وقد عدد وايلي الإجراءات التالية لتحديد المتفوق:
أ ـ الدقة في المفردات واستعمالها.
ب ـ الأهلية اللغوية.
ج ـ الملاحظة السريعة والذكية والاحتفاظ بالمعلومات عن الأشياء.
د ـ الاهتمام المبكر بالتقاويم وبقراءة الوقت وبالساعات.
هـ ـ النوعية الجيدة في التركيز.
و ـ التكوين المبكر للقدرة على القراءة.
لكي نستنتج مما سبق نستطيع القول أن هناك أساليباً متعددة لتحديد الأطفال المتفوقين، ويتضمن الإجراء المنظم لهذا التحديد النقاط التالية:
أ ـ 1 ـ في الخطوة الأولى يمكن أن يكون اختبار ذكاء جماعي مساعداً كافياً لكشف المتفوقين.
أ ـ 2 ـ بجانب اختبار الذكاء الجماعي يمكن استعمال اختبار تحصيل معير لتحديد التفوق عند الأطفال.
ب ـ إن العلاقات الصفية وسجلات وصحائف التحصيل المختلفة للطلاب في المدرسة يمكن أن تقدم بعض المؤشرات عن التفوق.
ج ـ يمكن للمعلم أن يقدم مؤشرات وأدلة عن التفوق بواسطة الملاحظة، ولكن بعض المجربين يشككون بأهلية المعلمين وكفاءتهم في هذا المجال.
يجب إجراء الملاحظة الذكية الواعية والدقيقة فيما يتعلق بتحديد المتفوقين ويجب ألا يستعمل اختبار واحد فقط في هذا المجال.
ناقش كلاهار (1949) حدود التقنيات المستعملة عموماً في تحديد الأطفال المتفوقين وقال:
1 ـ إن اختبارات الذكاء مكلفة جداً ومستهلكة للوقت.
2 ـ إن اختبارات الذكاء جيدة للكشف عن المتفوقين، ولكن عيباً واحداً فيها هو أن الطلاب الذين تكون لديهم مشكلات انفعالية وواقعية نادراً ما يتم تحديدهم كمتفوقين، وكذلك الطلاب الذين لديهم صعوبات لغوية.
3 ـ تخفق بطاريات اختبارات التحصيل في تحديد الأطفال المتفوقين منخفضي الإنجاز.
4 ـ إن الأطفال الذين تكون لديهم مواقف عدائية تجاه المدرسة نادراً ما يتم تحديدهم كمتفوقين بواسطة الملاحظة. وكذلك الأطفال الذين تكون لديهم مشكلات تكيفية واقعية وانفعالية، إذ إنهم يقعون ضمن هذه الفئة.
بشكل عام، يتوفر العديد من الاختبارات الآن لتمييز الأطفال المتفوقين في أبكر وقت ممكن. ولذلك فإن اختبارات الذكاء الموضوعية مطلوبة لتحديد الأطفال اللامعين وهذه الاختبارات موجودة قيد الاستعمال لتمييز المتفوقين إلى درجة معقولة من عدم الثقة أو الثبات.
تعليم المتفوقين:
تذكر الأدبيات أن الأفراد الموهوبين بشكل خاص قد تم تدريبهم فردياً في السابق سواءً على أيدي آبائهم أو معلميهم، إلا أن فكرة تنظيم الصفوف الخاصة أو المدارس الخاصة للمتفوقين حديثة النشوء نسبياً. ففي عام (1862) تمت الإشارة إلى أقدم تمييز للمتفوقين في الولايات المتحدة وذلك في صيغة خطط الترقية في مدينة سانكميس فقد اقترحت هذه الخطة وجوب إعطاء الترقيات خلال كل ستة أشهر في البداية، ومن ثم خلال فترات زمنية مكونة من ثلاثة أشهر. وفيما بعد إعطاء ترقيات بعد كل خمسة أشهر وقد افترض أن الترقية المتكررة سوف توفر الفرصة للمتفوقين كي يحصلوا على اعتراف بموهبتهم، ولذلك أجريت التجارب في نيوجرسي عام 1886 على مجموعات مختلفة ضمن طبقة واحدة حيث صنف الأطفال في مجموعات مختلفة طبقاً لقدراتهم ومواهبهم، وسمح لكل مجموعة أن تتقدم بأسرع شكل تستطيع فعله. وقد كشفت النتائج أن هذه الطريقة قد قدمت الفرصة لكل طالب كي يحقق أقصى ما لديه من قدرات ظاهرة وكامنة. وفي أوربا تم تصميم خطة كيمبردج 1891 ونشرها في مجال المدارس والصفوف الممتدة من الصف الرابع حتى الصف التاسع.
