أدب الحوار و المناظرة ومعيقاتهما:
د. الحضري لطفيi ـ أدب الحوار و المناظرة:
1 ـ أدب الحوار:
هذه بعض الآداب التي تؤسس لحوار بناء قوامه التواصل الإيجابي بين المتحاورين وهدفه الأساسي تنمية الأفكار وتمتين العلاقات:
أولاً: اختيار الجو المناسب للحوار:
التهيؤ للنقاش واختيار الوقت المناسب من العناصر المهمة لنجاح عملية الحوار، وضمان تفاعل الطرف الآخر، والانتهاء بنتيجة مقبولة، فلا بد من الهدوء، والابتعاد عن الأجواء الجماعية، والغوغائية التي تشتت الذهن وتؤدي إلى عدم التركيز، كما ينبغي مراعاة الظرف النفسي والاجتماعي للطرف الآخر، بأن لا يكون مرهقاً أو يعاني من مشاكل أسرية، أو اجتماعية فكلها تفضي إلى فشل الحوار ونهايته بنهاية غير سعيدة.
ثانياً: الفصل بين الفكرة وصاحبها:
من الأمور الشنيعة والسائدة في الوسط الاجتماعي هو الخلط من الشخص، والفكر الذي يحمله، فمن كان يختلف معنا في الرأي فكل حسناته سيئات، ومن يتفق معنا في الفكر نحيل كل سيئاته حسنات، لذا لا نجد من الخطأ كيل التهم والشتائم والتشهير، وتتبع العثرات هذا إن لم تصل المسألة إلى حد الكذب والافتراء لكل من ناوأنا في رأي من دون تورع، أو تريث، فمن الأمور اللازمة لاستمرار الحياة على الوجه الأكمل أن لا نخلط الأوراق، وأن لا نفسد علاقاتنا وتراحمنا من أجل أفكار قابلة للصحة والخطأ، فكما جاء في المقولة المشهورةاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية).
ثالثاً: أدب الاستقبال ( الاستماع ):
قيل إن كل متحدث بارع هو مستمع بارع، فلابد للمحاور الناجح أن يتقن فن الاستماع بالقدر ذاته الذي يتقن فيه فن الحديث، فإتاحة الكلام للطرف الآخر وإبداء رأيه هو أصدق دليل على اهتمامك بما يقول، وأنك تنشد الحقيقة بروح مرنة، وليس الحوار من حق طرف واحد يستأثر فيه بالكلام دون محاوره، وهو ما يعرف بإقصاء الطرف الآخر، فهناك فرق بين النقاش وتبادل الآراء، وبين الاستبداد بالرأي الذي هو إجهاض للحوار في المهد.
ويعد حسن الاستماع من أهم شروط التواصل الناجح مع الآخرين ويفيد الطرفين في استمرار الحوار والتواصل وشعور المتحدث بارتياح واطمئنان وشعور المستمع بالفهم الجيد والإلمام بموضوع الحوار مما يمكنه من الرد المناسب، ولتحيق الاستماع الجيد لا بد من توفر شروط منها:
إقبال المستمع نحو المتحدث.
عدم إظهار علامات الرفض والاستياء.
عدم الانفعال أو إعطاء ردود فعل سريعة ومباشرة قبل إنهاء المتحدث كلامه؛ كي يستمر المتحدث في الاسترسال ويستمر التواصل.
رابعاً: أدب الحديث ( الإرسال ):
ويكون بالإقبال نحو المستمع، وعدم المبالغة في إظهار الانفعال وحركات الأيدي والتوسط في سرعة الرد؛ ومما يؤثر على استمرار الحوار إيجابية الموضوع وجاذبيته، وراحة المستمع له.
ومما ينبغي للمحاور أن يتحلى به في ثنايا حديثه، احترام الطرف الآخر بالتأدب والتقدير، وانتقاء الكلمات التي يتلفظ بها بأن لا تكون جارحة أو نابية، وأن يتجنب الاستهزاء به والسخرية منه عن طريق الازدراء، أو التبسم أو الضحك والغمز، واللمز؛ لأنها من أهم عناصر هدم الحوار الهادف البناء المرجو من الإنسان المؤمن؛ فالحوار غير الجدال، واحترام أراء الآخرين شرط نجاحه، ومن ذلك حوار الأنبياء مع أقوامهم، ومثاله ما أمر الله به موسى وهارون في مخاطبة فرعون: " اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى 43 فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى " طه 44.
بل ينبغي للمحاور أن يتسم حديثه بالحب المتبادل، وكلمات الإخاء، والتعبير الصادق، وذلك بغض النظر عن نوع الأفكار التي يحملها الطرف المقابل سواء كانت حقاً أم باطلاً إذ احترام الشخص شيء، واحترام ما يؤمن به شيء آخر يجب التفريق بينهما.
خامساً: البحث عن النقاط المشتركة:
مما لا خلاف فيه أنه بين كل اثنين نقاط مشتركة يتفقان عليها ويؤمنان بها، والمحاور الذكي الناجح هو من يجعل موقع الاتفاق منطلقاً للولوج في صلب الموضوع، لما يحدثه هذا الأسلوب من تضييق فجوة الخلاف بينهما، و تقريب وجهات النظر، وبناء جسرٍ من التفاهم إلى الأمر محل النقاش والخلاف؛ ثم إذا فكرنا في الهدف المرجو من الحوار، أليس هو القضاء على الشقة بين الطرفين، وتوحيد الرؤى من أجل بناء مجتمع تسوده المحبة والإخاء، وهذا ليس بالمطلب الجديد إذ الإسلام سعى من أجله حتى مع الكفار يقول تعالى: (قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا بينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) آل عمران: آية 64؛ فإذا كان الإسلام يبحث عن عناصر الالتقاء مع المشركين بالأولى أن تكون داخل المجتمع الإسلامي الواحد والعقيدة الواحدة.
المفضلات