متى نبدأ بحثاً تربوياً جادّاً يشكّل أساساً
للقرار التربوي السليم؟
· عبد الرحمن تيشوري
مقدمة:
إنّ من أبرز سمات هذا العصر وعلى وجه الخصوص العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين هو التقدّم السريع في مجال العلم والتكنولوجيا والإنترنت والتلفاز المدشش.
وكان من نتائج هذا التقدّم المذهل أن حدث تطوران اثنان هما:
1. الجمع بين التكنولوجيا الإلكترونية وعلم نفس الطفولة لمعرفة الطفل معرفة صحيحة.
2. لما كانت التربية تعتمد على علم نفس الطفل وتربية الطفل هي جوهر العملية التربوية الخاصة وجوهر علم النفس بعامّة، باتت التربية تخضع لما يخضع لـه علم نفس الطفل.
وبالتالي خضعت التربية للعلم وأساليبه المختلفة في الدراسة والبحث، ومن هنا باتت التربية تستخدم طرائق علمية لدراسة العمليات التربوية.
البحث في التربية
لا يستطيع أي إنسان أن يقوم بأعمال البحث التربوي لأن ذلك يحتاج إلى معرفة أصول البحث العلمي، ويحتاج إلى متخصّصين أكّفاء أو على الأقل طالب دراسات عليا "يحمل دبلوم الدراسات العليا أو الماجستير أو غير ذلك".
والبحث التربوي يعني باختصار: مجموعة الأعمال والفعاليات التي يقوم بها أفراد متخصّصون في طرائق تؤدّي إلى معارف وقوانين جديدة لمسائل ومشكلات تربوية عالقة.
باختصار إنّ البحث التربوي يقدّم نتائجه لتكوّن معطيات للقرار التربوي والسليم
أهمية التعاون والاعتماد على المؤهّلين في التربية
لما كانت عملية التربية هي أوّلاً وأخيراً صناعةِ الكائن الإنساني وإعداده ليطوّر ويقدّم ويحدّث مجتمعه لذا كانت وما تزال وستبقى من أعقد الأعمال وأكبرها مسئولية من بين كلّ الأعمال التي يقوم بها الإنسان.
والتربية تواجه مشكلات وعقبات لا حصر لها ممّا يعجز عنه باحث فرد أو جماعة أو مدير التربية غير المؤهّل. من هذا المنطلق لا بدّ من التعاون والاعتماد على المؤهّلين تربوياً وإدارياً وعلميّاً ولا بدّ من تحديد الأولويات بمجال البحث في التربية منعاً لهدر الجهد والمال والوقت بدراسة مشكلات ليست ذات أولوية وأهميّة.
لذلك بات لزاماً على القائمين على التربية والمربّين والباحثين في مجال التربية أن يحدّدوا هذه الأولويات في ضوء حاجات المجتمع والإمكانات المتاحة لهم لتطوير عملية الأداء التربوي للمجتمع والأجهزة المعنية بالتربية.
الأولويات والأساسيات في مجال البحث التربوي
1. من أولويات البحث التربوي تحقيق الانسجام الاجتماعي وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في التربية للجميع والحصول على أفضل النتائج المدروسة وارتفاع نسبة الحاصلين على التعليم العالي وتقويم العملية التربوية "كل ما لـه علاقة بالعملية التربوية خاضع للتقويم والقياس". ودراسة سبل توفير حوافز للتلاميذ والمعلّمين- وإعداد مناهج التعليم بشكل دوري سريع وبما يتماشى مع متطلبات سوق العمل للوصول إلى تربية عالية الكفاءة والمردود.
2. إعداد العاملين في حقل التربية من جميع الفئات وعلى البحوث التربوية أن تأخذ بالحسبان كلّ التغييرات النوعية التي أدخلتها المعلوماتية والتألية "استخدام الآلات الآلية".
3. محتوى التربية وإعداد مناهج تعليم مناسبة تلبّي حاجة البلد وتراعي الوسط الاجتماعي كل ذلك يشكّل ميداناً هاماً في البحث التربوي ويشكّل أولوية أيضاً من أولويات البحث.
4. تتوضّع المشكلات الإدارية والتنظيمية في أعلى درجات سلّم الأولويات وكذلك التجارب والخبرات حول بنية المدرسة وتنظيمها حيث لا يعقل أن نبقى في سورية على هذا البناء والنمط الذي أقلعت عنه كلّ النظم التربوية في العالم- البناء اليوم يجب أن يضجّ بالحياة وأن يحتوي قاعة الإنترنت والبوفيه والمطعم والمسرح والمرسم والسينما وقاعة المطالعة وغير ذلك..." لا كما نضع غرفة قرب غرفة فوق غرفة ونقول هذه مدرسة..
5. من المهمّ البحث في رسائل وحلول جديدة تفيد مؤسسات تعليم الشباب خارج المدرسة وهم يشكّلون جماعة كبيرة في سورية حيث الإحصائيات أن 80% من القوى العاملة في سورية يحملون ثانوية وما دون وهذا التأهيل منخفض المستوى لا ينفع اليوم في عالم اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي وتشابك الاقتصاديات..