إن الصفوف والمدارس الخاصة مقبولة عالمياً من قبل علماء النفس والمربين لتعليم الأطفال المتفوقين. ويسمي وليم ستيرن هذه الصفوف ((صفوف النخبة)) وقد كشفت البحوث أنها أعطت نتائج مرضية. ومع ذلك فإن الحالة ليست بهذه البساطة كما يظن أحياناً، فهناك خلاف مهم حول مرغوبية أو تفصيل التربية الخاصة للمتفوقين وصلاحيتها، وهناك بعض الأفكار القيمة التي تثار حول كل من جانبي هذه المسألة.
إن بعض الأفكار المقدمة لصالح الصفوف الخاصة هي:
1 ـ إن العمل الذي يقوم به طفل عادي في الصف نوع من الإعاقة للطفل الموهوب. ففي هذا الصف يمنع أو يكبح من العمل، ولكن الأطفال المتفوقين في صف خاص يعطون الفرصة للعمل طبقاً لقدراتهم العالية. وفي الصف العادي، إن الطفل المتفوق لا يتقدم بمعدل أبطأ من قدرته، بل إنه لا يحصل أيضاً على الفائدة من التعليم المتفوق. والحقيقة الراسخة جداً هي أنه من خلال الاستثارة المتبادلة يتوفر لمجموعة الأطفال المتفوقين حرية التقدم والتطور بسرعة أكبر، وهذا لا يتحقق للطفل العادي.
2 ـ إذا وضع طفل متفوق في صف عادي فإنه سيطور بعض العادات اللامبالية، فالمهام المعطاة له سهلة جداً كي يحلها وأحياناً يرفض التفكير فيها أو حلها، وغالباً ما يصبح مثل هؤلاء الأطفال غير متكيفين ومعادين للمجتمع. ولكن صفاً خاصاً يقدم الفرص للأطفال الموهوبين للعمل الذي يتحداهم وينمي قدراتهم الكامنة لأقصى درجة ممكنة.
3 ـ عندما لا تتوفر الصفوف الخاصة يسمح غالباً للأطفال المتفوقين بفرصة الترقية المزدوجة، وبذلك فإنهم يرغمون على الاختلاط مع أطفال أكثر نضجاً وأكبر سناً، ولكن في الوقت الذي يتم فيه ذلك يجب الاحتفاظ بشيء واحد في الذهن، وهو أن الطفل المتفوق قد لا يكون متفوقاً بالضرورة وخاصة في الجوانب الاجتماعية وفي الجوانب الأخرى من النمو. إضافة إلى ذلك ن بعض مشكلات التكيف قد تكون موجودة أيضاً بالنسبة له، فالطفل قد يكون متفوقاً في الذكاء وخاصة فيما يتعلق بدراسته ولكن ذلك لا يعني أنه عندما يوضع في مجموعة جديدة كلياً لن يعاني من مشكلة التكيف الاجتماعي. وعلى أي حال إنه يستطيع أن يتغلب على هذه الصعوبة إذا وضع في صف خاص حيث إنه سيجد المجال مفتوحاً أمامه للحصول على تقديرات النجاح بمعدل عادي وسيجد الفرصة للتقدم مع صفه.
4 ـ في أحيان كثيرة يعاني الأطفال الموهوبون من سوء التكيف الاجتماعي حيث إنهم يحصلون على كثير من الوقت في الصف العادي لأن المهام المعطاة لهم أخف وأسهل مما يستطيعون فعله، وإنهم يستطيعون حل هذه المهام بسرعة أكبر من الوقت المتوقع، وهذا ما يوفر لهم وقتاً كثيراً ريثما ينهي الأطفال العاديون عملهم، وفي هذه الأثناء ينحرف عقلهم الحذر للبحث عن أمور أخرى. وقد كشفت أدلة البحث أن العديد من الجانحين قد برهنوا على أنهم أطفال من ذوي القدرة المتفوقة لكنهم تركوا لامدرسة لتحاشي الملل والرتابة الناشئة من المناهج العادية.
5 ـ لقد كشفت الأعمال التجريبية في هذا المجال أن الصفوف الخاصة تقدم الفرص أيضاً لتنمية القيادة في مجالات عديدة. وفي المجموعة قد يوجد أطفال متفوقون بشكل خاص في الرسم أو الشعر أو الرياضيات أو الأدب أو الفروع الأخرى من المعرفة، وإن البرامج الأكثر تطوراً والأفضل تخطيطاً تصبح مناسبة لموهبتهم، وبالتالي ينشأ القادة المستقبليون في هذه المجالات المحددة فيما بعد.
