نصائح هامة قبل دخول أي دورة تدريبية:

فيما يلي سأزودك بإذن الله تعالى بمجموعة من النصائح التي تمكنك من حسن اختيار الدورات التدريبية وحسن الاستعداد له حتى تحصل أكبر فائدة منها. وهي خلاصة تجربتي في عالم التدريب والاستشارات لأكثر من عشر سنين مدربًا وأكثر من ضعفها متدربًا والسعيد من اتعظ بغيره فتنبه:

النصيحة (1): احذر من نفسك

تشير الإحصاءات في السوق السعودي للتدريب أن السواد الأعظم من المتدربين يحضر الدورات التدريبية من أجل الحصول على شهادة وكلما كان الاسم المصدر للشهادة أكبر زاد الحرص على الحضور. لقد وجت فعلا من المتدربين من حاله كذلك ووجد منهم من يحضر الدورات التدريبية من أجل التفاخر بها، أو من أجل التسلية وقتل الوقت، أو من أجل المتعة العقلية في الجدال والنقاش، أو من أجل البحث الحثيث عن الجديد والغريب. وأي من هذه الأهداف كان سبب حضور الدورات، فإني والله أتساءل هل هذا هدف صحيح من حضور الدورات لمن أراد أن يطور نفسه فعلا؟!



وكيف لا يقع صاحب مثل هذه الأهداف في فخ الاستغلال والاستغفال فقد قيل قديمًا:" ما نبت ذل إلا على غراس طمع"؛ فمن يشتري ساعة روليكس الشهيرة بثمن بخس من بائع جوال يزعم أنه يبيعها لحاجة قاهرة، لا يستغرب عندما يكتشف لاحقًا أنها ساعة مقلدة لا تساوي ثمن حديدها! ففي الغالب إن ما يقع فيه الإنسان من فخاخ الخداع نتاج طمع في داخله أنه هو المستفيد وما حصل في أسواق الأسهم مؤخرا ليس عنا ببعيد.



ومن هنا فهذه نصيحتي لك: قبل التسجيل في أي دورة أو ورشة، اسأل نفسك: ماذا أريد من هذه الدورة؟ ولماذا هذه الدورة بالذات؟ كيف يمكن لها أن تسد احتياجاتي التدريبية بالتحديد؟ دون إجابات هذه الأسئلة. إذا لم تكن الإجابات وواضحة عندك ومقنعة لك، فعليك طرح الأسئلة التالية على نفسك: هل أعرف وجهتي في الحياة بشكل عام؟ ما رسالتي وما أهدافي؟ ما احتياجاتي التدريبية؟ هل أتبع فعلا خطة مكتوبة لتطوير ذاتي؟ إذا لم يكن عندك إجابات واضحة ومحددة لهذه الأسئلة، فلم يحن وقت الدورات التدريبية التكميلية بعد. عد إلى الفصل الثالث من هذا الكتاب وأقرأه بتمعن ثم طبق ما جاء فيه.



إن الدورات التدريبية وسيلة وليست غاية ولا بد أن يختار الإنسان منها ما يحتاج وهو القدر الذي يساعده على تحقيق رؤيته وأهدافه والوصول إلى وجهته والذي يتوافق مع طاقاته وقدراته. ونحن نكرر هنا أهمية تحديد الوجهة والأهداف ووضع الخطط ومعرفة الطاقات والقدرات، فبدون ذلك يصعب عليه اختيار ما يناسبه من دورات تدريبية ويصبح فريسة سهلة لطالب الثراء أو الشهرة من مقدمي خدمات التدريب أو حتى المدربين.

النصيحة (2): ليس كل ما يعلن عنه أنه دورة تدريبية، دورة تدريبية.

نعم فكثير من الدورات التدريبية ما هي إلا محاضرات؛ فالتدريب كما قلنا مرارا يُعنى في الأصل بإكساب المتدرب المهارة العملية. والعجيب! أن الكثير من مقدمي خدمات التدريب يزعمون أنهم يعقدون دورات تدريبية في كذا أو كذا، ثم تتفاجأ! أن تلك الدورات المزعومة مجرد طرح معلومات نظرية دون وجود تمارين عملية أو حتى نقاش تفاعلي في القاعة. بل إن الحال قد يصل إلى إهمال التمارين والجانب العملي تمامًا دون أدنى شعور بالمسئولية. ولذا فاسأل مقدمي خدمات التدريب عن الجانب العملي في ما يعلن عنه من دورات واشترط إرجاع مالك إن لم يكن هناك تدريب عملي كافي.