6. من المهمّ ومن الأولوية الاهتمام أكثر بالإدارة التربوية التي أصبحت علماً لـه فلسفته وأصوله وقواعده وأساليبه وطرائقه وممارساته التي هي أساس أيّ تطوير للتعليم وإعادة النظر بواقع الإدارة التربوية- فوجئت في الإجتماع السنوي لشعبة الحزب التي أتبع إليها تنظيمياً أنّ شخصاً تمّ تسميته مديراً للمدرسة وهو وكيل أي غير مؤهّل لا جامعيّاً ولا تربوياً ولا إداريّاً.
- والعام الماضي اتبعت دورة في المعهد الوطني للإدارة العامة لمدّة عام كامل وأنا أحمل دبلوم التأهيل التربوي أنا وثلاثة زملاء لي وعدنا إلى التربية للعمل ولنضع أنفسنا تحت تصرّف السيّد مدير التربية الذي أفادنا بأن ليس لديه شواغر لنا الآن، وإنّما غير المؤهلين إدارياً وتربوياً مقرّبون توجد شواغر لهم ونحن فقط الفرق بيننا وبينه وبينهم الفروق العلمية والتأهيلية فقط لا غير!؟..
7. التربية عملية اجتماعية في مضمونها وجوهرها وأهدافها ووظيفتها ولا يمكن فصلها عن المجتمع ومن هنا فإنّ كفاية التربية مجال هام للبحث ويشغل بال الكثيرين من الباحثين لذا لا بدّ من توضيح دور المدرسة على نحو أفضل فيما يتعلّق بارتباط نظام التعليم بعالم العمل لأنّ التربية تغيّر أثوابها باستمرار وهي دائماً بنت العصر الذي تولد فيه وعليها دائماً مسؤولية توفير حاجات المجتمع في شتّى المجالات.
8. من المهمّ تطوير البحوث المتعلقة بتطوير التربية ذاتها عن طريقة إعداد أفضل للمربّين ليتحمّلوا مسئولياتهم في المستقبل ومن المهمّ أخذ أفضل التلاميذ في الشهادة الثانوية لنجعل منهم معلّمين ومدرّسين. لأنّ المدرّس يصنع الجميع ويخرّج الطبيب والمعلّم والمحامي والصيدلاني و..
9. من الأمور الهامّة جدّاً التقويم المنهجي لتجارب الإعداد السابقة وعدم النظر إلى الإعداد والتدريب والتدريب المستمر على أنّها أماكن للراحة وأنّ لا دور لها- إنّ الإعداد والتدريب مهمّ جدّاً جدّاً ويجب إخضاع المعلّم والمدرس الميداني إلى دورة كل ثلاث سنوات مرّة ليعرف ما الجديد في التربية لأنّ التربية عملية مستمرّة وليست جرعة تعطى مرّة واحدة وإلى الأبد بل هي بحاجة إلى الاستمرار لأنّ العلم لديه دائماً شيء جديد يوافينا به.
10. من الأمور الهامّة جدّاً استصدار تشريع أو قرار وزاري يلزم مديريات التربية بالاستفادة من التأهيل التربوي والإداري والعلمي وأيّ نوع من أنواع التأهيل بحيث توضع خبرات المؤهلين تحت التصرّف بأن يكونوا مدراء مدارس مدربين تربويين –رؤساء دوائر- مدراء معاونون- مدراء تربية حتّى تخلق الحافز والدافع عند المدرّسين للتأهيل ولا بدّ هنا من الإشارة إلى المبادرة الرائعة للسيد الدكتور علي سعد وزير التربية في إطار تأهيل أكثر من /8000/ معلّم ومدرّس ومعلّمة ومدرّسة عبر التعليم الشبكي ونظام التعليم المفتوح.
الخلاصة وصفوة القول
إنّ البحث في التربية يجب ألاّ يقتصر على هذه الأولويات إذ أنّ هناك موضوعات ومشكلات ومجالات بحث كثيرة أخرى يمكن تناولها في البحث التربوي كما أنّه ليس من المحتم أن يأتي ترتيب هذه الأولويات على النحو المذكور في هذه الدراسة السريعة المقتضبة.
لذا على كلّ مديرية تربية أن ترتب الموضوعات بحسب أهمية كلّ منها في سلّم الأولويات وموقعها في عملية التنمية التربوية الشاملة والإسراع في إحداث دوائر البحث التربوي في كلّ محافظة – مديرية تربية. وتسمية المؤهلين للعمل في هذه الدوائر وتوفير سبل ومستلزمات النجاح لتقدّم هذه الدوائر معطيات ونتائج عملها للسادة صناع القرار التربوي حتى تصبح مدارسنا أكثر فاعلية وتربيتنا أكثر كفاية.
عندئذٍ نستطيع أن نقول أنّنا نساهم في عملية التطوير والتحديث التي أشاعها وأطلقها قائدنا الشاب الدكتور بشار الأسد الذي يتمتّع بحكمة الشيوخ وحيوية الشباب.
· عبد الرحمن تيشوري
مراجع البحث:
1. المعجم الفلسفي – ج1- د. جميل صليبا ص 198
2. جريدة النور العدد 175 تا 3/11/2004 مقال لـ عبد الرحمن تيشوري/ تربية عربية مستقلة.
3. علم النفس التربوي د. علي منصور كتاب مقرّر لطلبة دبلوم التأهيل التربوي.
4. مجلّة المعلّم العربي العدد الثاني 1997 مجلة فصلية تصدرها وزارة التربية.