في عام 1962 كتب توماس كونز (Thomas Khuns) مقالة عن ثورة التغيير العلمية وعرف بها آليات تبديل (Paradigm Shift) الأنموذج (الباراديم), وناقش كونز أن التقدم العلمي لا يتكون فجأةً ولكن من خلال تطورات علمية شرسة تحدث أثناء استمرار العملية العلمية الهادئة, لذا يحدث التغيير في الأنموذج عندما يتغير تفكير العالم من مضمون لآخر.

في عام 1980 أصدر المرسوم الملكي لتأسيس المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني لتشرف على كل التعليم والتدريب الفني والمهني في المملكة؛ لذلك تطورت ونمت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني نوعياً وكمياً، وذلك على يد آلاف العاملين المخلصين ومئات الملايين من الريالات, ونتج عن هذا الاستثمار بنية تحتية قوية للتدريب المهني تضم الآلاف من ذوي التعليم أو التدريب التقني العالي, هذا النجاح لم يأتِ من فراغ، ولكن من خلال التخطيط الإستراتيجي الذي يضع في عينه النتيجة النهائية لتدريب أي التوظيف لمن دربوا (Panza and Mash, 2005) , لذلك وضعت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني تأهيل الشباب السعودي صوب عينها مهنيا ورفع قدرات الشباب لاحترام ذواتهم والرفع من معنوياتهم.

تطور البشر لملايين السنين وسيستمرون في التطور؛ لذا فالتغيير لمنهجية أو معتقد ما صعب جداً؛ لأن الإنسان عادة يرفض التغيير المفاجئ, ولكن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني مرت بتطور منهجي وأنموذجي منذ تأسيسها، وستستمر في التطور لتصنع خبراتها بنفسها وعلى يد القائمين عليها, وكما ذكر كونز عام 1972 صفحة 67 فإن الإدراك يعتبر من أهم متطلبات القبول بالتغيير في النظرية, وما تدركه المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني أن جميع متغيرات النظرية المقبولة قد تكون مشروطة بحدود ومشوهات نتجت عن الإرث الاجتماعي والثقافي, لكن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني غير مقيدة بذلك لتبدأ التغيير، ولكنها تضع ذلك في عين اعتبارات التغيير. يجب أن يبدأ التدريب المهني للموارد البشرية من شخص يقدر ذاته وصاحب حماسة للعمل؛ نظراً لأن الإنسان يكمن قدرات وقوة إرادة توجهه نحو الوجهة المرادة, ومن مؤثرات الحماسة في الشاب عقد العمل الذي يمثل الضمان الوظيفي.

إن تدريب موارد بشرية والاحتفاظ بها فعالة العطاء يأتي من عقد وظيفي, ولكن الشركات السعودية تتفادى توظيف العمالة السعودية غير المدربة تحاشياً للخسارة. قد لا تستطيع الشركات توفير التدريب للمهارة اللازمة للعامل السعودي وخصوصاً عندما لا يكون لذلك العامل أي خبرات مهنية؛ لذا فإن غياب دورة الأداء في تغيير أمكنة العمل قد يحرم هذا الشاب فرصة التوظيف والتدريب والتجريب وتقديم التغذية الاسترجاعية الإيجابية والتقييم الرسمي للأداء وأخيراً المراجعة الدورية - تعتبر عوامل تحقق عجلة مستمرة من ندرة العمالة السعودية المهنية في السوق السعودية. إن التخطيط المنهجي والتدريب والتقييم الأدائي المعياري والنوعي يعتبران من أهم العوامل لنجاح خطة الموارد البشرية؛ لذا فيستحب البدء بتأمين العقود الوظيفية قبل بدء التدريب؛ لتتضح نهاية نفق التدريب لدى هذا الشاب ويصبح ذا رؤية واضحة للمهنة الراغب في العمل بها، ويكون التدريب على رأس العمل ومقره ومحتوياته ذات علاقة مباشرة بالوظيفة وبالأمان الوظيفي؛ لذلك فإن آليات تبديل الأنموذج التدريبي للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني يجب أن تتغير من التحكم والسيطرة الحكومية المباشرة إلى المؤسساتية بالقطاع الخاص لتكتمل فقرات العجلة, وهنا يحدث التغيير في الباراديم عندما تتغير إدارة التدريب المهني من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني إلى القطاع الخاص؛ لتضع في اعتباراتها أن تقديم أي برنامج تدريبي سيفي بالتوظيف للشباب لدى القطاع الخاص.