من الجدير بالذكر، أن هناك أسلوبان رئيسان في عالم التدريب الأسلوب التقليدي وهو السائد في عالمنا العربي والأسلوب المعرفي السلوكي وهو الجديد والذي بدأ يظهر مؤخرًا على استحياء في السعودية ودول الخليج وبعض الدول العربية بعدما أصبح الأسلوب المفضل في التدريب في العالم الغربي.

إن الأسلوب التقليدي القديم في التدريب أقرب إلى التعليم منه إلى التدريب، فالمدرب يلقي كمًا من المعلومات الباردة والتي لا تراعي الفروق الفردية ولا الخلفيات الثقافية ولا أن الاختلاف هو الأصل بين الناس، فتجد أغلب الدورات التدريبية مبنية على شكل قوالب محددة تطرح بأسلوب واحد في الغالب وكأن الدورة التدريبية محاضرة بين محاضر ومتلقي سلبي لا يتفاعل معه، ولذلك لا تكاد تجد ثمرة عملية ملموسة لكثير من الدورات التدريبية التي تقدم بهذا الأسلوب. فدورة الاتصال الفعال التي تقدم بهذا الأسلوب تركز على إعطاء توجيهات جوفاء مثل عليك الإنصات أو عليك فهم الرسالة دون أن توضح الكيفية أو الوسائل.

أما التدريب المعرفي السلوكي فهو يعنى أولاً باكتشاف دوافع المتدرب لتعلم المهارة وممارستها ثم تحديد قناعاته وتصوراته عن الموضوع ومدى اتفاقه من عدمه مع القناعات والتصورات المحتاج إليها فعلاً لإتقان المهارة المراد التدرب عليها ومن ثمة يشرع المدرب في إقناع المتدرب بتلك القناعات ومعالجة الأفكار والتصورات التي تمنعه من ذلك وتعديلها وبعد ذلك يبدأ المدرب في نقل المهارة المطلوبة إلى المتدرب عن طريق استخدام الأسلوب المناسب لشخصيته وقناعاته وطريقته الخاصة في التعلم والتذكر في بيئة آمنة يتدرب فيها على ممارسة تلك المهارة حتى يصل إلى الحد الأدنى من التمكن حتى يصبح قادرًا على البدء باستخدام تلك المهارة في العالم الحقيقي والاستمرار في ممارستها إلى أن يصل إلى الإتقان.

النصيحة (3): ليس كل من يزعم أنه مدرب تطوير ذات، مدرب تطوير ذات!

يظن الكثير أن كل من استطاع الحديث أمام الناس أو كل من ملك قدرا من المعلومات أو من قرأ عددا من الكتب، أو كل من حضر دورة أو أكثر في ما يسمى تدريب المدربين، قادر على تدريب دورات اكتشاف وتطوير الذات! كلا. إن التدريب بشكل عام وتدريب تطوير الذات بشكل خاص يحتاج إلى مواهب وقدرات وإمكانيات خاصة فليس كل أحد يصلح لأن يكون مدربًا فهناك سمات شخصية ومهارات أساسية لا بد أن تتوفر في الإنسان حتى يكون مدربًا جيدًا ومن أهمها ما يلي:

· السلامة من الآفات الجسدية المؤثرة
· الاستقرار النفسي والعاطفي وحب البذل والعطاء
· وضوح الوجهة والأهداف في الحياة، ففاقد الشيء لا يعطيه
· معرفة قدرات الناس واستعداداهم واختلافاتهم وحسن توظيفها
· التمكن من مهارات التواصل الفعال وحسن المعاملة
· حسن استغلال الوقت ووزن الأمور والمصالح
· القدرة على القيادة والتوجيه والحزم بحكمة
· البساطة والتلقائية والواقعية والمرونة في الأداء
· الإبداع والابتكار والتنويع
· التمكن الشديد من المادة العلمية

إنني أعتقد أن المدرب في دورات تطوير الذات هو الركن الأهم، لأنه يقود العملية التدريبية ولذا فإني أنصحك قبل دخول أي دورة تدريبية، أن تسأل أولا عن المدرب وتحرص على ذلك. يمكن لك القيام بذلك، من خلال الاتصال به شخصياً والسؤال عن رسالته ووجهته في الحياة وإذا تلعثم أو تأخر في الإجابة، فأنصحك بالبحث عن مدرب آخر إلا إذا كان المانع وجيهًا كأن يكون مشغولا أو مريضًا أو على سفر، فقد لا يكون الوقت مناسبًا للرد. ويمكن كذلك معرفة المدرب بالسؤال عنه بالبحث عنه في الإنترنت وعن سيرته الذاتية وماذا يقال عنه وسؤال المتدربين السابقين عنده إن أمكن.