6 ـ أشار هنري كودارد (1933) بشكل صحيح أن الأطفال المتفوقين مصاغون من مادة فاخرة أكثر من عامة الأطفال، فهؤلاء الأطفال أكثر حساسية وحذراً وسرعة في تفكيرهم، وإذا لم تقدم لهم الاستشارة المناسبة فإنهم سوف يخلقون مشكلات في الصف، وعندما يوضعون معاً مع مجموعة عادية من الأطفال فإنهم يصبحون مشكلة للمعلم، حيث أن معالجة أو معاملة كلا النوعين من الأطفال تصبح صعبة جداً.
هذه هي النقاط الإيجابية لصالح التربية الخاصة والمعطاة للصفوف الخاصة للأطفال المتفوقين، وهكذا فإنهم قد يحصلون على فرصة حقيقية لتنمية مواهبهم وإمكاناتهم الكامنة، ولكن مجموعة من علماء النفس والمربين يرفضون بقوة عزل هؤلاء الأطفال من المدارس العادية ولديهم مبرراتهم أيضاً. وإننا سنأخذ هذه المبررات كانتقادات لحركة التربية الخاصة وهي:
1 ـ إن أهم الانتقادات الممكنة لحركة التربية الخاصة هو أنها غير ديمقراطية إطلاقاً، فتكافؤ الفرص للتعليم يجب أن يتاح للفرد وللجميع على حد سواء ونحن ندعم هذه الفكرة بقوة.
2 ـ في أحيان كثيرة يشير علماء النفس إلى أنه إذا أبعد الأطفال المتفوقون من الصفوف النظامية فإنهم يميلون إلى تكوين أوهام وأخيلة بالإضافة إلى أنهم سيصبحون مدركين لقدرتهم المتفوقة ويخفقون في تكوين الاعتدال أو التواضع كسمة شخصية.
3 ـ تسهم الصفوف الخاصة في نشوء نوع من الأرستقراطية العقلية، فعزل الأطفال المتفوقين لتشكيل مجموعات خاصة يسهم في تشكيل أفكار التفوق والتعالي.
4 ـ عندما يفصل الأطفال المتفوقون فإن الطفل العادي يميل للخسارة، حيث إنه عندما يعمل مع المتفوقين يحصل على الفرصة لتعلم أشياء كثيرة ويصبح مدفوعاً بشكل كبير للعمل، ولذلك فإن سحب المتفوقين من الصف يحرم الطفل العادي من الاستشارة الفنية.
5 ـ يشعر بعض المربين أن مثل هذه البرامج الخاصة تحرم المجتمع من القيادة المتفوقة، ففي العمل مع الأطفال العاديين يجد المتفوقون الفرصة للتصرف كقادة يحصلون على التدريب في القيادة، وبالتالي يزود المجتمع بالقادة المستقبليين.
6 ـ إن أكبر وأهم انتقاد وجه ضد التربية الخاصة هو الكلفة العالية لمثل هذه البرامج، علماً أن هذه الفكرة ذات أهمية خاصة. فبعض النقاد يجادلون أنه عندما لا تتوفر الأموال الكافية لتعليم الطفل العادي فإن مثل هذه البرامج المكلفة للأطفال المتفوقين تكون غير ديمقراطية إلى حد ما.
توجيه الأطفال المتفوقين ودور الآباء والمعلمين:
يشير علماء النفس إلى أن الآباء يلعبون أيضاً دوراً هاماً مساوياً لدور المعلمين في النمو الملائم للأطفال المتفوقين. فمن المهم للآباء أن يوفروا البيئة الصحيحة للأطفال المتفوقين وبالتالي فإنهم يجدون المجال لاستخدام ذكائهم استخداماً جيداً. ففي بعض الأحيان يتم تجاهل حاجاتهم الأساسية لكن الآباء يجب أن يلاحظوا ذلك وألا يهملوه. كما أن الأطفال يجب أن يشعروا بأنهم مرغوبون من قبل أبويهم وأن آباءهم يستمتعون برفقتهم.
