عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
كيف تكونا والدين ناجحين
من البديهي أن كل منا يحلم أن يكون له أطفال ويطمح لتربيتهم أحسن تربية. لكن هذا ليس بالأمر السهل في وقتنا الحاضر نظرا للعديد من الضغوطات والتغيرات التي تعيشها مجتمعاتنا. لهذا يتوجب على كل منا الإستعداد والبحث في الطرق والوسائل التي يستعين بها على تربية أبنائه. وهنا فكرت أن أنقل لكم نصا من كتاب عالج مشكلاتك النفسية بنفسك 1999 للمؤلف د محمد حمدي الحجار. أرجو أن يكون الموضوع مفيدا للجميع. قراءة ممتعة.
مفهومنا للتربية والوالدية محصور في الوظائف التالية : تقديم الغذاء للأولاد ، تعليمهم ، تقديم اللباس والمأوى ، التربية الدينية والاجتماعية ، أو التأديب الاجتماعي . وإذا تم ذلك فتكون الأسرة قد أنجزت واجباتها تجاه أولادها . وأعطتهم حقوقهم في الوالدية .
والحقيقة أن الوالدية هي أكثر من ذلك في المهام والواجبات تجاه الأولاد . إنها المسؤولة الأقسى ، والأكثر إلزامية وتحدياً من أي عمل أو مهنة يمكن أن يتصوره أي فرد . توجد مدارس لها ، ولكن ليس فيها فحوص يتطلب اجتيازها والنجاح فيها . إنها بالتحديد " التعلم من خلال العمل " .
في ممارسة أية مهنة تقدم الخدمات فيها إلى الناس ، فإن هذا يتطلب ترخيصاً من الدولة لهذه الممارسة بعد أن يكون طالب هذا الترخيص مجازاً في المهنة التي تعلمها من الجامعة واجتاز فحوصها ونال الإجازة والترخيص . في الولايات المتحدة الأميركية يستوجب اجتياز فحص الولاية لنيل هذا الترخيص . وحتى الزواج يحتاج إلى ترخيص في بلادنا العربية من المحاكم الشرعية ( ولكن لا يحتاج إلى شهادة لإجازة الزواج – وللأسف – تثبت كفاءة الزوجين في الزواج ولا توجد فحوص لهذا الغرض ) .
إن جلب أشخاص إلى العالم من خلال الزواج ( أي الأولاد ) لا يتطلب إلا توافر جهازين تناسليين – عند الزوج والزوجة - . أي لا يوجد إعداد ولا تدريب ولا تعليم ولا شهادة ترخيص بالسماح بإنتاج الأولاد لهذين الزوجين .
إن تعليم المهارات الأساسية والمهمة للوالدين كي يكونا صالحين للوالدية وتربية الأولاد هو ركن مهم وخطير في مسألة التربية والإنجاب . وهو يحدد المسار الملاحي لنجاح الأولاد أو إخفاقهم مستقبلاً في حياتهم .
إن أهم وأكثر الهدايا قيمة تقدمها لأولادك هي ما يمكن تسميته " ببوصلة العمل "- أي المهارات والحقائق – التي تساعدهم في النجاح بالمدرسة والعمل ، وفي اللعب واللهو ، وفي الحب والرفقة والألفة الاجتماعية .
من سوء الحظ أن برنامجنا الدراسية في المدارس ( الصفوف الإعدادية والثانوية ) لا تعد الولد ، أو البنت ، ليكونا أزواجاً في المستقبل ، يمتلكان المعرفة التربوية والسيكولوجية لإعداد الولد للحياة . كما لا تعدانهما لاكتساب المهارات الاجتماعية وللتفكير العقلاني . وكيفية ضبط الانفعالات المنافية ( أي الأمور التي تتعلق بالتكيف والصحة النفسية ) أو لنقل : تبديل السلوك اللاتكيفي عموماً .
إن تعليم مهارات الوالدية الأساسية لإعداد الأولاد للحياة من شأنه زيادة الفرص للأولاد بقدرتهم على مسك " بوصلة الحياة " والتوجه السليم نحو أهدافهم .
يتعين تعليم الآباء والأمهات " أو تعليم أنفسهم " بكيفية حل الاختلافات بينهم ، وتأكيد الذات ، والتدبر بالشدة النفسية . كما ويحتاجون التخلي عن العرف التربوي السيئ في تنشئة الأولاد الموروث عن الآباء .
