النظريات السيكولوجية للتواصل:

د. الحضري لطفي
المنظور العام:
يكتسي السياق الثقافي والاجتماعي من الأهمية ما يجعله مكونا أساسيا في كل عملية تواصل تتجاوز إبلاغ المعلومات إلى تقاسم المعاني وتعديل العلاقات بين الأفراد، وفي هذا الإطار"لا يمكن اختزال التواصل بين شخصين في العلاقة بين وظيفتي الإرسال والاستقبال. إذ أن العلاقة التي توحد بينهما هي بمثابة عقد اجتماعي سيكولوجي تتدخل فيه الأدوار والأوضاع وشخصية كل منهما"
النظريات النسقية للتواصل:
إذا كانت النظريات الآلية في مجملها تعتبر التواصل كتركيب لا يمكن تفسيره إلا بتوزيع كل العناصر لتحليلها متفرقة، فإن النظريات العضوية تعتبر التواصل نظاما حركيا يؤسس لعلاقات تفاعلية بين مختلف العناصر ( المرسل، المستقبل، الرسالة...).
إن التصور العام العضوي تحكمه أربعة مبادىء كبرى تؤسس لمقاربة نسقية:
• النموذج دائري معقد إذ أن معنى غير متوقع قد يسود داخل النظام مما يزيح مبدأ الحقيقة.
• النموذج تفاعلي، والتفاعل هنا بمعنى الفعل العكسي المغيّر لسلوك أو طبيعة مكونات النظام.
• النموذج يأخذ بعين الاعتبار السياق الذي يتم فيه التواصل في شموليته.
• النموذج علائقي حيث تهدف الإشارات والرموز على تفسير العلاقة التي تميز المجموعة.
ويمكن تجسيد النمـوذج النسقي للتواصل حسب السبيرنتيـك (cybernétique) -التـي تهتـم بتنظيم النظم والأنساق- بواسطة الخطاطة التالية للتواصل الذي يتم عبر إرسال وتبادل الإشارات.









وهكذا يتضح أن النسق التواصلي يشمل كل ما يشير إلى بنية كلية متكاملة في مقوماتها وعناصرها والتي بدونها لا يمكن اعتبار التواصل سلوكا داخل سياق ولا محدد بمرجعية (ثقافة، معارف...).
أما بالنسبة للمقاربة النسقية التفاعلية*، فهناك إشكالية كبرى يجب تعريفها في كل تواصل وتتعلق بتعريف الموقع الذي يحتله كل مشارك في الفعل التواصلي بالنسبة للآخر وللمعاني التي يكونونها خلال وضعية معينة.
في هذا الإطار، يشير " د. بيكارد" ((D.PICARD إلى كون مسألة تحديد المكان قد تكون مفروضة من الخارج من طرف الأوضاع والأدوار (أساتذة/ تلاميذ) كما قد تكون أيضا محددة من الداخل ولو من العلاقة من المكان الذاتي الذي يأخذه كل فرد بالنسبة للآخر...
إن النظريات السابقة جاءت لتركز جهودها على فهم وتفسير التواصل باعتباره محركا وقالبا ودعامة لوضعيات تخلق الوقائع والعلاقات قبل أن تكون تبادلا وتقاسما للرسائل والمعاني. كما أن اختلاف هذه النظريات يرجع –في نظرنا- من جهة، إلى اختلاف المرجعيات التي تستند إليها كل نظرية في تفسير وتحليل ظاهرة التواصل. ومن جهة ثانية، إلى صعوبة الحديث عن مفهوم مختزل وضيق للتواصل يستحضر عناصر دون أخرى في فهم العملية التواصلية في وضعيــات مختلفـة. لذلك كان ضروريا أن نحاول التعـرف على مفاهيـــم - إجرائية- للتواصل بين الأفراد.