وعلى امتداد خمسة وعشرين عاما أدارت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني قطاعات التدريب المهني التي نتجت عنها 24 كلية تقنية، و34 ثانوية صناعية، و34 معهدا صناعيا، و8 فروع للتدريب المشترك الذي يضم التنظيم الوطني للتدريب المشترك والتدريب على رأس العمل، و4 فروع للتدريب المهني العسكري، و8 فروع للتدريب المهني بالسجون، و49 فرعاً لبرامج خدمة المجتمع، و37 فرعاً للتدريب الأهلي، ونتج عن كل ذلك ما مجموعه 534 معهداً ومركزاً وثانوية صناعية خاصة حتى نهاية عام 2004، وهذا نتج عنه 31969 متدرباً تشرف المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني على تدريبهم مباشرة أو غير مباشرة. هذا الجهد لم يكن كافيا لمتطلبات التقدم الصناعي بالمملكة؛ لذا فإن مشروعات ابتكارية عديدة بدأت لتماشي التطور الذي تشهده المملكة بالتحالف مع العديد من المصانع والشركات العملاقة لتوظف وتدرب الشباب السعودي, ووقّعت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ست اتفاقيات وبروتوكلات تفاهم حتى الآن مع (سعودي أوجيه) ومجموعة (ابن لادن) و(البابطين) و(مصانع البلاستيك والورق) و(جي إم الشرق الأوسط) إما للتدريب المنتهي بالتوظيف أو التدريب المرتبط بالتوظيف. وعلى سبيل المثال, فإن اتفاقية جي إم توفر الأرضية الخصبة للتدريب والاستقرار الوظيفي, فبدلا من أن يتوجه المتدرب إلى معهد التدريب الخاص بالمؤسسة فإنه يوقع عقد توظيف مبدئي مع إحدى الشركات الموزعة لسيارات جي إم، ومن ثم يوجه للتدريب في مركز جي إم للتدريب الأساسي، ثم يوجه لبدء التدريب على رأس العمل مع جهة التعاقد.

هذه العملية تمر خلال إجراءات فنية عدة تضمن الجودة في التدريب وضمان الرضا للشركة الموظفة والشاب, وفي نهاية المطاف التدريبي فإن المتدرب يحصل على خبرة عملية من الشركة الموظفة لمدة عامين على الأقل، ودبلوم مهني من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني, أيضا فإن شركة جي إم الشرق الأوسط تقدم الحقائب التدريبية وعقود التوظيف والمستلزمات التدريبية الأخرى مثل الورش والمعدات والخبرات الفنية والإشراف, أما المؤسسة فإنها تقدم التقييم المشترك والأرضية التدريبية والمشاركة بالمدربين. هذا الأنموذج المبتكر يحفز المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني لتقديم كل ما لديها من قدرات فنية ومالية وبنية تدريبية تحتية للقطاع الخاص ليضمن للشاب وظيفة مأمونة بالإضافة إلى تدريب كفء.

إن اتفاقية جي إم ما هي إلا بداية الشراكة والباراديم الجديد الذي يهدف إلى ضم القطاع الخاص مع الدولة في السياسات التخطيطية والتدريبية المهنية, وهذا النوع من المشروعات المبتكرة يقدم للقطاع الخاص كل احتياجاته العمالية مع إشراكه في عملية التدريب؛ ولذلك فإن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني أنشأت عدة إدارات للتدريب المشترك لتحقق خططها التنموية وتصل لمأمول الباراديم الجديد. وستقدم الورقة نبذة عن الإدارات الست للتدريب المشترك: (1) التدريب المشترك الذي يحتوي على التنظيم الوطني للتدريب المشترك والتدريب على رأس العمل, (2) التدريب العسكري, (3) التدريب المهني بالسجون, (4) التدريب الأهلي, (5) المنشآت الصغيرة, (6) الفحص المهني, وسيشمل العرض نبذة عن أهداف وسياسات الإدارة والشركاء والإجراءات المتبعة للعمل والإنجازات والأهداف المستقبلية للإدارة. وضم القطاع الخاص في العملية التدريبية وفي مشروعات المؤسسة الابتكارية يقدم الأرضية الصالحة لدولة ذات ديناميكية عالية, ومن فوائد هذه المشروعات تقديم العمالة المدربة المطلوبة للقطاع الخاص, وهذا الإيفاء يتطلب أن ترفع المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني يدها من التحكم في العملية التدريبية 100% إلى عمل المشرف والمساند الذي يعتبر بمثابة تغيير للكراسي.

وبتلك البرامج فالمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني تقدم لكل شركة متطلباتها لتحقق أهدافها في توظيف عمالة سعودية مدربة ومؤهلة دون تكاليف باهظة وبمشاركة فعالة لكل شركة على حسب قدراتها. وهنا فإني أؤمن بأن القطاع الخاص سيتولى مسؤولية بناء البنية التحتية للتدريب المهني ولجميع المجالات وهذا ما سيسمح له بأن يبني المواقع التدريبية بدعم مالي وفني ويدرب ويوظف الناتج، ونموذج ذلك دولة كوريا الجنوبية التي تعتبر من النمور الآسيوية في جميع أنواع التقنيات الصناعية الست, وستقف المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني مدققاً ومسانداً للبنية الفنية في التأسيس ومشرفاً عاماً على جودة الناتج .... إلخ.