مولاي المصطفى البرجاوي: لقد أَسهَبتْ كتبُ التربية الحديثة في سرد عيوب التربية التقليديَّة؛ إذْ أَلصَقَتْ بها جملةً من العيوبِ، ولعلَّ من أهمِّها:
Ÿ نقلَ المعلوماتِ والتَّلقي السَّلبي للمُتَعَلِّم: في هذا المجال تصبحُ مسؤوليةُ المدرِّس تحضيرَ المعلومات، ونقلَها للمتعلم؛ ومِن ثَمَّ يصبحُ المدرِّسُ بمثابة جهاز إرسال.
Ÿ التقليدَ والمحاكاة: هذه الخاصيَّةُ - على حدِّ تعبير إميرسون Emersson - نوعٌ من الانتحار، فهو في أفضلِ أشكاله صورةٌ طبق الأصلِ من الموضوع، وفي هذه الحالة تختفي شخصيةُ المقلِّدِ في شخصية المقلَّد - بفتح اللام.

عمومًا؛ ما يقومُ به المعلِّمُ من نشاط؛ لأجل نقلِ المعارف إلى عقول التلاميذ.

ويتميزُ دورُ المعلِّم هنا بالإيجابيَّة، ودورُ التلميذ بالسلبِيَّة في معظم الأحيان، بمعنى أنَّ التلميذَ غيرُ مطالَبٍ بتوجيه الأسئلة، أو إبداء الرأي؛ لأن المعلِّمَ هو المصدرُ الوحيدُ للمعرفة بالنسبة للتلميذ.

إلاَّ أنَّ هذا المفهوم التَّقليديَّ لعملية التَّدريسِ كان سائدًا قديمًا، أمَّا اليوم فتغيَّرتِ المفاهيمُ، وتبدَّلتِ الظروفُ، وغَزَا التَّطوُّر العلميُّ كلَّ مجالاتِ الحياة؛ مما أوجد مفهومًا جديدًا للتدريس.

على ضوء المعطيات السابقة، تسعى هذه المداخلةُ المتواضِعةُ إلى توضيح التطورات التي تعرفُها المقارباتُ (البيداغوجية) التربوية، خاصَّةً المقاربةَ بالأهداف، والمقاربة بالكفايات:
1- التدريسُ التقليديُّ: ويُسمَّى أيضًا التَّدريس بالأهداف؛ حيث يصبح المدرِّسُ هو قطبَ العمليَّة التَّعليميَّة التَّعَلُّمِيَّةِ، بل الفارسَ الوحيد في حلبة السِّباق؛ بينما المتعلِّمُ مُتلَقٍّ سلبي، لا يملك أيَّة مبادرةٍ لإبداء رأيه، كلُّ ما يصدر عن المعلِّم يُعَدُّ مقدَّسًا غيرَ قابلٍ للنِّقاش؛ مما جعل الطالب - على حد التعبير النبوي - إمَّعةً[2]، سجينَ ما يُلقيه الأستاذُ من أفكارٍ ودروس، ومِن هنا لا يمتلك آليَّاتِ الإبداع والتفكير النَّقديِّ.

وقبل عرض إشكاليَّة التَّدريس بالأهداف يكونُ من الأَولى الوقوفُ عند تحديدِ بعض المصطلحات، ومِن ثَمَّ مراحل التدريس بالأهداف:
أ - تعريف الهدف لُغويًّا وتربويًّا:

Ÿ الهدفُ لُغويًّا معناه: القصدُ، أو المرمى، أو الغرضُ الذي نسعَى لتحقيقه.
Ÿ وفي الاصطلاح التَّربويِّ: يُعَبَّرُ به عن مجموع السُّلوكيَّات والتغيُّرات والإنجازات، التي يراد تحقيقها عند تَعَلُّمٍ ما، ومعنى ذلك: أن التلميذ لا يراد من تَعَلُّمِه إلا تحقيقُ مجموعةٍ من الأهدافِ، التي يَنبغي أنْ تظهرَ في ممارساتٍ سلوكيَّةٍ على مستوى الفعل واللفظ والحركة، وتغيراتٍ تَحدثُ على مستوى الاتجاهات والمواقف، والأفكار والقدرات المختلفة، أو إنجازِ أعمال معينةٍ تكون في شكل آليِّاتٍ تُكسِبُه خبراتٍ، تكون مستهدفة؛ لكونها أنماطًا من الممارسات التي تُقَوِّي دافعيَّةَ التَّفاعل مع مجموعة الخبرات التي يُتعامَل بها.

