حسب خصوصيات كل مادة على حــــدة ، وتتجلى وظيفته أيضا في كونه يعكس نمط التراتبية الخاصة بالنظام التعليمي ، ودرجة الحرية المــــتروكــــة للمدرس لتسيير النشطة المدرسية .
3- وجهة نظر بيداغوجية ، حيث يعكس الكتاب المدرسي تصورا ورؤية لطبيعة ونوعية وأشكال التواصل بين الراشد والطفل ، وكذا التصور المتكون عن طبيعة ونوعية النموذج التعليمي ... وهذه الوظائف الثلاث الأخيرة بالرغم مما تحمله من مضامين ، فإنها لا تخرج عن التقسيم الثنائي الذي يسم الكتاب المدرسي بوظيفتي تقديم المعرفة ووسائل وطرق تنفيذها .
5- أهمية الكتاب والكتاب المدرسي في تكوين الشخصية ( التلميذ )
يمكن أن نلخصها في النقط التالية :
1- تطوير الشخصية عن طريق مقـياس هو الكتاب لأن \" الكــتــــــاب هو أول مقـياس لتطوير فــــكــــر الشعــــب وتثقفه، هو فهمه لما يقرؤه ، وتمثله له في أساليب تعليمه وتربيته وأعظم عبقرية الشعب ونبوغه ، هي كـــــتبه ومنتجات عقول أبنائه \" ، ويمكن أن أشير في هذا الصدد إلى موقف الاستعمار الفرنسي من كتاب: "النبوغ المغربي في الأدب العربي " للأستاذ عبد الله كَنون الذي نحا فيه نحو التعريف بالمغرب من خلال أدبــه ، قـــصد توعـــــــية المغاربة بخطورة الاستعمار ،فلما فطـــنت فرنسا إلى أهدافه صادرته من السوق نهــائيا ، ولم ينشر إلا فيما بعد .
1. المكتبة هي المصنع الذي تصنع فـــيه العقول ، وتصاغ فيه الأذواق ،ففي المكــتبة يكـتسب التلميذ الــــذوق
السليم والرفيع عن طريق القراءة الممتعة والمفـــيدة ، وفيها أيضا ينمي قــــدراته العقلية عن طريق الارتقــــاء بالمعرفة من فهم بسيط إلى فهم أرقى .
3- المكتبة ( الكتاب ) تمحو آثار الأمية ،وتجعل الإنسان قادرا على مواصلة ومواكبة التحولات والتغــيرات التي يعرفها العالم من حوله سياسية كانت أم اجتماعية أم اقتصادية.
4- المكتبة ( الكتاب ) تمكن من الوصول إلى خبايا الأشياء . يقول مصطفى محمود العــقاد : \" فإذا أطــلــــع القارئ على كتاب في الحشرات ، فـليس من اللازم اللازب أن يطلع عليه ليكتب في موضوعه ، لكن يطــــــلع عليه لينفذ إلى بواطن الطبائع وأصولها ، ويعرف من ثم كيف نشأ هذا الإحساس أو ذاك الإحساس فيقــترب من ذلك من صدق الحس وصدق التعبير. ولو في غير هذا الموضع \" .

5- المكـــتــــبة ( الكتاب ) هي التي تعـــطي – حسب العقاد – حيــوات عــوض حياة واحــدة ؛لأنها تعــمق وجودها وتحسسه بلذتها . يقول : \" بزاد الفكر والشـــعور والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات \" وقال أيضا : \" إنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هـــذه الدنيا ... وحياة واحدة لا تكــفــيني ولا تحــرك كـــل ما في ضـميــري من بـــواعث الحركة ، والقراءة دون غـيرها هي التي تعــطي أكـثر من حياة واحدة في مدى عــمر الإنـسان الواحد ، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق وإن كانت لا تطيلها من مقاييس الحساب.
* خــاتــمـــــة

إذا كـان الكتاب المــدرسي بما ذكــرنا أعلاه من قيم سامية في خدمة الإنسان من جميع جوانـبها المـادية والمعنوية والروحية .ألا يمكن اعتباره نعم الجلــيس ونـــعم التنزيل ونـــعم الذخرة ونعــم العـــمدة ونعـــــــــم القريــــــن والدخيــــــــــل ؟ بــــــــــــــلـــــــــ ــــــــــى .