مرة أخرى يحتاج الأطفال المتفوقون للتمييز والتقدير. فالثناء المخلص عليهم من قبل الآباء والمعلمين والأصدقاء يجعلهم يشعرون بأنهم محبوبون، وإذا حرموا من التقدير فإنهم يلجأون إلى أحلام اليقظة. والأطفال المتفوقون يجب أن يشعروا أنهم محميون من الحاجة أو العوز، ويجب أن يشجعهم الآباء لاكتساب خبرات جديدة، ويجب أن يفكر كل أب أن الطفل يجب أن يفتش عن الفهم والتعاطف من أبويه في بحثه لمزيد من التعلم الإضافي. كما ينبغي أن يثقف الآباء أنفسهم حول حقائق عديدة بشكل صحيح، لأنهم بذلك يستطيعون الإجابة على أسئلة الطفل بشكل صحيح وواثق. وعندما ينمو الطفل ويصبح أكبر سناً يجب تشجيعه للقراءة والبحث عن الأجوبة عن أسئلته بنفسه.
بشكل عام يتعلم الأطفال من خلال الملاحظة، فالأطفال المتفوقون ملاحظون نبيهون، حيث إنهم يتعلمون عادة من الأمثلة التي يضربها آباؤهم، كما أن هؤلاء يتعلمون السلوك الجيد وعادات الكلام الصحيحة، والمرافقة والعشرة الطيبة، والأناقة، والشرف، على وجه التحديد في مراحل مبكرة.
إن العامل الممكن الآخر هو الدافعية، فدافع الطفل المتفوق يجب إرضاؤه. وبالنسبة للمتفوقين يعد الشغف أو دافع الاستطلاع ضرورة ملحة أو دافعاً ملحاً، فالطفل المتفوق يكون متشوقاً دائماً ليعرف لماذا وكيف ومتى وأين.. الخ؟، وإن الأجوبة على أسئلة الطفل سوف لا تزوده فقط بالمعرفة، بل ترضي حبه للاستطلاع وشغفه أيضاً.
يبالغ العديد من الآباء في تقدير مواهب أطفالهم، وإنهم يصرون عادة على تحقيق الطفل لأشياء تقع فوق مقدرته الفعلية. ومرة أخرى يختار بعض الآباء مهنة أو اختصاصاً لأطفالهم دون استشارة مرشد مهني. وبما أن إقحام الطفل في مهنة محددة يعد أمراً غير مرغوب جداً، فإن علماء النفس ينصحون أنه ما من اختيار لمهنة ما يجب أن يتم لطفل لامع قبل أن ينهي المرحلة الثانوية. وإذا كانت لدى الآباء أي مشكلات في التعامل مع الأطفال المتفوقين فإنهم يجب أن يستشيروا علماء نفس الطفل أو المرشدين التوجيهيين حالاً.
وعندما نصل إلى دور المعلم، فإن معلم الأطفال اللامعين يجب أن يكون شخصاً مرناً وديناميكياً، وإنه يجب أن يسمح للأطفال بأن يقوموا باكتشافات جديدة. فالمعلم يجب أن يكون مصدراً للإلهام والتشجيع، وأن يجد الفرصة لهم كي يختبروا إمكاناتهم ويكتشفوا سبلاً أكثر. فالأطفال اللامعون يحتاجون دائماً للتوجيه الملهم لهم، ولذلك يجب أن تعطى الأولوية للتعلم المنتج والعيش الفعال في توجيههم.
وتتطلب الإبداعية أيضاً الحساسية والاستقلال، حيث ينبغي أن يساعد كل من الآباء والمعلمين الأطفال المتفوقين لاكتشاف إمكاناتهم، ويجب أن يدعوهم أحراراً في جمع الأفكار وتجميعها ومقارنتها وتبادلها ويجب أن يحاول الآباء والمعلمون تقليص فجوة المسافة الانفعالية بين أنفسهم وبين الأطفال المتفوقين، ومن الممكن أن يتم ذلك بواسطة المشاركة والفهم.
بجانب كل هذه العوامل، من المتفق عليه عموماً أن تعليم التلاميذ المتفوقين يجب أن يؤكد على أهداف عقلية محددة أخرى بالإضافة إلى اكتساب المعلومات والمهارات الضرورية والمرغوبة، وتتضمن هذه الأهداف الأخرى: 1 ـ الإدراك التحليلي للأمور، 2 ـ أساليب حل المشكلات، 3 ـ استخدام التحليل في التعليم، 4 ـ التركيب في التعامل مع الأمور، 5 ـ التفكير المفاهيمي أو القائم على المفاهيم واللغة، 6 ـ الموضوعية العلمية، 7 ـ أساليب الدراسة المستقلة، 8 ـ تشجيع الأصالة والجهود الإبداعية، 9 ـ الاهتمامات وتشجيع الاهتمامات الخاصة.