للفشل الدراسي مدلولات تعددت فيها التسمية واضطربت، فقد ارتبط لدى كل التربويين "الفشل الدراسي" بمفهوم التعثر الدراسي الموازي إجرائيا للتأخر، التخلف واللا تكيف الدراسي وكثير من المفاهيم التي تلاقى تاريخها والتي تعمل في سبيل جعل سوسيولوجيا التربية أداة لوضع الملمس على الأسباب الداخلية للمؤسسة التربوية من خلال إنتاجها للا مساواة، تهم بالخصوص التطبيقات البيداغوجية.



إلا أن مصطلح الفشل الدراسي له نهائية مدلول ضمني حيث أن استعماله يؤدي إلى افتراض أمر واقع ونهائي يتجلى في فشل تام عن متابعة الدراسة، ويقوم مثل هذا الافتراض على أساس الاعتقاد في أن حالة الفشل الدراسي غير قابلة للتعديل والتصحيح بعكس الأثر الإحالي الذي يوحي به مصطلح " التعثر الدراسي" أو غيره دون اعتبار الأثر الضعيف للقاسم المشترك لكل المفاهيم من حيث حضور الآليات البيداغوجية والديداكتيكية التي تتحكم فيها المدرسة لمعالجة أسباب التعثر الدراسي حيث السبب مشخص والعلاج محدد يتوجه بالتحديد إلى الإجابة على أسئلة عريضة مثل من يدرس؟ ماذا ندرس؟ كيف ندرس؟



إن للصورة المتطورة لمفهوم الفشل الدراسي التضمينات المهمة داخل سوسيولوجيا التربية من حيث اهتمامها بالمؤسسات التعليمية كمنشآت اجتماعية أنشأها المجتمع لتحقيق حاجات محددة تطبع به الأفراد تطبعا اجتماعيا يجعل منهم أعضاء منسجمين مع واقعهم الاجتماعي صالحين لتوسيع علاقات الأنا مع الآخر والانسلاخ عن مركزية الأنا من الناحية العلائقية والاجتماعية في آن واحد.



وتدخل المدرسة من خلال هذا التعريف ضمن ما سماه (كيلباتريك – Kilpatrick) بـ "التنظيمات الاجتماعية التي تحدد وظائفها في تنظيم علاقة الأفراد بعضهم البعض بهدف تحقيق حياة أفضل" (1)



لا ينفصل مفهوم الفشل الدراسي عن مقابله "النجاح الدراسي" من حيث أن انعدام الأسباب التي تؤدي إلى النجاح الدراسي لها الإحالة العميقة على دائرة الانحرافات التي فرضها الفشل الدراسي كنتيجة سلبية غيرت من خريطة استهلاك هذا المفهوم داخل الأوساط التربوية، من تمّ فالفشل الدراسي ليس سوى نتيجة للقاعدة التي نعطيه لها.



لا أقصد هنا أن أفصل بين المفهومين، فهما وجهان لعملة واحدة. فكل ما هو فشل دراسي يحقق وضعية قابلة للعلاج انطلاقا من إصلاح شامل للمنظومة التربوية عبر إصلاحها من الوجهة الاقتصادية والسياسية والثقافية. أما كل ما هو تعثر، تأخر، تخلف أو لا تكيف دراسي فهي وضعيات قابلة للتدخل بشكل فوري داخل الوسط المدرسي، أما فيما يتعلق بمفهوم النجاح المدرسي فهو يعكس الوضعية المريحة للنسق التربوي والمؤسسة الاجتماعية التي تحقق أهدافها في ظل النظام الثقافي السائد.



يدخل الطفل المدرسة وكله تساؤلات:



- هل تستطيع المدرسة أن تنقل حقائق العالم الذي يعيش فيه؟ بالمقارنة مع العالم الذي يلج به عالم المدرسة ولا يتركه وراء ظهره من : قواعد للسلوك معينة، المؤثرات الاجتماعية منذ الولادة، مهارات اجتماعية، عادات لغوية ... حيث يستجيب المتمدرس للمواقف التربوية على أساس مرجعياته الثقافية الأولى والتي تؤثر في شخصيته بالشكل الذي يصعب معه تفكيك الزمن الموروث داخل المدرسة.



وإذ نجد الانتقادات العميقة لعلم الاجتماع وخصوصا لسوسيولوجيا التربية وأسباب سيرها البطيء نحو مواقع متقدمة تجعل لها مركزا مستقرا لاستيعاب الأفكار وإنتاج عالم الأجوبة لزمن لا زال لم يتوقف ولم ينتهي.



نجد أن البحث السوسيولوجي للمسألة التربوية يتخطى الآن البدايات الصعبة نحو تأسيس أرضية نظرية لها علاقة جدلية بالتطبيق. يقول ج. ف. نيللر :



"إن التربية مهنة تتوسل بالنظرية من أجل خدمة التطبيق".



وقد تجد التربية عالم من الأجوبة التي تبتكر العالم من جديد في علم الاجتماع الذي إذ يقلق يهدم النموذج القائم لإبداع آخر يتناول فيه الواقع المحلي بدءا من الإنسان ذاته مرورا بالمؤسسات الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية وانتهاء بالنمط الإيديولوجي لتحقيق دوام واستمرار المجتمع عبر التربية.



حينما يركز هذا التصور (التصور السوسيولوجي للتربية) في تحليله للمسألة التربوية، على بعدها الاجتماعي، فإنه لا ينبغي أن يفهم من ذلك اختزال هذه المسألة في بعد واحد ووحيد من أبعادها وإغفال جوانبها الأخرى، فهي –كما هو معروف- من الغنى والتعقد بحيث تستلزم وعيا نظريا ومنهجيا بكل مكوناتها وأبعادها الاجتماعية والسيكولوجية والاقتصادية ...الخ.(2)



إن هذه الرؤية الشمولية هي التي تلح عليها، بالتحديد، سوسيولوجيا التربية.