د./ منى أحمد البصيلي
مركز الاستشارات النفسية والاجتماعية

المصدر : موقع اسلام أون لاين




"كيف تستعد الأسرة لاستقبال طفلها الثاني؟" مع استقبال الأسرة للطفل الثاني تتنوع المشاعر ما بين الشغف والشوق للمولود الجديد والقلق لكيفية استقبال الطفل الأول للحدث، فضلاً عن قلق الأم من زيادة مسؤولياتها، وكيف ستتواءم مع الأعباء الجديدة للقادم الصغير.

جذور المواقف النفسية

الحقيقة أن أداء هذه المهمة يحتاج إلى كثير من الفهم والاستيعاب لمشاعر وأحاسيس كل من الطفلين والتوفيق بحيث لا يتأثر أي منهما بالإفراط أو التفريط في الحقوق أو الاهتمام، ولكن المطلوب موازنة واعتدال في كل شيء.

ولا بد هنا أن نلفت النظر إلى أن كثيرًا من المشاكل النفسية تنبت جذورها في هذا الموقف سواء بالنسبة للطفل الأول إذا شعر بانحناء زاوية الاهتمام عنه إلى أخيه الصغير، أو بالنسبة للصغير إذا شعر بمرور الوقت أنه لم يأخذ مكانه في البيت وضاعت شخصيته في شخصية أخيه - وخاصة إذا كان الطفلان من نفس الجنس - حيث تشير الدراسات أن الطفل الثاني عامة يكون له مجموعة من الصفات المشتركة التي يحاول بها إثبات وجوده ولفت الأنظار إليه، مثل: العناد، وعدم إطاعة الأوامر، وكثرة البكاء، والإحساس بالاضطهاد، والرغبة في تقليد الكبار. هذا، وتتفاوت هذه الصفات زيادة ونقصًا من أسرة إلى أخرى حسب درجة الفطنة في التعامل مع المواقف المختلفة.

كيف تتعامل الأم؟



أولاً: مرحلة الإعداد والتهيئة:

- أولاً لا بد من تهيئة الطفل الأول والتمهيد له مبكرًا، من منتصف الحمل مثلاً حتى يستعد الطفل نفسيًّا ولا يُفاجأ بالحدث، بل على العكس يكون متشوقاً لوصول أخيه، ويتساءل باستمرار، متى سيصل أخي؟ كيف سيكون شكله؟ ماذا سيلعب معي؟

- على الوالدين إشراك الطفل في كل الاستعدادات، مثل: اختيار ملابس المولود، وأخذ رأيه في ألوان الملابس والفرش، وتجهيز سرير المولود، واختيار اسم المولود.

- إذا كانت الأم تنوي تخصيص جزء من دولاب الطفل للمولود الجديد، فلا يجب أن تتم هذه الخطوة دون استشارته، بل الأفضل التناقش معه، وجعل الفكرة تنبع منه هو، ويقوم هو بالمساعدة في إعداد الدولاب.

- لا بد أن تحرص الأم على ألا يشعر الطفل بأنها تتركه كثيرًا وتذهب لشراء مستلزمات المولود أو للذهاب للطبيب، فيشعر أن هذا القادم الجديد بدأ يأخذ منه أمه ويشغلها عنه، بل تحرص على اصطحابه معها قدر المستطاع.

- يتأثر الطفل كثيرًا إذا شعر أن أمه مريضة أو متعبة ويشعر بالخوف عليها وعدم الأمان؛ ولذا على الأم أن تحرص ألا تشتكي أو تظهر متاعبها من الحمل أمامه، حتى لا يشعر أن هذا المولود الجديد هو سبب متاعب أمه فيكرهه.

ونلاحظ أن هدفنا في هذه المرحلة هو إعداد الطفل نفسيًّا؛ لاستقبال مولود وعضو جديد في الأسرة، وإيجاد حالة من الشوق لديه لوصول أخيه، مع البُعد عن كل ما يمكن أن يقلقه ويشعره بانشغالنا عنه وتزعزع مكانته في الأسرة.

مرحلة الولادة

قد يظن القارئ أنه تبعًا للسياسة المتبعة بإشراك الطفل في كل شيء، فيكون وجوده في مسرح الأحداث يوم الولادة أمرًا مستحبًا، ولكن الواقع غير ذلك؛ حيث إنه في يوم الولادة تكون كل الأمور مرتبكة، ويكون الجميع في حالة قلق على الأم، وتكون الأم نفسها في حالة من التعب لا تسمح لها بالاعتناء أو حتى الالتفات لطفلها، فيشعر الطفل بالقلق وعدم الأمان نتيجة لحالة الارتباك العامة ولانشغال الجميع عنه، ويشعر بالإهمال، فضلاً عن إصابته بفزع إذا رأى أمه تتألم وتصرخ.

