إنَّ النشوء والانهيار الذي يحصل حالياً للشركات التي تقدِّم خدماتها عبر الإنترنت؛ فتح مجالاً لشراء بعض المُنتَجات والخدمات الجيِّدة جداً المعروضة للبيع من قبل الباعة والمُستشارين؛ وفي أوقات التشوُّش الاقتصادي اختار العديد من الأشخاص الموهوبين العمل بشكلٍ مُستقلٍّ عن بنى الشركات، وبات العديد من مُدراء التدريب قادرين على إيجاد أشخاص مناسبين يتعاقدون معهم مُؤقَّتاً دون وضعهم على جداول الرواتب؛ وجعل تصاعد نفقات الرعاية الصحية التي تُلزَمُ بها الشركات المُدراء يتجنَّبون إضافة المزيد من الأعباء الماليَّة على الشركات، فيجد المُدراء في الباعة والاستشاريين النوع الذي يحتاجونه من العمَّال.


خلقَتْ تجارب ونجاحات أنظمة التعليم ومضامينه عبر الإنترنت بُعداً جديداً كُلِّيَّاً في وظيفة التدريب والتعليم في الشركات، وتواصل الجمعيات الأكاديمية والمهنيَّة إجراء الدراسات والبحوث حول فوائد ومحاذير التعليم عبر الإنترنت، وتوصَّلت إلى اكتشاف بعض المفاهيم الجديدة حول كيفيَّةِ تعلُّم الناس. كما هو الحال في كلِّ تدريب تقدّم احتياجات المُتعلِّمين الحافز الأول لإنشاء أية بنية تحتيَّة ومضمون للتعليم، ويعمل كل من الباعة من خارج الشركات والاستشاريين بجهد في هذا المجال، ولكن بالطبع على الشاري توخِّي الحَذَر.
يتناول هذا الفصل بعضاً من القضايا والممارسات في إدارة المورِّدين، وخصوصاً أولئك الذين يملكون الخبرة في مجال أنظمة التدريب والتعليم.
قضايا إدارية أساسيَّة
تتضمَّن هذه الفقرة بعض المسائل الإداريّة والممارسات التي يتوجَّب عليك أخْذُها بعين الاعتبار عندما تعمل مع مُستشارين من خارج مؤسَّستك في مجال التدريب والتعليم:
تحديد العوامل داخل الشركة التي تقودك للتعاقُد مع أشخاص من خارجها:

غالباً ما يتمُّ طرح هذه المسألة تقليدياً كما هو الحال بقرار “اصنعْ أو اشترِ”، ولاتِّخاذ هذا القرار يجب إجراء تحليل منهجي لتحديد العوامل التي تقود للتعاقُد الخارجي، أو لتطوير التدريب ضمن الشركة. العامل الأوَّل والأكثر أهميَّة يستلزم تحليلاً مُتأنِّياً لاحتياجات موظَّفيك في الحصول على معلومات أو مهارات جديدة، وكيفيَّة نقل المعرفة المُكْتَسَبَة إلى عملهم بما يخدم فائدة الشركة؛ اكتشاف ما يريد الناس أن يتعلَّموه يجب أن يُشكِّل العامل الأول في قرارك حول “الصنع” أو “الشراء”. من ضمن الخَيارات المُتاحَة أمامك في فئة “الشراء” توجد برامج التدريب الجاهزة، أو المطوَّرة من قِبَلِ مورِّد، أو المُتاحَة من قِبَلِ استشاريين؛ ولكن إذا لم تكن تَعرِفُ الطريق الذي أنت عليه، كما يقول المثل القديم، فإنَّك على الأرجح لن تصل.
بعض برامج التدريب مُتْخَمَةٌ بمعلومات تسجيل الملكيَّة أو الملكيَّة الفكريَّة. إذا لم يكن لديك كادر مُخصَّص لتصميم المناهج التدريبيَّة؛ فقد يتوجَّب عليك أن تفكِّر باستئجار بعضها لتحفظ المصالح التنافسيَّة التي قامت شركتك بإنشائها على مرِّ السنين. يجب أن يُسبَق أيُّ اعتبار للتعاقُد الخارجي من أجل التدريب في كلِّ مراحله: التحليل، التصميم، التطوير، التنفيذ، التقييم، ودعم الأنظمة بإجراء تحليل شامل لفُرَصِ التعليم المُتنوِّعة التي تملكها، وتأثيرها على الموقع التنافسي للشركة.
هناك عامل آخر يجب أَخْذُه بعين الاعتبار قبل البدءِ بأي برنامج لاستئجار أشخاص من خارج الشركة هو عمر وصلاحية برامج التدريب الموجودة حالياً لديك، فإذا كان لديك فقط تدريب في قاعات الصفوف يتوجَّب عليك مُراجَعة كلّ دوراتك الحاليَّة للتأكُّدِ من أنَّها تتضمَّن مضموناً وطُرُقاً ما تزال تهمُّ الشركة. في عصر الخَيارات العديدة للتعليم: التعليم التفاعلي عبر الإنترنت، التعليم عبر الإنترنت لوحده، الفيديو، السمعيات، التعليم عند الحاجة، أنظمة دعم الأداء، ورَش العمل، المُؤتمَرات، وقاعات الصفوف.. فإنَّ المُتدرِّب النموذجي يشترط تدريباً سريعاً يتلقَّاه أثناء دوام الشركة. تأكَّدْ من أنَّ قائمة برامج التدريب لديك مناسبة لهذه الغاية.
بعض الدورات والبرامج تكون معياريَّةً ومناسبة لمعظم الشركات ويمكن تقديمُها بسهولة من قِبَلِ مورّد أو استشاري؛ وقد تتضمَّن برامجاً تتناول مهارات التواصل، مهارات المفاوضات، تطوير القيادة، ومهارات تكنولوجيا المعلومات وغيرها؛ شراء هكذا دورات “جاهزة” يمكن أن يوفِّر نقودك ويحافظ على الميزانيَّة اللازمة لإنشاء الكادر. يمكن أن يكون استئجار مُتخصِّصين لتصميم التعليم عبر الإنترنت وتطويره للعمل ضمن كادرك طريقة لتخصيص هذا المجال ضمن فئة ميزانيَّة “التكلفة المتغيِّرة”، والتي يمكن أن تكون قابلةً للتعديل والتأقلم بشكل أسهل من “التكلفة الثابتة” لإنشاء التعليم عبر الإنترنت ضمن الشركة. تذكَّرْ أنّ التعاقُد الخارجي لا يكون فقط في سبيل إيجاد المضمون؛ فهو أيضاً وسيلةٌ من أجل اتِّخاذ قراراتٍ جيِّدة متعلِّقة بالعمل؛ ولكنه يبقى بالدرجة الأولى في سبيل إشباع احتياجات القوة العاملة لديك في التعليم.
الأوراق الضروريَّة لاستئجار الباعة[1] (طلبات استدراج العروض وما يليها):