ومن هنا نجدُ أن الأهداف احتلَّتْ مكانةً بارزةً في النظام التربويِّ في نموذج التعليم بواسطة الأهداف؛ لأنها تُعَدُّ نقطةَ البدايةِ والنهاية في العملية التَّعليميَّةالتَّعَلُّمِ يَّة، فهي تُعد المقياس الحقيقيَّ الذي نَقيسُ به قدراتِ المتعلمين، ومهاراتِهم واتجاهاتِهم ومواقفَهم.

ب - تصنيفُ الأهداف السُّلوكيَّة:
هناك محاولاتٌ عديدةٌ لتصنيف الأهداف السُّلوكيَّة، تختلفُ مستوياتُها حسبَ مُنَظِّريها، وتبدأ من الأسفل إلى الأعلى، وتُسمَّى كلُّ مرحلةٍ بـ(المرقى)، ومثالُ ذلك: المجالاتُ الثلاثة:


لكنْ يظلُّ تصنيفُ (بلوم [3]) من أكثر التَّصنيفاتِ فائدةً في مجالِ التعرف على الأهداف السلوكيَّة وتحديدِها؛ حيثُ يقومُ التقسيمُ على أساس أنَّ نواتجَ التَّعلُّم يمكنُ وضعُها في صور تغييرات في سلوك التلاميذ.

وقد قسَّم (بلوم ورفاقه) الأهدافَ إلى ثلاثةِ مجالاتٍ رئيسةٍ هي:
Ÿ المجال المعرفي.
Ÿ المجال الوجداني.
Ÿ المجال المهاري أو (الحسي - الحركي).

أولاً: المجالُ المعرفِيُّ: ويشملُ الأهدافَ التي تؤكِّدُ نواتجَ التَّعلُّم العقليَّة، مثل: (التذكُّر، الفَهم، مهارات فكرية).
مستويات الأهداف في المجال المعرفي:
قُسِّم المجالُ المعرفيُّ إلى ستة مستويات هي:


ثانيًا: المجالُ الوجدانيُّ: ويشملُ الأهدافَ التي تؤكِّد على المشاعر والانفعالات، مثل: (الميول والاتجاهات، والقيم والتوافق الشخصي والاجتماعي).
ثالثًا: المجالُ المهاريُّ: ويشملُ الأهدافَ التي تهتمُّ بالمهارات اليدويَّة من رسمٍ وتخطيط.