ولهذا، فأفضل شيء هو إبعاد الطفل تمامًا عن مسرح الأحداث، فإذا كان يذهب إلى المدرسة، فلتأخذه جدته أو جده أو خالته من المدرسة، وتحاول أن تجعله يمارس يومًا شبه طبيعي، فيتناول طعامه ويذهب للنادي أو أي حديقة مع إعلامه - إذا سأل - أن ماما تضع مولودها وسنذهب لها في المساء.


عندما يذهب الطفل لرؤية أمه لا يكون هدفه رؤية المولود بقدر ما يكون هدفه رؤية أمه، والاطمئنان عليها، ومدى التغيير الذي طرأ عليها، ومدى اهتمامها به، وهو في هذا الموقف يكون حساسًا جدًّا، وأي موقف أو تصرف يفسّر عنده حسب مشاعره هو وأفكاره، ولهذا يختلف رد فعل الأطفال في هذه اللحظة.

وتروي إحدى الأمهات تجربتها فتقول: إنها تركت الطفل عند عمه، حيث يقيم معهم في نفس العمارة، وكانت الولادة قيصرية، فغابت عنه ثلاثة أيام وعندما عادت الأم والطفلة الجديدة كانت الأم في غاية الشوق لرؤيته واحتضانه، وعندما دخل الطفل وجد أخته الصغيرة ترضع وتقبع في حضن أمه، فوقف بعيدًا ونادى على أمه أن تأتيه، ولأنها كانت لا تستطيع القيام؛ نظرًا للعملية والجرح في بطنها، فقد أخذ يكرر الطفل نداءه مرة أخرى، فقالت له الأم: أنا لا أستطيع القيام، تعالَ أنت، فما كان من الطفل إلا أن أخذ يد ابنة عمه، وقال لها هيا بنا، وأصرّ على العودة إلى شقة عمه.

وللملاحظة عمر الطفل سنتان ونصف فقط، أي أنه كان يتصرف بتلقائية شديدة، لقد جاء وهو يتخيل أن أمه ستفتح ذراعيها له، وترحب به وتأخذه في حضنها - عرشه ومكانه الأثير - فإذا به يفاجأ بمن احتل مكانه.

الاحتفاء رغم الألم

ولهذا نقول للأم أبعدي المولود الجديد، وليكن حتى في غرفة أخرى، واستقبلي ابنك واحتفي به، ولا تُظهري أمامه تعبك وألمك على الأقل في البداية، ولكن خذيه في حضنك وقولي له كم اشتقت إليك، واعتذري له عن غيابك عنه، وإذا سألك لماذا لم تأخذيني معك، قولي له إنهم في المستشفى لا يوافقون.

باختصار لا تذكري الطفل الجديد بل حدِّثيه عن نفسه هو: ماذا كان يلعب، أين كان ينام، وهكذا؛ لأن هذا هو ما يريد أن يطمئن عليه أنك لم تتغيري، واهتمامك به لم يتأثر، ثم دعيه حتى يسأل هو عن أخيه الصغير، وقتها أحضريه له ودعيه يلاعبه ولا مانع من أن تسمحي له أن يقبله، ويمسك يده الصغيرة وأجيبي عن كل أسئلته.

من هنا تبدأ

اعلمي أن علاقتهما كأخوين أو أختين تبدأ في هذه اللحظة، وتعتمد في قوتها وصفائها على توفيق الله سبحانه وتعالى، ثم فطنتك أنت وتقريبك بينهما، وإليك بعض النصائح التي تعينك على ذلك:

أشركي طفلك في كل شؤون المولود والعناية به، دعيه يساعدك أثناء استحمام الصغير، فيمسك لك الملابس أو "الشامبو"، واسأليه رأيه في ملابس أخيه، وليختَر هو ما يعجبه، اطلبي منه أن يغنِّي للطفل الصغير حتى يهدأ أو يأكل.

دعيه يشعر أنك تثقين فيه، وأنه يساعدك، اطلبي منه أن يراقب أخاه حتى تنجزي عملك وراقبيه من بعيد دون أن يشعر بك، ثم اثني عليه واحكي لوالده وأجداده كم هو متعاون معك، ويحب أخاه ويحافظ عليه.

أجيبي عن كل أسئلته بخصوص أخيه، واشرحي له الفارق السني بينهما، وأنه بمرور الوقت سيكبر ويصبح مثله.

عندما يكبر الصغير وتبدأ المشاكل والمشاجرات بينهما عوّدي نفسك ألا تتدخلي بينهما، واتركيهما يحلان مشاكلهما وحدهما، فهذا يقوّي العلاقة بينهما على عكس ما تظن الأمهات؛ لأنك مهما حاولت لن تعدلي بينهما ولن ترضيهما.

أصرِّي على تعويدهما على اقتسام كل شيء معًا، ودائمًا ذكري أيًّا منهما أن يشرك أخاه معه في كل حلوى وكل لعبة.

أكثري من ترديد لفظ أخيك وأختك لتقريب واستشعار المعنى في أذهانهم.

وأخيراً أكثري من الدعاء لهما بأن يحفظهما الله، ويقوي العلاقة بينهما، ويهديهما سواء السبيل.