طلب استدراج العروض (RFP[2]) هو مستند تحضِّره لتقدِّمه للباعة والاستشاريين المرتَقَبين، تبيِّنُ لهم فيه ما أنت بحاجة له منهم؛ إنَّه ليس عقداً، إنما هو تصريحٌ بالحاجات ووصف لشركتك، يُرسَل بصيغة واحدة لعدد من المورِّدين الذين تُنْشَد الاستجابة منهم بعروضهم. تأكَّدْ من تحقيق العدالة والنزاهة في عمليّة الطلب.
نموذجياً؛ يتضمَّن طلب استدراج العروض “نصَّاً معياريَّاً” حول الشركة، ومعلومات تصف حجم الشركة وتنظيمها وبنيتها التكنولوجيّة والأسواق والمُنتَجات والخدمات التي تقدِّمها وبيان بغايات الشركة، إضافة إلى بيان يتضمَّن التوجُّهات المُستقبَليَّة؛ ويتضمَّن أيضاً المَيِّزات والأعمال المُحَدَّدة التي تريدها من حيث النتائج المرجوَّة من التعليم والبرامج اللازمة لإنجازها؛ كما يتضمَّن مُخطَّطاً تمهيدياً مُوجَزاً من أجل المراقبة والتقييم المرحلي والمساءلة، وجدول أعمال التطوير والتنفيذ المطلوب، وتصريحاً بعدم التمييز وعدم الإفشاء.
يتضمَّن طلب استدراج العروض كذلك تعليمات مُحَدَّدة حول كيفيَّة تسليم البائع أو المُستشار عرضَه إليك. قدّمْ خطوطاً عريضة حول الضوابط التي ستستعملُها للحُكْمِ على العروض، وفيما إذا كنت تريد أو لا تريد إجراء مُقابلات شخصية أو توضيحات، وكذلك الصيغة التي تريد من خلالها وضع قائمة بنفقاتهم. كُنْ دقيقاً قَدْرَ المُستطاع؛ خاصَّة فيما يتعلَّق بالنفقات، وبذلك يمكنك أن تقارن العروض بعدالة عندما يتمُّ تقديمُها. فكِّرْ أنَّك قد تريد فقط جزءاً من العرض الخاصّ؛ أبقِ كلَّ الخَيارات مُتاحَة واتّبع طريقةً مُنصِفَةً في رفض العروض؛ تذكَّرْ تعليمات وكالة فُرَصِ التوظيف العادلة (EEOC).
يجب أن تكون إدارتك التنفيذية على اطِّلاعٍ تامٍّ بما تقوم به، ويجب أن يعرفوا مع من يتمُّ التعامل، فقد تكون لديهم آراء أو معلومات لا تملكها حول مصداقيَّة وجودة المورِّد. لا تقمْ بإجراءات طلبات استدراج العروض لوحدك، بلِ احصلْ على بيانات تنفيذية، وعلى استخبارات، ودعم؛ واطلبْ من إدارة المُشترَيات مُراجَعة طلبات استدراج العروض، واطلبْ من إدارة تكنولوجيا المعلومات لديك تفحُّصها لتبيِّن مدى حداثتها.
تأكَّدْ من إعلامِ الذين قدّموا عروضهم إليك بالجدول الزمني، لمراجعتهم واتِّخاذ القرار النهائي حول من ستقوم باستخدامه. تعاملْ مع كل العروض المقدَّمة إليك بنفس درجة الاحترام، فقد تحتاج لهؤلاء الذين رفضتهم في مرَّات قادمة.
إدارة المورِّدين عندما يصبحوا ضمن فريقك:

عندما تختار المورِّدين وتبرم معهم العقود، ويباشرون عملهم سيكون لديك أنواع مُحَدَّدة من المهام والنتائج التي يتوجَّب عليك تدبيرها، والتي قد تكون مُختَلِفة جوهرياً عن تلك التي يقوم بها الكادر الخاصُّ بك. سيكون من المُهِمِّ أن تُطْلِعَ الباعة والاستشاريين على ما تتوقَّعه منهم فيما يتعلَّق بالمُنتَجات والخدمات، وكيف يتوجَّب عليهم التصرُّف ضمْنَ مبنى الشركة، وكيف سيتم تعزيز عملهم ضمن الشركة، وكيف سيتم تقييمهم.
سيكون من الجيِّد أن تقوم بتعيين عضو واحد من كادرك ليكون مسؤولاً عن كلِّ عقد، وعن الأشخاص الذين سيُرسَلون وفقاً له للعمل معك. من المهمِّ أيضاً أن تقوم بتأسيس لجنة مُراجَعة العمل مُشكَّلةً من عدَّة إدارات، مع مسؤوليَّة أساسيَّة في تقديم التغذية الراجعة إلى المورِّد الخارجي، من أجل توجيه العمل الذي يقوم به وتحسينه. اتّخذِ الإجراءات الضروريَّة في إدارة المشروع من أجل مساءلة أكبر.
أن تكون زبوناً جيِّداً

وضوحك تجاه ما تريد هو أوَّل أهمّ خطوة في أن تكون زبوناً جيِّداً، وتشكِّل واقعيتك حول الضغط الذي تتعرَّض له إدارتك أو شركتك اعتباراً مهمَّاً أيضاً. كما تحتاج أن تمتلك أفكاراً جيِّدةً حول التوازن بين تغيير الإدارة والإنجاز الناجح لبنود العقد. لا تتوقَّعِ المستحيل ولا تتأمل أكثر ممَّا ورد في عقدك. معرفة نفسك هي المطلب الأوَّل لتصبح زبوناً جيِّداً.
تذكّر دائماً أنَّ المورِّدين يخدمون أفضل العُمَلاء بأفضل قَدْرٍ؛ لأن ذلك يكلفهم إزعاجاً ووقتاً ومالاً أقلّ لتقديم المُنتَجات والخدمات. يريد الباعة والمُستشارون تقديم عمل جيِّد لك، وأداؤهم لهذا العمل الجيِّد بحاجة لتعاونك؛ هذا يعني أن تكون صادقاً، وتتواصل بشكلٍ جيِّد مع الجميع في أرجاء المؤسَّسة، وتشجِّع علاقات العمل الجيِّدة بين كادر المورِّدين من جهة، وموظَّفيك من الجهة المقابلة، وأن تستخدم خبرات إدارتك وتتفهَّم عمل الكادر داخل الشركة لتحافظ على تقدُّم المشروع حتى بلوغ الهدف المطلوب. لا تهملِ المورِّدين؛ وقدِّم لهم تغذيةً راجعة دوريّة مُفيدة؛ ساعدهم لكي يعملوا لمصلحتك ومصلحتهم على حدٍّ سواء؛ قدِّرْ ويسِّرْ مقدرتَهم على الإسهام في المهمَّة المرموقة لأهداف التدريب والتعليم المستحدَثة لديك، وأتِحْ لهم وضوح الرؤية، وكُنْ كريماً في إطراء العمل الذي يقومون به.


بواسطة: حسين حبيب السيد
موسوعة التعليم والتدريب
http://www.edutrapedia.illaf.net/ara...e.thtml?id=544