مراحلُ التدريس بواسطة الأهداف:
تتلخَّصُ مراحلُ التَّدريسِ بواسطة الأهداف في أربعِ مراحلَ رئيسة تتضمَّن:
مرحلة التصميم: يقوم المدرِّسُ بتحديد الأهداف الخاصَّة بالدَّرس؛ ذلك أنَّ لكلِّ درسٍ هدفًا عامًّا، وآخرَ خاصًّا يمكنُ تجزئتُهُ إلى مجموعة من الأهداف الجزئية الإجرائية (اختيار المحتوى التَّربويِّ الملائم، تحديد المبادئ، تحديد الوسائل المساعدة).
مرحلة التحليل: وذلك بتحليل المحتوى التعليمي (المادة الدِّراسيِّة)، عن طريق تجزئة المادة إلى عناصرها ومكوناتها الأساسيَّة بالاستناد إلى معاييرَ خاصَّة بتنظيم المحتوى التَّربويِّ، مع مراعاة مبدأ التَّدرُّج من العامِّ إلى الخاصِّ، ومن البسيط إلى المعَقَّد، مراعاة معايير الطرائق المختارة ومدى مُلاءَمَتِهـا للهدف من الدرس والفئة المستهدفة، ثُمَّ مراعاة الضغوط التي يفرضُها الموقفُ التربويُّ، واقتراح البدائل الملائمة للتعديل والتغيير.
مرحلة التنفيذ: وتشمل سَيْرورة عملية التدريس؛ أي: جملة الخطوات الرئيسة التي يتَّبعُها المدرِّسُ لنقل معارفه وتحقيق أهدافه.
مرحلة التقويم:وتُسمَّى أيضًا مرحلة التعديل، ويُقصَدُ بها إصدارُ أحكامٍ كميَّة أو نوعيَّة على قيمة عملٍ ما.من خلال إنجاز تمارين (تَوليفيَّة) تطبيقيَّة؛ لتقويم ما اكتسَبَه المتعَلِّمُ خلالَ العمليِّة التَّعلِيمِيَّة التَّعَلُّمِيَّة.

مثال لبعض أهداف الدراسات الاجتماعية:

وفي هذا الباب يرى (دبور والخطيب)[4] أنَّ أهدافَ الدراسات الاجتماعيَّة تتمثَّلُ في:
1 - تنمية الشخصيَّة السَّويَّة للطالب بتزويده بقدرٍ من المعلومات والمهارات، والخبرات التي تُسهِمُ في إكسابِه بعضَ القيم والاتجاهات الإيجابية.
2 - فهم الطالب بيئته من نواحيها المختلفة، متدرجًا من البيت إلى المدرسة، إلى القرية أو المدينة، إلى اللواء أو المحافظة، إلى الوطن العربي الكبير.
3 - تقوية روابط الأُخُوَّة بين الأمَّة العربيَّة والأمَّة الإسلاميَّة.
4 - غرس روح المشاركة الإنسانيَّة المبنيَّة على الاحترام والتقدير بين الأمم والتَّعاون الإنسانيِّ في بناء عالم أفضل.
5 - التَّدريس بمفهومه المعاصر أو ما يُسمَّى التدريس بالكفايات.

بعدما كان الحديثُ سابقًا - خاصة في الثَّمانِينِيَّات - في الأوساط التَّربويَّة التَّعليمِيَّة، يدور حول التَّدريس بالأهداف، أصبحنا اليومَ نَسمعُ الحديث حول التَّدريسِ بالكفايات، وقد بدأتْ تظهرُ بعضُ الكتابات حولَ الموضوع عندنا في المغرب، لكنها ما زالتْ في بداية الطَّريق، ومِن هنا يأتي السؤال: لماذا الكفايات؟ وما الدَّواعِي إلى ذلك؟

يرى الباحثون والمهتَمُّون بمجال التَّربية والتَّعليم أنَّ ظهورَ مفهومِ (الكفايات) بالولايات المتحدة الأمريكيَّة جاء نتيجةً للنَّقص الحاصل في (بيداغوجيا) الأهداف، والتي واكبت النَّهضةَ الصِّناعيَّةَ بأمريكا في بداية القرن العشرين.

هذا النقص تَمَثَّل بالخصوص في السلوك الآلي والجامدِ الذي يَحُدُّ من الإبداع واتِّخاذِ المبادرة، وهذا ما دفع المهتَمِّين إلى اقتراح التَّدريسِ بالكِفَايات؛ كبديلٍ لتجاوُزِ النَّمطيَّة في المنظورِ السُّلوكيِّ من جهة، ولارتيادِ آفاق الحياة المعاصرة المتَّسمةِ بالتَّعقيدِ من جهةٍ ثانية.

بعد تَجوُّلِنا في بعض المراجعِ لاحظْنَا أنَّ هناك تعريفاتٍ - حتى التخمة - لهذا المصطلح، لكنْ لا بأس.