ومن المسلم به ، أن الأولاد لهم خصائصهم المختلفة ، ويمتلكون الأمزجة والحاجات وسمات الشخصية المتباينة . لذا لا توجد طريقة مطلقة صحيحة يمكن تعميمها في مسألة التربية والتنشئة تصلح لكل الأولاد . إلا أننا - مع ذلك – نتكلم عن المؤشرات والأسس ، السيكولوجية المفيدة التي تلافي القبول عند معظم السيكولوجيين والمربيين .
من المعلوم أن الأولاد لا يدركون حق الإدراك ما يفيدهم . لذا يتعين من حيث المبدأ أن يقوم الأهل بعملية التوجيه وذلك وفق توجيهات صحية مناسبة اجتماعياً .
ونعني بالتوجيهات الإعدادية التربوية الاجتماعية مراعاة التدريب على مواجهة المشكلات البيئية التي يواجهها الولد ، والتعليم بالتعامل معها بنفسه ، ولكن وفق الإرشادات الوالدية وليس أن يحلها الأهل نيابة عن أولادهم . أي إعدادهم لمواجهة مشكلاتهم الحياتية بأنفسهم وتدريبهم على طرق التعامل معها .
إن أكبر مشكلة يواجهها الأهل في تعاملهم مع أولادهم هي عندما يمارس الأولون ، أي الأهل ، الضغط على أولادهم الصغار بأن يفعلوا ما هو لصالح الأهل وليس تلبية لرغبة أولادهم . فهناك فرق كبير مثلاً بين تحديد الساعة الثامنة مساء للولد للذهاب إلى الفراش لأن عليه الاستيقاظ باكراً للذهاب إلى المدرسة ، وبين إلحاح الوالدين على أن ينام الولد في هذه الساعة لأنهما يرغبان في الاختلاء لوحدهما بمشاهدة أنواع خاصة من الأفلام في التلفاز لا يرغبان أن يشاهدها الولد لأسباب عديدة .
كما أن كثيراً من الأهل يرون أولادهم امتداداً لذواتهم ويطالبون أولادهم بالإمتثال لأوامرهم بدون تساؤل إطلاقاً . إلا أنهم لا يدركون أن لأولادهم تفكيراً حراً ، وهم أفراد ذووا استقلالية ذاتية يعملون ويفكرون وفقاً لحوافزهم ودوافعهم الذاتية . وعندما يكون الأهل ملحين وفارضين فرضاً كبيراً لمطالبهم على أولادهم يتوجب على الآخرين التنفيذ بدون أي نقاش فإن النتيجة غالباً ما تكون التحدي والتمرد على أوامر الأهل ومطالبهم وتعليماتهم ، أو ينعكس التسلط على شخصية الولد بأعراض القلق وعدم الأمن .
* إن نمو الذات نمواً صحياً عند الولد يتطلب أن يكون له صوت في الأسرة ويناقش ويقبل هذا الصوت ، وليس من الضروري أن يكون موافقاً عليه .
وبالمقابل إن الأهل المتساهلين الذين لا يفرضون ضوابط على أولادهم ، ويتركونهم يسيرون مع رغباتهم بدون محاسبة أو اعتراض ، فإن هؤلاء الأولاد يشبون بتحمل ضعيف للإحباط ، سريعو الانهيار العصبي ، ولديهم مشاعر الارتباط والاتكال على الغير . لذا فإن التوازن والاعتدال بين هذين الحدين المتطرفين في التربية ( لا إفراط ولا تفريط ) هو أمر لازم لازب ومن سمات التربية القائمة على مراعاة الصحة النفسية .
ولعل المفتاح هنا يكمن متى تكون متساهلاً ، ومتى تكون ضابطاً مسيطراً في العملية التربوية .
* إن الأخذ بالنتائج الطبيعية بالنسبة لفعل أو فرضه هو تساهل بموقف ولكن فيه تحفظ .
عندما أصر ماهر على أن يبقى ساهراً متجاوزاً الساعة النظامية التي يأوي فيها إلى الفراش ، تساهل معه والده بأنه لديه الوقت لأن يستريح بعد انتهاء دوام المدرسة مهما كان تعبا في اليوم التالي . فإعطاء التبرير لماهر من قبل والده يعد نتيجة صنعية . ولكن إذا أبان الوالد لماهر أن خياره بالتأخير في الذهاب إلى الفراش يترتب عنه أنه سيكون متعباً لا يستطيع أن يتعامل مع مسؤولياته المدرسية في الصف . وهذا ما يسمح لماهر أن يبصر العلاقة من الفعل والنتيجة ويسمح للولد أن يتعلم من أخطائه .