عمومًا، تبقى أفضل الطرق في التأكد من جدارة المدرب وكفاءته وهي أن تطلب من الجهة المنظمة للدورة، حضور بضع ساعات تدريبية للمدرب وهو يدرب وترى وتسمع بنفسك أسلوبه وطريقته أو على الأقل مشاهدة مقاطع فيديو له وهو يدرب سواء عن المركز أو على الإنترنت. وأخيرا تذكر أن الأرواح جنود مجندة فقد لا يحصل بينك وبين من يعلمك أو يدربك أو يوجهك، توافق لأي سبب كان؛ وعندئذ لن تتنقل المعلومات أو المهارات أو النصائح منه إليك بسهولة، فاحرص دومًا على التقصي عن المدرب ومعرفته قبل الدخول في الدورة التدريبية ولا تجامل على حساب نفسك. نصيحة هامة! يمكنك الاشتراط على مقدم التدريب أن تستعيد مالك إذا لم يعجبك التدريب أو المدرب في الساعة الأولى من الدورة إن كانت الدورة ليوم واحد فقط أو اليوم الأول منها إن كانت الدورة لأكثر من يوم.


لنصيحة (4): ليس بالضرورة أن يعكس عنوان الدورة التدريبية محتواها الحقيقي.

من أكثر ما يثير الخلاف بين الناس، تنوع وتعدد التصورات بينهم، مما يؤثر على تفسير الأحداث أو فهم الكلام. وخير ما يمكن أن يساعد في التعامل مع هذا التحدي؛ التبين والتثبت مما يتلقى الإنسان من رسائل ومعلومات. وعناوين الدورات التدريبية أو الورش أو المحاضرات أو غيرها ما هي إلا رسائل من المفروض أن تلخص ما ستقدمه فعلا للمتلقي وبالتحديد الصريح ، فمثلا لو كان عنوان الدورة التدريبية " التواصل الفعال" ؛ فهذا يعني نظريا أن المتدرب سيتعلم كيف يتواصل مع الآخرين بأكبر وضوح وبأقل جهد من أجل الحصول على أفضل النتائج من التواصل معهم وهذا ما تعنيه كلمة فعال في العنوان.

إلى هنا وكل شيء جيد. ولكن! التحدي الكبير، هل محتويات هذه الدورة تعكس فهم هذا العنوان فعلا؟ أم أن الدورة ستعلم المدرب موضعًا آخرًا؟ كمعرفة كيف يحدد أنماط الاتصال المختلفة عند الناس؛ المهارة الهامة والتي وإن كانت ركنًا هاماً في التواصل الفعال، إلا أها ليست هي " التواصل الفعال"؛ فبعد انتهاء الدورة التي تعلم هذه المهارة وإن كان عنوانها "التواصل الفعال" وإتقان هذه المهارة، لن يتمكن المتدرب من إتقان مهارات التواصل الفعال، ما لم يتقن بقية المهارات الأساسية. ولذا فإن عنوان الدورة المفروض أن يكون: " مهارات تحديد أنماط الاتصال المختلفة عند الناس" وليس "التواصل الفعال".

لعل بعضكم يقول وما المشكلة في ذلك فقد تعلمت مهارة جديدة من هذه الدورة. وهذا كلام جيد ولكن ماذا لو كان المتدرب أخذ هذه الدورة من قبل وسجل في الدورة حتى يستكمل باقي مهارات التواصل بناءً على عنوان الدورة المعلن عنه؛ "مهارات التواصل الفعال" أو "التواصل الفعال"؟ كيف سيكون وضعه من ناحية الوقت المبذول أو المال المنفق؟ وكيف سيكون وضع الجهة المقدمة للدورة أمام الله من ناحية التدليس وعدم التوضيح- سواء بحسن نية أو بسوء نية- المؤدي إلى أكل مال المتدرب بغير وجه حق؟