من جهة أخرى ، أن تكون والداً فعالاً ليس بالأمر السهل وذلك أن كثيراً من الآباء يرتكبون الأخطاء ذاتها مع أولادهم . وبحق ، يمكن القول إن الميل في اتهام الوالدين بالأمرالسيئ الذي يلحق بالأبناء هو شيء أو حكم غير عادل وغير صحيح . فجميعنا ورثنا بعض الميول من أهلنا الذين لا سلطان لهم عليها بهذا التوريث ، ولا يمكن تبديلها . إلا أن تأثير الجماعات من العمر نفسه يكون أكثر قوة من الفوائد وحتى من الوالدية المثالية .
ومع ذلك ، فإن الوالدين الجيدين يمكن أن يخلقا شيئاً مختلفاً وذلك عندما يتجنبان ارتكاب بعض الأخطاء الرئيسية وغيرهما يفعلانها . فالوالدان الجاهلان مثلاً يخلقان عند أولادهما مشاعر الإثم إذا ما تصرفوا تصرفاً خاطئاً .
بينما مشاعر الذنب الخفيفة عادة تردع من ارتكاب التصرفات الخاطئة ، ونسميها " محاسبة الذات " . وفي عائلات أخرى ، فإن الأداء المدرسي السيئ يتحول بنظر الوالدين إلى خطيئة أو ذنب جسيم فالولد الذي تغرس فيه شعور الأخلاق السيئة من أجل قصور بسيط سينظر إلى ذاته بكونها سيئة ، ويفشل في تكوين إحساسه بقبول ذاته . " أنت ولد كسول سيئ ، وسوف لن تحصل على أي شيء . قلت لك رتب غرفتك قبل الذهاب للعب " . ماذا تسمى الوالدية عندما تتهم أم ابنها بالولد السيئ عندما يركض في الشارع ؟ هل يستحق معاقبته بهذه التسمية ؟ ألا توجد طريقة أخرى في تحذيره من الركض خشية الدهس مثلاً . إن الوالدين العاقلين يوجهان تحذيراً حازماً لهذا الولد من مغبة ومخاطر هذا السلوك ولكن بدون المساس باحترامه لذاته .
والعمل الأكثر فعالية ، والأقل إيذاء في تربية الولد هو في التمييز بين ما يفعله الولد ، وما هي هويته وذاته . وعدم التمييز بين الفعل والهوية في العملية التربوية هو الذي يخلط الأوراق وتصبح التربية موجهة لتدمير احترام الذات عند الولد وإحساسه بالذنب ، وتعمق مشاعر الصغار والدونية والرفض لذاته .
* لذا لا تخلط السلوك غير المناسب فتنقله إلى ذات الولد وكيانه وشخصه . فالفرق كبير بين السلوك الخاطئ والواجب أن يعيه الولد ، وبين ذاته . فإن أخطأ فهو ليس سيئاً بل سلوكه هو السيئ لذا يجب التركيز على السلوك السيئ وتصحيحه وليس مهاجمة ذات الولد واحترامه .
قل لولدك : سلوكك سيىء . ولكن لا تقل له أنت سيىء . والفرق كبير بين تسمية الولد : " بالولد الغبي الأناني ، أو المقيت " أو تسمي سلوكه بالأناني ، أو الغبي أو المقيت .
وأخيراً خذ بعين الاعتبار التالي : إذا كانت المشكلات الجزئية البسيطة تتلقى منك عقوبات رئيسية ، فماذا تبقى إذن للمشكلات الكبيرة من عقوبات ؟
· احتفظ بالعقوبة للأعمال العدائية العدوانية .
· فكر ملياً وطويلاً : هل العقوبة التي سأنزلها بولدي تساعده على النمو نمواً صحيحاً وسوياً ، وتجعله قادراً على اتخاذ أحكام مستقلة وصحيحة ، وسوية ، في حياته المستقبلية ؟ .
" من كتاب عالج مشكلاتك النفسية بنفسك 1999 للمؤلف د محمد حمدي الحجار "
المفضلات